النسق الحكائي والتوتر الدرامي في “قاتل مجهول”

علوان السلمان

  النص الشعري نص يشتبك والواقع فيقيم معه علاقة تفاعلية بلغة تعتمد التكثيف الصوري والاختزال الجملي القائم على عالمين مكانيين: اولهما: الذاكرة (الذات)..وثانيهما : الواقع الموضوعي بكل موجوداته المتصارعة التي تشكل حركة التجاذب والتنافر.

  والمجموعة الشعرية(قاتل مجهول) بنصوصها التي توزعت ما بين النص القصير ونص الصورة وفقا لزخم اللحظة التي تتلبس النص والتي يغلب عليها الطابع الحسي والجمالي بتوظيف لغة تتميز بألفاظها الشفيفة، البعيدة عن الضبابية وهي تسير بخطين متداخلين: اولهما الصياغة البنائية والاسلوبية، وثانيهما التعبير الفني المنساب بهدوء جاذب، والتي افرزتها ذهنية منتجها الشاعر علي فرحان ونسجتها انامله، واسهم الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق في نشرها وانتشارها/2020.. كونها تتخذ مسارات تكشف عن البعد النفسي والمجتمعي ببناء متماسك مبنى ومعنى، فضلا عن التعبير عن البعد الانساني المتصاعد في تجلياته وسلوكياته باعتماد تقنيات اسلوبية وفنية كالتكرار بوصفه اسلوبا دالا وسمة شعرية بما يحمله من طاقات تعبيرية وايقاعية، اضافة الى اشتغاله على بنى متعددة منها، اللغوية والصورية والايقاعية بما تمتلكه من طاقات صوتية وايحائية، مع امكانية تفجير الفعل المتميز بعلامتين مضيئتين، اولهما: العلامة الدرامية، وثانيهما اللغة اليومية الخالقة لصورها المتوالدة بصفتها جوهر النص الشعري المحقق للذات الشاعرة موضوعيا..

ماذا يقول القاتل المجهول

قبرة على سلك أم أنثى؟

تمر على بلاد مثل مرثاة فنذبل؟

ايه يا دمنا

يا قلبا تقلب في الدروب..  وآب

لا تأتيه بوصلة ولا تبقيه مرساة على جرف الحنين

ملاذه حلم ولا صبح يجىء

ايه من وطن طوى احلامنا تحت (البساطيل) الغريبة

ماذا يقول القاتل المجهول؟

ماذا سوف  يحزنه؟

مرارات على الشباك تنتظر الملامح خربتها الذكريات

ام طلاسم من مضوا خوفا من النسيان

وجه لا عيون ولا ابتسامات ولا مشط يسرح خيبة الابناء

وجه سافر..كالدمع..طل على الهباء وشاء   / ص14 ـ ص15

  فالمنتج(الشاعر) يمارس طقوس الارتقاء في جمله الشعرية بالاتكاء على النسق الحكائي والتوتر الدرامي الخالق لمشاهده النصية مع حرص على الايقاع المنبعث من بين ثنايا الالفاظ الخالقة لصورها، واستنباط كينونتها عبر علاقات الدال والمدلول لتفعيل الاثر الحسي، كي ينسج نصا يزاوج بين واقع انساني مكتظ بالاغترابات والتأزم النفسي ابتداء من الايقونة العنوانية والعلامة السيميائية الموازية للمتن النصي والتي تحدد مساره باعتماد الانزياح المتجاوز والمتمركز على الذات بفونيميه الكاشفين عن توكيد  التعامل النفسي والزمكاني ببعديه الدلالي والرمزي، كون الشعر ايحاء وترميز يحيلان الى معنى جمالي ويسهمان في نبش الخزانة الفكرية للمستهلك للكشف عما خلف المشاهد الصورية لتحقيق المنفعة الفكرية عبر التساؤلات والتأويلات، والمتعة الجمالية من خلال الغوص في ابعاد النص، فضلا عن توظيفه تقنية الجملة التكرارية(ماذا يقول القاتل؟)المدورة التي شكلت لازمة للتنبيه والكشف عن بعد نفسي لذات المنتج، والتي شكلت حركة ايقاعية مضافة ودلالة موحية من شأنها ان تغني النص وتسمو بمكانته الفنية، اضافة الى انها تسهم في ترصين البعد الدلالي وتحقيق تنوعا ايقاعيا داخليا للكشف عن الانا بكل محمولاتها،وهناك تقنية الاستفهام المحرك للذاكرة ببحثها عن جواب  وتشكيل درامية مشهدية تسهم في اتساع مديات النص،أما تقنية التنقيط دلالة الحذف والتشكيل الصامت الذي  يستدعي المستهلك لملىء سواداته..

توضأت بالصمت..سيماك باد عليه التعب

فقد علمتني طقوس مجيئك:

ان البلاد التي يتوالد فيها المحبون كالارصفة

مهددة بالحرب وانك ترتكب العشق فيها

وترتكب الموت فيك

ـ ما بين موتين ترقص ـ

سنبتاع للوقت يوم

نسميه ما شئت..

احبك اني

ولكنني مسرف بالنواح على حنطة انت    /ص49ـ ص50

  فالمنتج (الشاعر) يبوح بوحا وجدانيا اقرب الى (المنولوجية) باستنطاق المكان بصفته دال معرفي شكل بؤرة مركزية تجتمع حولها خيوط النص وتمنح نسيجه تماسكا ووحدة موضوعية من خلال سرد المواقف المتوالدة من تفجير الفعل الدال على الحركة الكاشفة عن الافعال الانسانية:( توضأت/ علمتني/يتوالد /ترتكب /ترقص/ نبتاع/نسميه..)

سأدرك كأن يديك سياط

وان اغانيك تفر لفكرة عيد يلوح

وان ملامح هذي القصيدة ممهورة بالغزاة

يفلون ابياتها بالمعاول

سأدرك وجهك يغسله الفرح

ويربكه العسكري ببسطاله

وأدرك انكِ بغداد باقية   /ص84

  فالمنتج(الشاعر) يستثمر التداعي والتفاصيل اليومية لإضاءة بعض العوالم المعتمة بلغة محكية عبر خطاب الذات ومناخاتها للتعويض عن الغربة بانتقاء صوره من البيئة واستحضار عوالم المكان بكل تشكلاته كي يمنح نصه قدرة التدفق المحكوم بصور متتابعة تجعل متلقيها يتماهى معها ويتفاعل مع مناخاتها وانسيابية ايقاعاتها وطقوسها الداخلية المعتمدة جملا فعلية دالة على الدينامية الحركية ابتداء من الاستهلال(سادرك كأن يديك سياط)لاستثماره في بث روح السرد الشعري واقامة علاقات حميمية بين وحدات النص..

   وبذلك قدم المنتج(الشاعر) نصوصا تميزها علامتان مضيئتان: اولهما البنية الدرامية، وثانيهما اللغة اليومية المنطلقة من ضمير المتكلم(انا) بوحدة بنائية نامية احتضنت الفعل الشعري والاستدلالي والانفعال الشعوري.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة