امير ميكافللي.. كلما تعددت طبعاته تجدد شبابه

وداد إبراهيم:

تلجأ الكثير من دور النشر العالمية والعربية لطباعة كتب صدرت قبل عشرات السنين او حتى قبل مئة عام ويذكر صاحب أحد دور النشر: ان الكتب التي تؤلف حديثا تباع وبشكل قليل وقد يباع منها في المعارض لأصدقاء المؤلف، لكن هناك كتب تطبع من قبل عدد كبير من دور النشر وتنفذ طبعاتها بسرعة وتعد كتبا خضر لها عشاق وقراء منها كتب شكسبير ونجيب محفوظ ونزار قباني والسياب.
وكتاب الامير لميكافيللي، ضمن خانة الكتب التي كلما مر الزمن تتعدد طبعاتها، وتنشر بالكثير من لغات العالم.
في الصفحة 3 من آخر طبعات كتاب الأمير، يجد القاريء سيرة نيكولو دي برناردو دي ميكافيللي»1469-1527» وهو من اسرة توسكانية عريقة تقلد منصبا اداريا في الحكومة، زار خلالها البلاط الملكي في فرنسا والمانيا وعدة مقاطعات ايطالية في بعثات دبلوماسية، بعدها بقليل حبس ميكافيللي في فلورنسا عام 1512 ونفي بعدها الى «سان كاساينو» وتوفي في فلورنسا، وكان مفكرا وسياسيا وفيلسوفا في ايطاليا ابان عصر النهضة.

منع واحرق
بات ميكافيللي الشخصية الرئيسية والمؤسس للتنظير السياسي الواقعي، وأصبح فيما بعد عصب دراسات العلم السياسي، وأشهر كتبه على الاطلاق» الامير»، وكان يهدف منه ان يكتب تعليمات للحكام، ونشر بعد موته بخمس سنين، ولذا لم يفهمه البعض وهاجموه حتى اصبح اسمه ملازما للشر مما ادى لتحريم الاطلاع على كتاب الامير ونشر افكاره ووضعت روما كتابه عام 1559 ضمن الكتب الممنوعة واحرقت كل نسخه.
لكن عندما بزغ عصر النهضة، ظهر من يدافع عنه ويترجم كتبه واختاره موسوليني موضوعا لأطروحته التي قدمها للدكتوراه، وكان هتلر يقرأ فيه قبل ان ينام كل ليلة ناهيك عمن سبقهما من الملوك والاباطرة كفريدريك وبسمارك، ومدحه جان جاك روسو وشهد له هيغل بالعبقرية.
وايد ميكافيللي فيه فكرة ان ما هو مفيد يعد ضروريا، وقد لاحظ صراع المصالح بين جماهير الشعب والطبقات الحاكمة، وطالب بخلق دولة وطنية خالية من الصراعات الاقطاعية القاتلة، وقادرة على قمع الاضطرابات الشعبية.

الاحتفاظ بالصداقة
وفي الصفحة 12 وتحت عنوان «انواع الحكومات وطريقة نشأتها» يقول: سيجد الامير ان اعداءه دائما اولئك الذين تضرروا من احتلاله بلادهم، وفي نفس الوقت نجد انه ليس في امكان الامير الاحتفاظ بصداقة من ساعدوه في الحصول على تلك الممتلكات الجديدة، لانه ليس في استطاعته تحقيق جميع امالهم واهدافهم، وفي نفس الوقت سيكون عاجزا عن استخدام الشدة والصرامة ضدهم نظرا لشعورة بما لهم من دين عليه. ولهذه الاسباب كلها نجد انه مها كانت جيوشه بالغة القوة، فان ذلك لا يكفي لاستتباب الحكم له، اذ انه يكون في بالغ الحاجة الى عطف السكان حتى يتمكن من احتلال بلادهم. وعل الجانب الاخر نجد ان عكس ذلك صحيح، فعندما يضم الامير مقاطعات تختلف في اللغة والقوانين والعادات عن ممتلكاته الاصلية، فأن امام ذلك الامير صعوبات ومشاكل كبيرة، يتطلب حلها وتذليلها العمل الدائب المستمر، وذلك في سبيل الحفاظ على ممتلكاته الجديدة.

تسترد حريتها
وفي الصفحة 22 وتحت عنوان «الاسباب التي حالت دون ثورة مملكة داريوس ضد خلفاء الاسكندر» يقول: قد يدهش الكثير من الاسكندر الاكبر الذي تمكن من السيطرة على اسيا خلال بضع سنوات قليلة، واصبح ملكا متوجا عليها، لا ينازعه احد في ذلك، ثم فجأة يلقي منيته، مما يوحي بأن كل تلك المناطق ستثور على الفور ضد حكامها الجدد «خلفاء الاسكندر» وستعمل على اثارة القلاقل والاضطرابات حتى تسترد حريتها التي سلبت منهم، ولكن على النقيض من ذلك تماما، نجد ان خلفاء الاسكندر قد استطاعوا الاحتفاظ بهذه المناطق الشاسعة وسيطروا عليها، ولم يواجهوا ما توقعه الكثيرون من مشاكل واضطرابات من الرعايا الذين يحكمونهم، ولم يلقوا المصاعب الا تلك التي نشأت فيما بينهم بسبب طموحاتهم الشخصية. وللرد على الدهشة نوضح ان المماليك التي عرفها التاريخ نوعان يحكمان بطريقتين مختلفتين: فأما ان يحكم المملكة امير يعاونه موظفوه، هؤلاء الذين عينهم الامير وزراء بتفضل منه، واما ان يحكم تلك المملكة امير ونبلاء لايحتفظون بمناصبهم بفضل من الامير بل بفضل دمائهم العريقة ونجد ان لهؤلاء النبلاء مقاطعات يحكمونها ويسيطرون عليها ولهم رعايا موالين لهم، ومن أبرز الامثلة على هذين النوعين من الحكومات حكومة الاتراك ومملكة فرنسا.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة