لعبة السياسة

ربما لا يعلم البعض أن عدداً من الأدباء العراقيين، حاولوا بحكم اهتمامهم الطويل بالسياسة، ولوج انتخابات المجلس النيابي ومجالس المحافظات. وقد أخفق هؤلاء جميعاً في الحصول على أصوات تؤهلهم للحصول على مقعد فيها. ولم يشفع لهم ما يمتلكونه من حس ثقافي، وعلم، ورغبة في التغيير وعزم على البناء. فمثل هذه الأمور لا تشكل ضرورة من ضرورات الصعود لقمة الهرم في العراق.
وأظن أن أحد أسباب الفشل يعود إلى عدم قدرتنا في هذه البلاد على صناعة النجوم. فوسائل الإعلام لا تعير اهتماماً لقادة الفكر، أو رجال الثقافة، أو أهل الرأي. ولا تكترث لوجودهم المؤثر في المجتمع. وبالنسبة لها، فإن غيرهم ممن يجيدون مغازلة العامة، أهم وأولى.
ولا أعلم بالطبع إن كان نجاح هؤلاء في الانتخابات – الأمر الذي لم يتحقق كما سلف القول – سيحدث تغييراً ما. أو أنهم سيكونون قادرين على مجاراة الآخرين المتمرسين في المناورات والصفقات الفردية والجماعية. فتجربة من هذا النوع في العراق لم تجر إلا في أواخر العهد العثماني، أو أثناء الحكم الملكي، حينما كان الشاعران جميل الزهاوي ومعروف الرصافي، عضوين مزمنين فيها. أما في ما بعد فقد اختفت الحياة النيابية وحلت محلها أنظمة الحزب الواحد التي اجتذبت إليها كثيراً من وجوه الثقافة في البلاد.
غير أن ما يعنيني هنا ليس أن يكون الأدباء أعضاءً في أجهزة السلطة، وينتظموا في الأحزاب والتكتلات السياسية، ويدعموا هذا الطرف أو ذاك. لكن أن يكونوا قادرين على الإسهام في حل المشكلات العامة التي تؤرق الناس، ويكون لهم رأي نافذ في تذليل ما يعترض التقدم من عقبات، لا أن يتحولوا إلى مجرد أرقام ترفع من كفة هذا أو تخفض من كفة ذاك.
وبشكل عام فإن عضوية المجالس النيابية والمحلية لا تعني التمثيل الحقيقي للناخبين، لأسباب عدة منها أن هذه الانتخابات تجري بنوبات متباعدة، وهناك امتعاض من كون هذا العدد القليل من الأعضاء يتحكم في مستقبل البلاد. كما أن الانتخابات لا تكاد تخلو حتى في أكثر الدول تحضراً من التزوير والابتزاز والمال السياسي. عدا عن العزوف عن التصويت في بعض الدورات الانتخابية، وهكذا.
إن معرفتي بالعديد من الأشخاص الذين رشحوا لعضوية هذه المجالس ، تجعلني على يقين من أن رجال الثقافة مؤهلون أكثر من سواهم لهذه المهمة. وبإمكانهم ترك بصمات جيدة في عملها. وفي تجارب البلدان العربية الأخرى – مثل الدول المغاربية – مثال يحتذى، إذ أسهمت النخبة في استعادة الوجه العربي لتلك البلدان، الأمر الذي كاد أن يتبدد تحت ضغط المستعمرين.
إنني تواق لرؤية مجالسنا التشريعية تغص برجال ونساء من هذا النوع. إذ أن التغيير الذي ننشده لا يتحقق على أيدي أشخاص تقليديين، لا يقدمون ولا يؤخرون. بل يحتاج إلى أناس استثنائيين يدركون معنى التحولات الاجتماعية، ويسعون إليها بكل الطرق. فالوعي هو أول خطوات التقدم الذي تنشده بلادنا وبدونه يصبح كل جهد عبثاً لا طائل وراءه.

محمد زكي ابراهيم

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة