أفلام انتقدت الحروب.. السينما تقول كلمتها

سمير رمان

«الغضب، الآلهة، تمجيد آخيل، ابن الملك الأسطوري بيليوس/ Peleus، وحفيد زيوس». بهذا السطر، يبدأ هوميروس ملحمته الخالدة «الإلياذة»، ليصبح في ما بعد عنوانًا رئيسًا لكلّ الثقافة الأوروبية. وبمعنى آخر، أصبح تمجيد الحرب والآلهة والأساطير الحربية على قمة سلّم أولويات الثقافة الغربية. الحرب في صناعة السينما، قرين عصر الإمبريالية، تفرّق العالم، وتعيد تكوينه باستمرار. حاكت السينما الحروب، وحرّضت على اندلاعها، تمجدها تارةً، وتظهر بشاعتها تارة أُخرى. على الشاشة، تبدو الحدود بين التأثير البصري والرعب الوجودي شفافةً لدرجة تزول معها الفروقات بين مفاهيم السينما «الداعية للحرب»، و»المناهضة للحرب»، وخاصّةً عندما يحمل المخرجون معهم إلى الشاشة تجاربهم الخاصّة في الحرب.
من أكثر الأفلام السينمائية المناهضة للحرب شهرة، أفلام:

« The Charge of the Light Brigade»
«هجوم الخيالة الخفيفة» (1968)
صورة تمثل ما تبقى من الخيالة البريطانيين بعد حرب القرم التي شاركت فيها بريطانيا إلى جانب العثمانيين ضد روسيا.
ظهر فيلم «The Charge of the Light Brigade» للمخرج توني ريتشاردسون (المملكة المتحدة) بعد مرور 112 عامًا على انتهاء حرب القرم. تجرأ فيه ريتشاردسون وفتح موضوع البروليتاريا البريطانية والمهمشين في السينما. دخل ريتشاردسون، كمخرج وزعيم لـ»الشباب الحانقين»، إلى أقدس المقدسات: مجد الإمبراطورية البريطانية الحربي. يوم 5 من أكتوبر/ تشرين الأول عام 1854 هو الأكثر شهرة في تاريخ الجيش البريطاني، دفع فيه اللورد إيرل كارديغان بفرسان النخبة «السراويل القرمزية» إلى مهاجمة مواقع الجيش الروسي المتحصن بقيادة الجنرال ليبراندي في «وادي الموت»، بالقرب من بالاكلافا في شبه جزيرة القرم. من بين 700 من الفرسان، نجا النصف فقط، وقتل أكثر من 100، وجرح، أو أسر، أكثر من مئتين غيرهم. تغنت الأساطير الوطنية بالعمل الفذّ الذي كان من دون معنى، فأطنب الشاعر ألفريد تينيسون في مديح بطولة الفرسان من خلال قصيدته «هجوم الخيالة»، وصورهم فيلم مايكل كيرتس على أنهم مثال الشجاعة البريطانية.

«Apocalypse Now «القيامة الآن» (1979)
أفضل ما قيل عن فيلم «القيامة الآن/ Apocalypse Now» للمخرج فرانسيس فورد كوبولا، بعد 6 سنواتٍ على انتهاء الحرب على فييتنام، جاء على لسان مخرجه: «ليس فيلمًا عن فييتنام التي تفسخت على أرضها، في هذيان جنون العظمة، أجساد 60 ألف من الأميركيين، والملايين من السكان الأصليين، بل «فيلم ـ فييتنام». إنّه المكان الذي تفوح منه في الصباح رائحة العرق، والمخدرات، وعربدة الكحول ممتزجة برائحة النابالم»، حيث يتسكّع تحت النار العقيد كيلغور، أحد المعجبين بـ»طيران فالكيرز» لفاغنر، والمحبّ لركوب الأمواج.
الفيلم جريمة اغتصاب جماعي للفتاة الموديل في «البلاي بوي» نفذها جنود في حالةٍ هستيرية في حظيرةٍ غمرتها المياه الموسمية. رفض المستعمرون الفرنسيون مغادرة البلاد بعد حصولها على الاستقلال، وراحوا لعقودٍ يشنون حربًا ضدّ الجميع، مراعين التقاليد القديمة. أمّا العقيد المجنون كورتز ذو القبعة الخضراء (مارلون براندو) فيتحوّل إلى إلهٍ حيٍّ لقبيلةٍ من السفاحين، ويهذي عبر الميكروفون بأحلامه، التي تبدو كحلزونٍ يزحف على حافّة شفرة الحلاقة. لم تكن المغامرة الفييتنامية أكثر من كابوسٍ مرعب من المخدرات والنابالم.

Battle of Algers «» «معركة الجزائر» (1966)
أُنتج فيلم «معركة الجزائر/ «Battle of Algers، للمخرج الإيطالي جيللو بونتيكورفو، عام 1966، وهو إنتاج إيطالي جزائري مشترك.
عُرض الفيلم بعد 4 سنواتٍ على نهاية الحرب في الجزائر. وتدور أحداثه حول المواجهة بين المقاومة الجزائرية السرية في مدينة الجزائر العاصمة، وتحديدًا في حيّ القصبة القديم، وبين المظليين الفرنسيين الذين كانوا أول جنودٍ في التاريخ تلقى على عاتقهم مهامّ جهاز رجال البوليس. ترأس يوسف السعدي، القائد السابق للتنظيم السري، الاستديو الجزائري، حيث صوّر الفيلم، ولعب الدور نفسه الذي كان يؤديه في المقاومة، كما غالبية الممثلين الآخرين، حتى الممثل المحترف الوحيد في الفيلم، جان مارتييه، المتواري في الجزائر (كان قد صدر في حقّة حكمٌ غيابيّ لمساعدته المقاومة السريّة). الشريط كان أكثر من فيلم سينمائي، كونه أصبح مادة بحثٍ غنية للمقاتلين الإيرلنديين، والألمان الغربيين، وغيرهم من المقاتلين الذين نشطوا في سبعينيات القرن العشرين. ودرس الفيلم ضباط مكافحة الإرهاب في منطقة قناة بنما، ورؤساء البنتاغون، قبيل غزو العراق.

«غاليبولي» (1981)
ظهر فيلم «غاليبولي» للمخرج الأسترالي بيتر أوير عام 1981، بعد مرور 63 عامًا على انتهاء الحرب العالمية الأولى.
عندما تحولت الحرب على جبهات أوروبا إلى حرب خنادق، خطرت على بال وينستون تشرشل فكرة لامعة ليخرج الدولة العثمانية، حليفة الألمان من الحرب، فقام بإنزال كبير قرب العاصمة العثمانية إسطنبول، في شبه جزيرة غاليبولي الصغيرة. تكبدت قوات الحلفاء في هذه المغامرة خسائر فاقت 300 ألف بين قتيل وجريح، في حين خسرت القوات العثمانية حوالي 250 ألفًا. بيتر أوير، حامل راية السينما الأسترالية الصاعدة، تجرأ على التذكير بخسائر الفيلق الأسترالي ـ النيوزيلندي، الذي تعرض لخسائر لم تكن ضخمة فقط مقارنة مع حجمها ضمن قوات الحلفاء، ولكنها كانت أيضًا خسائر غير ضرورية وغير مفهومة.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة