في مطبخ أمّي

فابيان كاساس
ترجمة: أحمد محسن غنيم

دون مفاتيح في الظلمة

كان يومًا من تلك الأيام
التي يتم كلّ شيء فيها على ما يُرام
أنهيت تنظيف البيت،
وكتبتُ قصيدتين أو ثلاثًا أعجبتني.
لم أطمع في أكثر من ذلك.
عندها خرجت إلى الممرِّ لأُلقي بالقُمامة
ومن خلفي، تيّارٌ
أغلق البابَ.

بقيتُ دون مفاتيح، في الظُلمة.
أحسُّ بأصواتِ جيراني
من خلالِ الأبواب.
قلتُ لنفسي: هو أمرٌ عابر.
لكنَّ هكذا أيضًا قد يكون الموت
ممرًّا مظلمًا،
بابًا مغلقًا، مفتاحه بالداخل،
والقمامةُ في اليد.


الاستيقاظ

أن تستيقظ عند منتصف الليل
وترى على الجانب الآخر من سريرك
امرأتَكَ تبكي
هي تجربةٌ مُهِمَّة.
أريد أن أقول، بين أشياء أُخرى،
وأنت تتجوّلُ بين الغُرَفِ
المضيئة في عقلِكَ
كان أمرٌ ما يتشكَّلُ بجوارِكَ
خطأٌ تربِطُكَ به
علاقةٌ حميميَّةٌ خاصَّة.

لأنَّنا وإن لم نُوقِّعْ على شيءٍ،
أو نجرِ مُسرعين تحت مطر حبَّات الأرز
نظنُّ أن الأمر للحياةِ كلِّها
وهكذا نُكمِلُ
قواربَ أثناء الليل
تظلُّ مربوطةً إلى المرفأ
تتصادم فيما بينها،
حسب الريح.


في انتظار الأسبرين

في انتظار أن يؤدي الأسبرين مفعولَه،
ويرتِّبَ الغُرَف، ويُقلِّبَ القهوةَ
ويُحضِرَ أُمِّي، طازجةً
إلى هذا المساء من أغسطس
أتصفَّحُ مجلّاتٍ غبيَّةً، وأسمع أسطواناتٍ قديمةً
وأتساءلُ في أي لحظةٍ
شعرت الديناصورات
أن شيئًا لم يكن بخير.


موسيقى

تُصالِح خالتي النوم في الثمانين
بالاستماع إلى أغنيات قديمة في مذياعها المحمول.
في غرفتها، في الظلمة
استحالَ الأثيرُ شيئًا حيويًّا.
أفترضُ أن هذه الأشياءَ تحدثُ
وستحدثُ لي أنا أيضًا.
قُربَ نهاية الحياةِ
الموسيقى الوحيدةُ التي توجدُ
تكونُ خارجَنا.


سائقًا أثناء الليل

سائقًا أثناء الليل،
أحمل أبي – الذي ينام بجانبي –
إلى بيته. هكذا، بوجهه المسترخي
يبدو أكثر شبابًا: يمكنُنَا أن نكونَ أصدقاء
أنا وأبي؛
لكنني في الرابعة والعشرين،
برخصة قيادة،
ويقينِ أن كل شيءٍ بدأ بعجوزي.

لا بُدّ أن هذا الهدوء كلّفه زمنًا طويلًا
ليهجُرَ نفسَه أمامي.
لهذا، حين أركنُ السيارة،
إلى جوار بعض الأشجار
وأقبِّلُ جبهتَه، أَهدَأ:
ليس ذنبنا أنَّنا ورثةُ
نفسِ الجريمة.


عند أقدام سرير عجوزي

جالسًا عند أقدامِ سرير عجوزي
أتأمَّلُ جسدَهُ العاري والنائمَ
لا بأسَ يا أبي، لقد مرَّت سنواتٌ عديدة
ومن الجيِّدِ أن تنام قليلًا.
من النافذة يُسمع نباح كلب.

أشبّك ذراعيّ في ظلام الحجرة
وأقفُ عينيَّ على هيئةِ بطلِ العالم:
قفوا، سادتي، قليلًا من الاحترامِ لهؤلاء الرجال
مثل عجوزي
الذين أركعوا حيواتَهم في أعمالٍ بائسة.
ليس باستطاعتنا جميعًا أن نفلت من احتضار العصر.
وهكذا
في هذه اللحظة
عند أقدام سرير عجوزي
أنا أيضا أفضّل الموت قبل أن أشيخ.


بعد رحلة طويلة

أجلسُ في الشُرفةِ لأُشاهِدَ الليل
أُمي تقولُ لي إنَّ الأمرَ لا يستأهلُ
كآبتي.
تصرخُ فيّ: تحرّك، افعلْ شيئًا.
لكنني لم أكن قطُّ موهوبًا في السعادة.
كنتُ وأُمي مختلفين عن بعضنا
ولم نصِل قطُّ لأن نتفاهم.
مع ذلك، ثمة شيءٌ أودُّ حكايته:
أحيانًا، حين أشتاقُ إليها كثيرًا،
أفتح خزانةَ فساتينِها،
وكأنني أصلُ إلى مكانٍ ما
بعد رحلة طويلة،
ألقي بنفسي بداخلها.

يبدو الأمر عبثًا:
لكن في الظلمة، وبهذه الرائحة
أتيقَّنُ أن لا شيءَ يفصلُ بينَنا.


ترنيمة

أضمُّ يديَّ كأنَّها قوقعةٌ
وأُقرِّبُ سمعي.
رغم فقد الإرسال
الذي تنتجه السنواتُ والرياحُ
أستطيع سماع خالاتي
تُفرِّطن الذرة
في مطبخ أمّي.

ترجمة عن الإسبانية: أحمد محسن غنيم

بطاقة
Fabián Casas شاعر وروائي وصحافي أرجنتيني من مواليد بوينس آيرس عام 1965. يُعد أحد الأسماء البارزة في جيل التسعينيات في الأرجنتين.. نشر روايتين وأربع مجموعات قصصية واثني عشر ديوانًا، منها: «خريف، قصائد التعافي والحزن» (1988)، و»نشيد» (2003)، و»أرسل إليّ قصائدك وأُرسل إليك قصائدي» (2012).

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة