علي سعدون: الجيل الثمانيني له الفضل في ترسيخ الاداء الشعري لقصيدة النثر العراقية.

القسم الأول

حاوره: سلام مكي

  • من الذي يصنع الجيل؟ الزمن أم الحدث؟ بمعنى: هل الفعل أو الحدث الخارجي هو الذي يصنع الجيل الشعري عبر التأثر المباشر أو غير المباشر به من قبل الشاعر، أم إن مجرد الزمن بقطع النظر عن الحدث هو من يصنع الجيل.
  • لنتفق اولا على مفهوميّ الزمن والحدث، وقطعا انهما منفصلان من حيث النتائج. الزمن ينتج تعددا وتراكما للسنوات وبالتالي فهو صانع للعقدية في هذا المضمار – اذا جاز التعبير- . ما يهمنا هو الحدث، اعني طبيعة التحولات السياسية والاجتماعية التي تؤثر على الكتابة بصورة مباشرة، لكن مدى ذلك التأثير سيتضح على الكتابة الواعية التي تتداول الحياة وعلاقتها بالنص او الكتابة الابداعية بعمومها. ولا يدخل ضمن ذلك الظهور العشوائي لعدد واسع من الكتّاب خلال فترة زمنية واحدة.. وما اقوله بانفصال الاول عن الاخر، هو صناعة الاثر الذي ينتج عن الاحداث ويغير شكل الكتابة او مضمونها ويكون ظاهرة من ظواهر الثقافة، اما الثاني فسيشير الى مجموعة ادبية او شعرية تظهر خلال عقد زمني وتختفي او تترهل بعد ذلك بعيدا عن المشتركات الفنية التي تربط مجموعة بعينها بنسق ثقافي او فني محدد بسمات وملامح يمكن للباحث ان يستنتج منها توصيفا بمعنى الجيل. هذا لا يعني اننا مع التصنيف الجيلي بالطريقة العشائرية او الشللية، انما الغرض الاساس منه هو الفرز الفني لا اكثر من ذلك. كنت قد نوّهت في اكثر من مناسبة بعدم ايماني بالجيلية، وان الابداع منجز فردي لا جماعي، وهذا من بديهيات الابداع في الادب. لكن الموضوعية في الكتابة عن الظواهر الثقافية في الشعر العراقي، تتطلّب منّا نوعا من الفرز والتشخيص وهو ما لا يمكن التعامل معه الا وفق التصنيف (سواء كان جيليا ام غير ذلك) الذي نحاول ان نضبط ايقاع معناه ودلالته على وفق السمات والملامح، لا على اساس تاريخية الظهور. والغريب في الامر ان الحديث نقديا عن موضوعة الجيل صار فرصة للدعابة اكثر من كونه انشغال بحيثيات كتابة تختلف عمّا سبقها على اساس ثقافي وفني.
  • إلى أي مدى، بالإمكان الكتابة بموضوعية عن ظاهرة الأجيال الشعرية؟
  • اعتقد جازما ان النظرة النقدية لموضوعة الاجيال – على الاقل عندنا في العراق- تسببت بإشكاليات كبيرة نتج عنها فوضى في التحليل والتدوين وعدم ضبط الظاهرة على وفق سماتها وملامحها. وان الخلط في تشويه ستراتيجيات الكتابة لدى هذه المجموعة او تلك كان حافزا للنيل من مفهوم الجيل على اساس الظهور – العشري – بينما يمكننا اعتماده للفرز والتأشير كما اسلفنا. اما اشارتك للموضوعية، فهي واحدة من ضرورات التعامل النقدي مع المفاهيم والمصطلحات والاثار المترتبة على وجود كتابة مختلفة.. كل ذلك يتطلب نوعا من الموضوعية. لكن التجييل على وفق ما يجري اليوم في الاجراء النقدي يأخذ مدى مختلفا بسبب الحساسية التي تبزغ على حين غرة في النظرة النقدية لأداء اي من الاجيال الشعرية. النقد حاله حال اي منجز ابداعي ينطلق من مزاج شخصي في التقويم والتصويب – طبعا يجري ذلك بمحاولات للحيادية النادرة – وربما تكون الاكاديميات اكثر فسحة في جانبها الموضوعي بسبب انضباط الدرس النقدي فيها. اما الكتابة النقدية الموازية للأكاديمية فتكاد تكون الصورة المثالية للانحياز الثقافي في الانتصار لجيل ما او للنيل منه. المزاج الشخصي والايمان بنوع معين من الكتابة هو المؤشر السائد في الاداء النقدي الذي رافق او تحمس للكتابة عن التجييل، وهذا الامر بطبيعة الحال ينتج عن خطورة بالغة الاهمية في الابتعاد عن الحياد والموضوعية في قراءة التحقيب او التجييل. او في قراءة الظواهر الثقافية بشكل عام.
  • ألا ترى بأنك كنت قاسيا على الجيل الثمانيني عندما اتهمته بأنه من أكثر الأجيال الشعرية التي تفتقد إلى الهوية الثقافية خصوصا وأنك لم تراع الظروف السياسية والثقافية التي سادت في حقبة الثمانينيات، من حيث الحرب المشتعلة وبلوغ قبضة النظام ذروتها على السلطة، في حين فترة التسعينيات شهدت بعض التراخي بعد الانتفاضة..
  • اشرت في كتابي (جدل النص التسعيني – دار غيداء / عمّان 2016) الى ان الجيل الثمانيني له الفضل في ترسيخ الاداء الشعري لقصيدة النثر العراقية وجعلها في الصدارة، اضافة الى ذلك هو جيل مهم في الشعر العراقي وان كل ما نوهت عنه بخصوص ذلك الجيل لم يكن من منطلقات الانتقاص منه بقدر تأكيد المختلفات بينه وبين التسعينيين، نافيا ابوتهم لأجيال ما بعدهم.. وعلى الرغم من اهمية هذا الجيل، فان علامته الفارقة هي غياب المعنى والاسترسال اللغوي والتهويم وبالتالي انتاج نصوص تنطلق من اللغة وتعود اليها غير ابهة بقارئ ما لهذه النصوص، بل ان تضليل القارئ واعتباره سلطة كاشفة اسوة بالسلطة السياسية كان واحدا من اهدافهم.. الثمانينيون اعتمدوا التورية خشية الوقوع في براثن وارهاصات الرقيب الثقافي، حسنا وماذا بعد؟ كان الاسترسال والتهويم شيئا بالغ القسوة في اجرائهم الشعري. لقد اخذ معظمهم تنظيرات وافكار الشاعر والمفكر العربي ادونيس بطريقة غريبة لكنها واضحة المقاصد. فمثلا كتب ادونيس قصيدته المعروفة “هذا هو اسمي” فجاء بعده سيل عارم من نصوص ثمانينية تحاكي النص نفسه، اضافة الى نصوص الصوفيين والمعتزلة. لا انفي وجود نصوص معنى عند الثمانينيين، وهي قليلة ونادرة. ومع ذلك اشرت الى تحولات في نصوصهم بعد نضوج التجربة مطلع التسعينيات، اعني ان محمد تركي النصار على سبيل المثال وهو من النماذج البارزة في الثمينينيات، ستتغير سحنته الشعرية اذا جاز التعبير في مجموعتيه “تنافسني على الصحراء” و “السائر من الايام” ويحق للباحث ان يتساءل هنا مَنْ من المجموعتين هو شعر ثمانيني، بسبب من الفروقات الهائلة بين نصوص المعنى في السائر من الايام والتهويم والتجريد في تنافسني على الصحراء؟. وكنت اشرت ايضا الى تطرف لغوي في كتابة قصيدة النثر عند عبدالحميد الصائح ومحمد مظلوم في نصوصهما الاولى. لم اكن قاسيا على الاطلاق، لكني كنت منحازا لنص التسعينيات وهذا طبيعي. اما ان تكون قبضة السلطة قد تراخت بعد احداث اذار 1991 وهزيمة الجيش في الكويت الخ، فاعتقد ان ذلك يحتاج الى تحليل ودراسة في براهين تحولات السلطة، وهو ما لا اراه حقيقيا ومعقولا. السلطة ظلت غير متساهلة مع ما يكتب لغاية 2003 وكان الرقيب فاعلا وموجودا طوال تلك الفترة. احيلك هنا الى كتاب خريف المثقف في العراق لمحمد غازي الاخرس، انظر الى هجرة شعراء الحقبتين، لم يبق منهم سوى النزر اليسير. وهو برهان على امتداد موضوعة القهر على مساحة واسعة.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة