الكناية

حسن العاني

  • 1 –
    لا أدعي علماً في علوم اللغة العربية الا ماسمعته او قرأته او تعلمته على يد أساتذتي ، وقد رسخ في ذهني إن ( البلاغة ) هي الاكثر قرباً وتماساً بفنون الادب كالشعر والقصة والخطبة والرواية والمقالة الثقافية ، لأنها تقف في مقدمة المكونات التي تمنح (النص) ذلك البهاء والتحسس بالمواطن الجمالية عبر الاستعارة والكناية والجناس والطباق والتورية … الخ ، التي يلجأ اليها المبدع .. ومن غرائب البلاغة ، ان الافراط في الاتكاء عليها ، او استعمالها في غير موقعها يؤدي الى نفور المتلقي وافساد النص ، ولذلك يقتضي التعامل مع مفرداتها بميزان الذهب ، وعلى وفق الحاجة التي تحفظ للنص فاعليته الجمالية من ناحية ، وفاعلية ايصاله للفكرة بأرقى التعابير من ناحية اخرى …
    ولعل (الكناية) واحدة من ابهى المفردات البلاغية ، لأنها تخرج من المباشرة والتصريح الى الاشارة والتلميح واستنفار ذهن المتلقي لاكتشاف المطلوب الكامن وراء العبارة !!
    بمقدور اي خطيب او كاتب ، بغض النظر عن مكانته ، الحديث عن ( الندم) الذي يتعرض له إبن ادم اذا ما اتى بعمل يوجب الندم لاحقاً ، ودعونا ننظر الى القرآن الكريم مثلاً ، كيف رسم صورة الندم عبر الكناية ، تبعثُ على التأمل بقدر ماتنطوي على امتاع ذوقي ونفسي ( فأصبح يقلب كفيه ) .. ودعونا نرى الكناية عن ( العمى) كيف اوردها القرآن الكريم ( وابيضت عيناه من الحزن) ، ثم دعونا نقفز الى بعض كنايات الحاضر ونحن نسمع من يقول ( يا إبن الرافدين – كناية عن العراقي ) ، أو ( جاء من مدينة النور ) كناية عن باريس ، او ( الف ليلة وليلة ) كناية عن بغداد … وتراث العرب البلاغي في موضوع الكناية حافل بجماليات تصعب الاحاطة بها ، ويصعب الاكتفاء من مجالستها … هذا احد الخلفاء كما تروي كتب التراث ، يسأل اعرابية عن احوالها المعيشية ..وكان باستطاعة دموعها استعطاف الخليفة ، غير انها اوصلت طلبها بطريقة لم تنل من كبريائها ، ولم تتضرع الى الله ان يديم حكمه ويطيل عمره عندما ردت عليه [ بيتي لاتدخله الجرذان] فأدرك الخليفة كناية العبارة وامر لها بالسمن والدقيق .. وهذا يتغزل برقبة حبيبته فيقول ( بعيدة مهوى القرط) كناية عن طول رقبتها ، والطول صفة جمالية للرقبة .. وما اروع كنايات النجفي الاربع ( بيض صنائعنا ، سود وقائعنا ، خضر مرابعنا ، حمر مواضينا ) .. ولنا مع الكناية وقفة متجددة…

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة