ضرب وهرب

محمد بنعزيز

صديقتي العزيزة: أكتب لك لتتأكدي أني أحس بك، أعلم أن هذا ليس أول شاب تعرفينه في حياتك ثم صدمك، وليس أول من أحببته. لقد أحببت كل واحد منهم من قلبك، بإخلاص طفولي، لكن بالمقابل كل واحد منهم اختلق سببًا خاصًا ليهجرك… لا خير فيهم كلهم، لذا لا تحزني أكثر… كان الشماتة الغدار يكذب كما يتنفس، ومع ذلك صدقته ومنحته نفسك سريعًا فأشمتّه فيك، جرح كرامتك… لكن قد يكون في رحيل حبيبك الأخير خير لك… من حُسن حظك أنه بعد شهر فقط، شهر حب ظهر على حقيقته وهرب، تخيّلي لو استمرت علاقتكما عامًا، ثم نفّذ خطة الاختفاء فجأة… سيكون حزنك أعمق بسبب الألفة وهي صعبة… احتل قلبك وكنت تخافين أن تزعج نبضات قلبك أذنيه الكبيرتين… لكنه كان رجلًا ملتوي القلب، فكيف تحملت صلابة وجهه؟ أعرف أنك لا تبكين عليه، أنت لست حزينة لفراق الغدار، ستجدين مثله، وهم كثيرون، أنت تبكين على الشمتة يا شقيقة روحي، أعرف أنك مرضت بسبب الفشل في العثور على حبيب وفي ودائم… لا تتركي الإحباط يحطمك…. ابك واحزني ثلاثة أيام، وستبلعين الشمتة في شربة ماء… بسبب الشماتة تبكين ولا تأكلين ولا تنامين، تتعذبين في حياتك لأنك لن تثقي في أي ذكر مستقبلًا، أبدًا أبدًا، وإذا لم تثقي لن تحبي، وإذا لم تحبي لن يكون للفرح معنى… أعرف أنك تبكين بسبب هذا… وأنك تجرين وراء الحبيب لتفرحي قليلًا… تريدين أن تفرحي بحب قابل للدوام نسبيًا… لذلك أعرف أن شوقك إليه يرهقك… إذا رأيته أمامك سيتدفق الشوق من عينيك، وستجرين نحوه لو لوّح لك… غلب شوقك كرامتك… منحت نفسك ومشاعرك للشخص الخطأ، أعطيته كل حبك، ولم يتغير للأحسن، وأنت الآن غاضبة ضد نفسك، تتمنين أن تغمضي عينيك وتجدي نفسك مع حبيب يؤوي صدره قلب إنسان لا قلب عقرب… عشت الصدمة نفسها يا صديقتي مع حبيبي الأسبق، كان صدري مثل فطيرتي سكر دائريتين في كفيه، مرة عبرت عن إعجابي بقارورة عطره فأهداها لي، لذلك صنعتُ له بيتًا دافئًا في كبدي فحطمه ورحل. شعرت بالوحدة، بالغربة فبكيت… سرى عطره في دمي، وكلما شممت عطر قارورته تذكرته فهاج شوقي له، كانت تلك هدية مسمومة… جعلت حواسي أسيرة له… عندما غيرت العطر تحررت… مع الزمن، تعمقت وحدتي وإحساسي بالشماتة… لا يوجد محلول فعال يشرب يمكن من نسيان الماضي. في ذلك الماضي، كنت أصرخ ليلًا، وقد سألتني أمي عن هلوساتي أثناء نومي، سمعتني أمي أردد آخر حوار مع الهارب، قلت له: «أحب السيارة، والهاتف المحمول، وبيتزا بفواكه البحر» فأجابني «الحب الحقيقي هو حب رسول الله والوالدين وراية الوطن». عضضت يدي. سهرت حتى الثانية صباحًا أشاهد فيديوهات رومانسية مضحكة أنعشت قلبي، بينما كانت أمي تسمع ضحكي، فتأتي لتصرخ في وجهي لأنام. في الفجر، حلمت أن أمي ضبطتني أدخن في مقهى بعيد عن البيت، طاردتني في البيت. أمسكتني وقطعت رأسي، وغطسته في سطل حليب، بينما ما زلت أتنفس. قضيت ليلة بيضاء مرعبة، في الصباح، ذهبت إلى عملي، سألت كثيرين عن معنى «الحليب» في المنام. كانت كل التفسيرات متفائلة لو كنت حلمت باللبن. بعد يومين، رجعت من الكلية إلى البيت، واكتشفت أن أمي ماتت، صرخت ودخلت إلى الغرفة حيث جثتها، أغلقتها عليّ وبكيت طويلًا حتى هدأ قلبي… وقد رفضت فتح الباب لتحمل أمي وتخرج وتُدفن. بعد طول انتظار، كسر خالي الباب، وأخذ أخته إلى مقبرة، وغطاها بالتراب في حفرة. لبست الأسود حزنًا على أمي، وانقطعت عن شرب الحليب، وصرت أشرب قهوة سوداء. صديقتي… اشربي قهوة سوداء لمحو أثر الشماتة من قلبك… يحزنني أنني أنا التي قدمته لك… سامحيني رغم أن هذا لم يكن مسؤوليتي وحدي، كان ذلك اتفاقًا بيننا بأن تقدميني لصديق صديقك، وأقدمك هدية لصديق صديقي… في هذا النوع من اللقاءات يكون كل شيء ساخنًا، مبهجًا، لكنه ينطفئ بسرعة… لا تنكري استمتاعك معه، لقد اعترفت لي ذات مرة همسًا أنك بكيت، فصارت في صوتك بحة وغنة أججت شوقك فنسمه ريق قُبله… وبعد أن ضرب هرب، وقد جرحتك ابتسامة ابن الكلبة، وقد تكرر هذا يا صديقتي أنت التي قلت لي مائة مرة «الصدمة الأولى علمتني». وماذا علمتك؟ «لا ثقة في البشر». أنا أيضًا قلت لنفسي «زلقت ما يكفي، لن أزلق مرة أخرى» ونسيت. هيا ننسى الماضي، لأنه من الماضي لا يتعلم الإنسان شيئًا. كل مرة نصدم نقول إننا لن نصدم أبدًا، كل مرة نعيد الخطأ نفسه ونصدم. لسبب بسيط، نحن في حاجة لآخرين، حتى لو لم نثق فيهم. صديقتي وتوأم روحي، أكتب لك لأخفف أحزانك، فرحتك هي فرحتي، وحزنك هو حزني… لأن الشماتة فرح بمصيبة الحبيبة أكثر من فرحه بمصيبة العدو… لذلك طال الحزن، وتتساءلين متى أفرح كثيرًا؟ بسيطة، اعتبري أن حبك كان مسرحية حزينة تستحق المحو والنسيان… ابحثي عن شاب آخر وتحدثي إليه، وأقسم بالله أنك ستنسين ألم الشماتة في ظرف يومين، وقد عشت التجربة نفسها… لذلك أكشف لك أن ما يجري لنا ليس سببه أننا نحبهم، بل نبحث فقط عن نسيان مشاكلنا في أحضانهم… وعندما يساعدوننا في نسيان مشاكلنا نعطيهم قيمة كبيرة، ونعتقد أنها حب… نعطيهم قيمة أكثر مما يستحقون وهم أبناء كلبة ملعونة. لا تحزني لأنه عندما تفكرين في كل ما جرى لك ستنسين، وقولي لنفسك أن حتى ما فعله الشماتة الأخير سينسى. ما الذي سيقع لك أكثر مما وقع سابقًا؟ عزاؤنا أنه لن يقع لنا أكثر مما سبق وعشناه. صديقتي العزيزة، أكتب لك لأن الشماتة الذي أحببته لم يكتف بالهرب، بل نشر صورة لك وهو واقف وأنت جاثية على ركبتيك أمامه… والقاسي في كل هذا أني أظهر ضاحكة في خلفية الصورة.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة