بين الأدب والسياسة

محمد زكي ابراهيـم

ثمة من لا يرى صحة للتسميات التي أطلقت على الأدب العربي منذ أقدم العصور، مثل الأدب الجاهلي والإسلامي والأموي والعباسي والمملوكي، لأنها في نظره تسميات سياسية. والأدب شئ والسياسة شئ آخر. ولو كانت هناك فوارق واضحة بين نتاج عصر وآخر لهان الأمر، لكن الواقع أن هناك تداخلاً كبيراً بينها. فالانتقالات السياسية لا تصنع اتجاهات أدبية، بل العكس هو الصحيح.

وقد يصح هذا الرأي أحياناً، لكنه لا يصح دائماً. فالحياة في العصر العباسي مثلاً، تغيرت كثيراً عن الحياة في العصر الأموي. ولم يكن هذا التغيير الذي ألقى بظلاله على الشعر والأدب وطرائق التفكير ليحدث لولا الانقلاب السياسي. كما أن الذين كتبوا عن النهضة الفكرية في العصر الحديث درجوا على إلقاء اللوم على الأنظمة السياسية التي حكمت المنطقة في القرن العشرين، ولم تحفل بحرية الرأي، أو تسمح بالمشاركة في السلطة. ويحملونها كامل المسؤولية في تردي الأوضاع الأدبية والفنية، فضلاً عن الاقتصاد والعمران.

ومع أن هذا حل مريح للغاية، يجعلهم في حل من الخراب الذي حل ببلدانهم. ويخلي جانبهم من أي تبعة أخلاقية. إلا أنه يعكس نوعاً من التواكل والميل إلى الدعة. ولو حدث خلاف ذلك لنسبوا جانباً كبيراً من الفضل إليهم، دون شك.

لكن الحقيقة أن الأدب العربي لم يشهد قفزة كبرى إلا في الثلثين الأوليين من القرن العشرين، حينما كانت الأمية ضاربة بأطنابها في الأرض. وحينما كانت القراءة قليلة ونادرة. وحينما كان عدد السكان لا يتجاوز في أحسن الأحوال 100 مليون. وحين لم تكن هناك إلا جامعات عربية قليلة.  والأدهى من ذلك كله أن تلك الحقبة امتازت بوجود الاستعمار، والتبعية، والأنظمة العسكرية، والاستبداد السياسي. وكانت السجون والمعتقلات مشرعة الأبواب. واستعرت خلالها حروب داخلية، وجرت إعدامات، وحدثت ضغوط نفسية واقتصادية، وغيرها.

أما في القرن الجديد فقد أطلقت الحريات بشكل غير مسبوق، وتهاوت الأنظمة القديمة، ونشأت بدلاً عنها أخرى على الطراز الغربي، وألغيت الرقابة على المطبوعات، باستثناء بلدان قليلة. لكن تغييراً ملحوظاً في الإنتاج الأدبي لم يحدث بالمرة. ولم ينتج الأدب العربي أسماء لامعة ومؤثرة. أو يخرج شعراء وكتاباً كباراً، ولم تصدر مؤلفات مرجعية وأساسية كتلك التي ظهرت من قبل. 

شخصياً أرى أن المسألة ليست بهذا القدر من البساطة. فالأنظمة السياسية لا تنشأ من فراغ، ولا تأتي بالصدفة. بل هي انعكاس لظروف المجتمع وقوانين التاريخ. غير أن ما يدفع بأي قضية إلى أمام هو الالتزام الأخلاقي. وهو ما كان أدباء العربية يحرصون عليه، في حقبة شديدة الحرج، كثيرة التقلبات. كانت الأنظمة السياسية تملك الحافز الذي يجعلها تندفع باتجاه ما، وتحاول توظيفه لصالحها. في حين لم تر الأنظمة الجديدة أي حاجة إليه. لأن ما بيديها – حسب وجهة نظرها – هو نهاية التأريخ. وربما ستكتشف بعد طول تجربة أنه لم يكن سوى نقطة البدء ليس إلا.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة