محمد زكي ابراهيـم
لم تكتمل نهضة أثينا أواخر القرن الخامس قبل الميلاد، إلا بقيام حركة مسرحية شاملة، شغلت المجتمع والناس لوقت طويل. وكان لها دور بارز بترسيخ أسس الديمقراطية في البلاد، ونقد المفاهيم السياسية والفكرية في تلك الحقبة. ولم يكن يسمح لمن لم يبلغ سن الرشد بتقديم عروض مسرحية على المسارح العامة. لأن حرية التعبير عن الرأي التي كفلها النظام الحاكم آنذاك كانت مشروطة بالنضج السياسي، الذي يتطلب في العادة تأدية فروض معينة، وعلى رأسها الخدمة العسكرية. ولا شك أن ظروف الصراع مع الدول الأخرى، مثل اسبرطة وبلاد فارس، حتمت على الجميع التضامن للدفاع عن المدينة، ورد الغزاة عنها، وحماية منجزاتها الحضارية الكبيرة.
وكانت جل هذه المسرحيات، إن لم تكن كلها، مسرحيات شعرية. فالمسرحيون آنذاك كانوا شعراء بالدرجة الأولى. وربما زاد عدد أبيات أي عمل منها عن الآلاف. ويبدو أن الشعب اليوناني أيامئذ لم يكن يستسيغ الكلام المائع العامي المبتذل. ويتوق إلى الكلمة الموزونة المنتقاة. وهذه واحدة من آيات تلك الحضارة العظيمة.
وكان مسرح أثينا الكبير الذي تعرض فيه أشهر الأعمال الكوميدية والتراجيدية يقع قرب المنحدر الجنوبي للأكربول. وهو تل صخري مرتفع يتوسط المدينة، جعله القائد العسكري والسياسي الشهير بروكليس، أقدس مكان في المدينة. وأطلق على هذا المسرح اسم الإله ديونيسوس، لكثرة الاحتفالات التي تقام لتبجيله فيه.
وقد صمم هذا المسرح الضخم على شكل حذاء الفرس، لكي يستطيع الحاضرون الاستماع إلى الحوار الدائر بين الممثلين. وكان عددهم في المسرحيات التراجيدية لا يزيد عن ثلاثة، أما في مثيلتها الكوميدية فيرتفع العدد إلى أربعة.
وقد وقع سقراط، الفيلسوف العظيم، ضحية لاثنين من شعراء المسرح اليوناني هذا، اللذين صوراه بشكل خليع وماجن، ووصماه بالسفسطائية. وكان ذلك كما يعتقد البعض أحد الأسباب التي أدت إلى محاكمته وإعدامه في ما بعد، بالصورة المفجعة التي يعرفها الجميع. وأول هؤلاء هو ارسطوفانيس، الذي كتب نحواً من ثمان وثلاثين مسرحية. وثانيهما امبيساس. وقد اشتركا معاً في مسابقة في أحد أعياد الإله ديونيسيس عام 423 ق. م ففازت مسرحية امبيساس بالمرتبة الثانية في حين نالت مسرحية ارسطوفانيس المرتبة الثالثة. وهما المسرحيتان اللتان هاجما فيها الفيلسوف المسكين!
والسفسطائيون كما يعلم الجميع طائفة من المعلمين المتجولين، الذين كانوا يتنقلون من مدينة لأخرى، لإلقاء محاضرات ودروس للراغبين، لقاء أجور معينة. وقد تهافت عليهم الكثير من الشبان المتعطشين للمعرفة، أو الراغبين في الحصول على مهارات تؤهلهم للمناصب العليا في الدولة. ولم يكن سقراط في يوم من الأيام سفسطائياً، لكنه كان ذا تأثير هائل على الشباب الأثيني في عصره.
ولم يتوقف المسرح الشعري في ما يبدو إلا في وقت متأخر جداً. فقد كتب شكسبير في القرن السادس عشر مسرحياته شعراً. وكان لها صدى كبير في العالم أجمع. فكان المؤلف الأكثر انتشاراً في العالم. وقد تلقف بعض الشعراء العرب هذه الصنعة ، فكتب أحمد شوقي في أوائل القرن العشرين، بعض المسرحيات الشعرية، التي ماتزال حية حتى اليوم. أما في العراق فكان خالد الشواف – حسب علمي – الشاعر الأكثر اهتماماً بالموضوع ، لكن مسرحياته لم تلق الرواج المطلوب.