في سبيل احياء النقد

صادق الازرقي:

يلفت الأكاديمي البريطاني رونان ماكدونالد في كتابه « موت الناقد»، الى ان دور النقد الأكاديمي القائم على حكم القيمة، قد تراجع وتضاءل تأثيره وضعفت صلته بجمهرة القراء في ظل مد النقد الثقافي، الذي يرى انه يتصدر المشهد النقدي في المؤسسة الاكاديمية البريطانية والامريكية، مشيرا الى فقدان الناقد الأكاديمي والصحفي مكانتهما ودورهما في العقود الثلاثة او الاربعة الاخيرة، بحسب ما استخلص منه مترجم الكتاب في مقدمته للتعريف بالكتاب.
ويرى ماكدونالد ان تنويه «اوبرا وينفري» بصفتها هنا مقدمة برامج حوارية أمريكية، أو «ريتشارد» و «جودي» اللذان يبثان برنامج دردشة تلفزيوني في بريطانيا، يؤدي الى النجاح التجاري لرواية ما، أكثر بكثير من أي رد فعل نقدي؛ ولكنه يستدرك، ان البرنامجين يختاران في العادة كتبا جيدة.
لقد تحدث المؤلف عن الوضع الثقافي في بريطانيا وامريكا؛ اما نحن فنقول، ان الاحاطة بعموم اشكالية النقد يتطلب دراسات مطولة ومعمقة، ولكن ما يعنينا في العراق هو الالتباس الواضح في اوضاع النقد للكتب الجديدة الصادرة «ولن نقول الجيدة»، او حتى غياب الدور الفاعل لعروض الكتب لاسيما للكتاب العراقيين، فلم نعد نرى عروضا للكتب برغم اهميتها في معظم الصفحات الثقافية للجرائد، وحتى في المواقع الثقافية الالكترونية التي تتواجد في الشبكة العنكبوتية بصورة ملفتة.
لقد اطلعت على بعض من النقد لنتاجات ادبية ووجدت ان قسما كبيرا منه يتسم بـ «الاخوانيات» اذا جاز القول؛ فالنقد او الناقد عادة ما يتناول المنتج الادبي على وفق المعرفة الشخصية والعلاقات الاجتماعية، وهو برأيي نمط غير سليم تحل فيه المحاباة والمديح المتبادل، بدلا من تناول النص، ما غمط كثيرا من النتاجات الجيدة لاسيما لدى كثير من الكتاب الشباب؛ وفي الواقع فان النقد الحقيقي يتطلب ان يذهب الناقد الى المنتج ليبحث عنه وبخاصة تلك الكتابات الجيدة، لا ان يأتي الكاتب ويطلب من آخر ان يتناول كتابه بالنقد بغض النظر عن قيمته فيغلب حينئذ طابع المديح والاشادة الجاهزة.
ان المعنيين بالثقافة العراقية والمثقف العراقي لاسيما بمنتجي الابداع في الرواية والقصة والشعر وغيرها من ضروب الكتابة الادبية، من واجبهم ان يديموا الوشائج بالتبحر في سوق المنتج الابداعي على تنوعه، فبعض الكتاب وبخاصة من الشباب، لا يمتلكون المقدرة على طبع نتاجاتهم ونشرها، واذا تمكن بعضهم ان يطبع كتابا له بأقل الاسعار وبخصائص فنية رديئة، فعلى النقاد المفترضين الا يبخسوا حقهم في القاء الضوء على نتاجاتهم وعرضها، والاشارة اليها، والى اسمائهم في اقل تقدير؛ فتلك من اساسيات العمل النقدي الحر غير المرتبط بمؤسسات حكومية او رسمية، انطلاقا من الحقيقة الازلية التي تؤكد ان الابداع الادبي نتاج فردي، وعلينا ان نتعامل معه بصفته تلك، وليس اقترانا بحاجات العمل الاعلامي او الصحفي او غيرها من أنماط العمل المؤسساتي؛ وحتى هذه طبعا لا تعفينا من متابعة المنتج الادبي، والقاء الضوء عليه واضاءته بالنقد؛ انطلاقا من الاقرار بان المنتج الابداعي هو ملك الجمهور والشعب اولا واخيرا.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة