«الزنج ثورة وقائد» لعلاء الوردي.. حركة تمرّد عمادها العبيد

مهدي علي ازبين

كتاب يعيد قراءة حركة تمرد عمادها العبيد، أطلق عليها المؤرخون (ثورة الزنج)، تصدى لهذه المهمة الباحث علاء الوردي بمجموعة دراسات ضمتها المتون، وتوزعت على ثلاثة فصول، وكل فصل انفتح على محاور عدة، لقد حاول الكاتب مثل باحثين آخرين إعادة قراءة (ثورة الزنج) بمنظور اجتماعي واعٍ، مع ذكر الأحداث التي رافقتها وهزّت أركان الخلافة العباسية لمدة مليئة طويلة وما رافقها من أمور.

تقديم
حاول الباحث فكّ الشفرات التي لم تذكر أسباب تسلط العسكر والقوة الغاشمة التي معها المال والعدة والجيش، وهذه حالة جاءت من مصدر أحادي، لكن الحقيقة خرجت من بين ركام السنين برغم بعض الغموض وتغليفها بطابع سياسي من قبل بعض القوى التي وقفت ضد الثورات على مر السنين.
لهذا يجد الباحث في طبيعة (ثورة الزنج) صعوبة في الوصول إلى برنامجها ونظامها بسبب شحّ المصادر، وما تعرضت له الحركة من تشويه متعمد وإخفاء الكثير من أخبارها وسير رجالاتها.
لقد وقفت ثورة الزنج بوجه الدولة العباسية وهي قريبة من عاصمة الخلافة سامراء، وكان لصمودها أسباب منها غفلة الحكومة المركزية عن خطر الزنج إذ كان المعتمد العباسي ضعيفاً منشغلاً باللهو، حتى وصل خطر صاحب الزنج إلى دار الخلافة، الأمر الذي دعاه لمصالحة أخيه الموفق وإطلاق يده بالتصدي للثورة.

تاريخ ثورات العبيد
يمر الباحث بنظرة فاحصة على ثورات العبيد عبر التاريخ، فيذكر ثورة (يونو السوري) سنة 132- 135 ق.م، وهي أول انتفاضة بوجه ملاكي الأرض التي عرفت بانتفاضة العبيد في جزيرة صقلية، وقد تمكن من جمع انصار كثيرين من العبيد، حتى استطاع السيطرة على مساحات واسعة من صقلية، وبعد محاولات من روما تمكنت من إخماد الثورة والقبض على قائدها.
أما الثورة الثانية فكانت على يد عبد روماني يدعى (سبارتاكوس)، حدثت في سنة 104 ق.م، إذ نظم تمرداً في مدرسة العبيد، سرعان ما ذاع صيتها، وانطوى تحت لوائه الآلاف من العبيد، وبعد محاولات من السلطة المركزية في روما تمكنت جيوشها من هزيمته سنة 71 ق.م.
وفي العهد العباسي اندلعت (ثورة الزنج)، وامتدت على مدار أربع عشرة سنة، فقد فجرها العبيد الذين التفوا حول قائدهم (علي بن محمد) بسبب التهميش الحاصل الذي طال فئات كثيرة من الناس، وخاصة الفقراء الذين كانت مطالبهم تنحصر في الإصلاحات وبعض المطالب الاجتماعية، ومنها وقف تكدس الأموال لدى أقارب الخليفة وفساد الطبقة المقربة منهم، وكان شعار (ثورة الزنج) هو المساواة بين المسلمين في العطاء.
لقد عانت طبقة العبيد من القسوة والاضطهاد بعد ازدياد أعدادهم، كما ساهمت سياسة الدولة العباسية في إنتاج الأزمات التي أفضت إلى تزايد الاستغلال واستفحال الفقر الذي اكتوى به عامة الناس، مع رفع الضرائب على الفلاحين، لقد استحوذت الاقطاعيات الزراعية في جنوب العراق على الموارد الاقتصادية مستغلة مكانتها لدى السلطة، واستأثرت بها بعدّها إقطاعيات تمليك، هذه الأمور ولدت أوضاعاً غير إنسانية ومهدت للانتفاضة، وخلقت أرضية مناسبة لبعث روح الثورة من جديد، فبدأت تظهر للعلن العديد من حركات المعارضة لسياسات العباسيين، ولعل أهمها (ثورة الزنج) التي أنهكت السلطة من حيث إنجازها وبرنامجها الاجتماعي الذي ارتكز على منطلقات إنسانية كتحرير العبيد ومساواتهم بغيرهم من المسلمين.

قائد الزنج
ولد (علي بن محمد) في (ورزنين) في بلاد فارس، ولم يتفق على سنة ولادته وأصله، أطلق عليه المؤرخون لقب صاحب الزنج، قدم إلى العراق ونزل في سامراء عاصمة الخلافة منذ 221 هـ، أقام فيها علاقات مع أناس من حاشية السلطان وأخوال بني العباس، ويذكر عنه أنه رجل مغامر، وقد أفاده ولعه بالسحر والتنجيم في التواصل مع رجال الحكم، فقد كان قريباً منهم، ويعتاش بفضل عطاياهم، فضلاً عن أنه كان شاعراً يجيد المدح فيتكسب منهم، وكذلك كان يرتزق بتعليم الصبية القرآن علوم النحو والتنجيم والخط.
عاصر علي بن محمد مقتل الخليفة المنتصر سنة 248هـ بمساعدة الأتراك، وغادر سامراء سنة 249 هـ، مدركاً المستعين وهو في سامراء، وذهب نحو منطقة هجر في البحرين، وقد وجد هناك رجالاً أوفياء يقفون معه، أتبعوه ولم يتركوه في أشد الظروف، وهم من الموالي الذين يعملون في مهن بائسة.
توجه علي بن محمد سنة 254 هـ إلى البصرة مع أعوانه الذي صحبوه من البحرين، وقد كانت البصرة تعيش أياما عصيبة من تسلط الأتراك وصراعاتهم الداخلية، وهنا قام بالتمهيد لحركته، كما كسب بعض الأعوان المخلصين.
كان علي بن محمد يتحلى بالكثير من الثقافة والمعرفة، فهو خطيب وشاعر، وله اطلاع على الفلسفة في زمانه مع رفضه للذل والانصياع للحاكم، يحث الجموع بالسعي لتحقيق الغايات الكبرى.

أسباب فشل ثورة الزنج
توصل الباحث إلى اسباب فشل ثورة الزنج ولخصها بما يأتي:
• افتقارها للبرنامج الثوري: فقد لاحظ أن العبيد هم وقود، وهم لا يتوافرون على ثقافة وأكثرهم قليلو الوعي، هدفهم إشباع النقص الحاصل لما عانوه من حرمان وفوارق اجتماعية، إذ لم يتسنَّ لقائد الثورة الوقت الكافي لتهيئة برنامج فكري، و كان أتباعه مشغولين بالحصول على المغانم وتحقيق رغبات الانتقام لديهم.
• محدودية نطاق الثورة: فقد اعتمدت على عنصر أساسي قوامه العبيد وأهمل الكثير من الناس، كما اشترك فيها فئة من الأعراب البدو، إلا أن الثورة اصطبغت بطبقية تكونت من العبيد المطالبين بحريتهم ورفع الظلم عنهم.
كما اشترك فيها بعض العمال الزراعيين وغلمان الدباسين والتمارين وخدم البيوت، لقد كان عمادها العبيد، وهم الزنج العاملون في منطقة البصرة ومن هنا كانت محدودية الثورة.
• عزلتها عن الحركات الأخرى: لم يسعَ علي بن محمد إلى التحالف مع حركات كانت تمور في جسد الدولة العباسية المرتبك، فلم يقترب من ثورة القرامطة بقيادة حمدان قرمط، أو مع الثائر العنيد يعقوب الصفار الذي استولى على بلاد فارس، ولو تحالف الزنج مع بعض هذه القوى لحدث خلل واضح بجيش الدولة العباسية، وتغيرت موازين القوى واختلفت صفحات التاريخ.
• قمع الثورة: بعد اندلاع الثورة وتمكنها؛ أرسلت الخليفة العديد من القادة لم يفلحوا في خنق الثورة، فتفرغ (الموفق) لحربهم بعد أن تهددت الخلافة، وهو رجل قوي، استخدم كل الوسائل لمعالجة اخطار ثورة الزنج، وتمكن من إخمادها بعد مجازر رهيبة.
• التموين: وهو عامل مهمم في صمود المقاتلين، فقد كانت البصرة أغنى مناطق الحكم العباسي، ولها تأثير في ربط العراق بالعالم عن طريق الميناء، ومنها يصل التموين إلى (المختارة) عاصمة الزنج عن طريق الأعراب بتزويدهم بواسطة الإبل والغنم والطعام، وقد اصبحت المختارة مستودعاً ضخماً للمؤن، ويذكر المؤرخون أن الجيش العباسي أحرق بيادر التموين، ثم قطع طرق التموين، ونكلوا بالأعراب، وبذلك أطبق على الزنج الحصار الاقتصادي والعسكري.
• عدم كسر حاجز الخوف: إن الشعوب الثائرة تحتاج إلى كسر حاجز الخوف كي تنهض بحركتها وتواصل النجاح، وانكسار حاجز الخوف عند الثائرين يمنحهم المزيد من التصميم على مواصلة الطريق للنجاح والاستمرار بالثورة وتحريك الجماهير، فقد اعتمد (علي بن محمد) على نسيج واحد من الثوار وهم طبقة العبيد الذين لا يفهمون الثورة ومبادئها السامية، ولم يستطع من كسر حاجز الخوف لديهم، بينما استطاع (الموفق) أن يستغل هذا الخلل بصورة أدق عن طريق الترغيب والترهيب.
• القوة العددية: إن أغلب القوى العددية في ثورة الزنج كانت من طبقة العبيد، والمجتمع يتكون من شرائح وطبقات متعددة، وهذه الخاصية موجودة في جيش (علي بن محمد)، مما سبب حالة ارباك في الجيش والأنصار، أدت إلى نهاية الثورة الحتمية بعد سنين من القتال، فثورة تتكون من عنصر واحد مصيرها الفشل.

استنتاجات/
بعد إعادة قراءة صفحات الثورة خلص الباحث علاء الوردي إلى:

  • إن هذه الثورة وقفت أمام أكبر قوة حينذاك وهزت الخلافة، لكن عقدة الانتقام نحتت في تفكير أصحابها الحقد على الأسياد، وغرزت في نفسية الأتباع شهوة التشفي والتلذذ بالقتل والسبي.
  • لم يستطع (علي بن محمد) أن يأخذ وقته في عملية تنظيم جيشه والأتباع، ولم يسعفه الوقت لبناء مجمع مستقر ذي أنظمة، خاصة مع سرعة الأحداث وتصميم العباسيين القضاء على تلك الثورة.
  • إن تلك الحركة انطلقت من عقد الظلم والشعور بالألم من واقع الاضطهاد الاجتماعي والاقتصادي في المنطقة، كانت بداياتها ذات نزعة تحررية وكان هذا من أهم أهدافها.
  • افتقارها للجانب التنظيمي وافتقادها لبرنامج ثوري أدى لنهايتها.
    …………………
    الزنج/ ثورة وقائد، علاء الوردي، دار كلكامش، بغداد، 2021م.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة