عمار حميد
عند زيارتك الى متحف المتروبوليتان للفنون في الولايات المتحدة ودخولك الى قاعة العرض رقم 403 المخصصة لعرض فنون الشرق الادنى التي تعود الى فترة تتراوح من 1200 الى 3000 سنة قبل الميلاد ستلاقيك واحدة من أهم وأقدم الوثائق الانسانية التي تعود الى فترة مبكرة للحضارة السومرية في بلاد مابين النهرين والتي تعرف بمسلة او نصب (أوشموكال)، يرجع تاريخ هذه المسلة المصنوعة من حجر المرمر الجبسي الى فترة السلالة الاولى لسومر اي مابين 2900 الى 2700 سنة قبل الميلاد وبذلك يزيد عمر هذه المسلة عن 4500 سنة ويعتقد علماء الآثار انها تعود الى فترة مملكة أومّا الواقعة في تل جوخا في محافظة ذي قار حاليا.
يبلغ ارتفاع هذه المسلة 22.4 سم وعرضها 14.7 سم وسمكها 9.5سم و لغاية الآن لم يتم فك رموزها والكتابات المسمارية المحفورة عليها بشكل تام اما الجزء الذي تم فك رموزه فهو يشير الى واحدة من أولى وثائق صفقة لتحويل ملكيات ثلاثة حقول وثلاثة منازل وبعض الماشية ويظهر فيها نقش لرجل بحجم كبير وقد نُقش على وسطه كلمة يمكن ان تُقرأ (أوشموكال ، كاهن الاله شارا) وشارا هو إله حرب ثانوي معروف بشكل رئيسي في مملكة أومّا , في الجانب الآخر من هذا الحجر تم نقش رسم لأنثى مع حروف غير واضحة ربما تشير الى اعتبارها ابنة أوشموكال , وفي جانب آخر نلاحظ نقشا لرجل مع اسم (آك-كال-أوكين) ربما يشير او يرمز الى آكا آخر ملوك السلالة الأولى للكيشيين حيث تعود هذه المسلّة الى تلك الحقبة اما الشخوص الأصغر حجما في الجوانب الاخرى من المسلّة فهم على الاكثر يعتبرون شهودا على عملية تحويل المِلكية هذه ، وبسبب النص ذي الرموز القديمة جدا فلا يبدو ان كان (أوشموكال) يشتري او يبيع او يمنح تلك الممتلكات
يعتقد بعض علماء الآثار كذلك ان المسلّة ربما تكون احد اشكال احجار الحدود المبكرة التي تعرف بـ(كودورو) التي توضع كعلامات لحدود الأراضي وبالنظر لما تمثله هذه المسلّة من أهمية واشارات على فهم وتطور الكتابة في العهود المبكرة من تاريخ العراق القديم والاشكال الأولى لتطور الكتابة المسمارية فهي ايضا تشير الى امكانية استملاك الاراضي من قبل الافراد في ذلك الوقت على الرغم من أن نسبة كبيرة منها كانت لا تزال مملوكة للآلهة وتديرها معابدهم. في حين أن هذا التطور لا يعتبر مفاجئًا من وجهة نظر حديثة ، فقد مثل في العصور القديمة تحولًا بالغ الاهمية في المفاهيم والثقافة المتعلقة بنشوء وتطور الحضارات.