أيوب بابو بارزاني
لابد من عودة سريعة الى التاريخ لفهم عقلية القيادة الكردية الحاضنة لظاهرة «التبعية والخضوع للرعاة الخارجيين» و «الاستقواء بالأجانب لمجابهة الداخل»والفساد المالي. فهذه الظواهر تكررت مرات عديدة خلال الثمانين عاما مضت وكانت سببا لكوارث دفع ثمنها الشعب الكردي ولايزال.
من مميزات قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني في السياسة الخارجية هو «عرض الانصياع» لجهاز مخابرات حكومة اجنبية وخدمة مصالحها مقابل الحماية والمال. وحتى قبل ولادة الحزب (حدك) كان ملا مصطفى يبعث برسائل مكتوبة بخط يده للمسؤولين البريطانيين بين أعوام 1943-1945 ويؤكد فيها انه: «قيد أوامرهم ويعمل وفق تعليماتهم»، ولم يجري أي تغيير على هذا النهج الى اليوم.
وعندما أعلن (حدك) بقيادة ملا مصطفى الانتفاضة المسلحة عام 1961ضد نظام عبد الكريم قاسم، بذل مساعي كبيرة للعثور على «داعم خارجي»، وهنا دخل «السافاك الإيراني في اللعبة التي يتقنها. واستطاع السافاك بدعم مباشر من قيادة (حدك) قمع الحركة الكردية داخل ايران والتي كانت قيد التحضير، وتم تصفية عدد من اهم القادة البارزين في الحزب الديمقراطي الكردستاني /ايران كما هو معروف، وكانت تنهال على القيادة الكردية ملايين الدولارات مما أعماها أو تعامت عن رؤية الوقائع على الأرض ، وبالتدريج فقدت القيادة الكردية استقلالية القرار الداخلي و أخذ الشاه يوجهها الوجهة التي تخدم مصالحه، وثم استخدم قيادة حدك/ عراق للضغط على الحكومة العراقية وارغامها على القبول بشروط ايران في تسوية الخلافات بين طهران وبغداد، فكانت اتفاقية الجزائر عام 1975، فانهارت الحركة الكردية وهرب قادتها مع ما جمعوه من الأموال تاركين الشعب الكردي يواجه مصيره الحالك لوحده.
والمحاولات لم تقتصر على إيران وحدها بل شملت إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا والسعودية وتركيا والاتحاد السوفيتي وغيرها.
وفي تسعينات القرن الماضي لعب صراع الحزبين الرئيسيين» الـ «يكتي» والـ «بارتي» على المال والنفوذ دورا كبيرا في ضعف موقفيهما أمام القوى الخارجية، وفي مرحلة «حرب الزعامات» في تسعينات القرن المنصرم، استنجد قادة الحزبين بأنقرة وطهران فتدخلتا عسكرياً ولم يكن تدخلهما حسبة لوجه الله. وعندما ثبت غياب ذلك المقدار من الروح الوطنية لدى القيادة الكردية للوصول الى تفاهم متبادل يجنب الشعب الكردي الاقتتال الداخلي، دعتهم أمريكا الى واشنطن، وكان الامريكان بحاجة الى استقرار الإقليم لغرض تنفيذ مشاريعهم في إطار الجيوبوليتيك العالمي. فأمروا الاثنين بالتوقف فانصاعوا.
وبعد السافاك الإيراني جاء دور «الميت التركي، فدخلت قيادة (حدك) في تفاهمات واتفاقات علنية وسريّة، وشكلت أربيل عاصمة إقليم كردستان ساحة مفتوحة لنشاط شبكات التجسس العالمية على شاكلة بيروت العاصمة اللبنانية.
كانت الحكومة التركية في البداية تنظر الى الإدارة الكردية في كردستان/العراق بعين الريبة، ولا شك انها عقدت اجتماعات عديدة للبحث عن كيفية التعامل مع «حكومة الأمر الواقع» في الإقليم. فاختارت في النهاية خطط سياسية وعسكرية وأمنية واقتصادية ومالية وثقافية، وفي المحصلة تتحكم أنقرة بشريان الحياة والموت للإقليم. وهذا يتطلب العثور على حصان طروادة وثم الدخول الى البيت الكردي من أوسع أبوابه – حصل نفس الشيئ مع شاه ايران – وقد تم لها ذلك بفضل تجاوب القيادة الكردية.
قيادة «حدك» كانت تعيش قمة غرورها يحيط بها المطّبلون والانتهازيون واللصوص، فهي لم تراجع سياساتها الخارجية الكارثية السابقة بروح انتقادية موضوعية، لقد كان الولع والهيام المرضي بلقب «الرئيس» بالكردية «سه روك» ضاغطا بقوة يستحيل مقاومته، واستغل الجانب التركي «الميت» هذه الرغبة الجامحة لعمل مشترك يخدم المصلحة التركية على المدى البعيد. وأصبح السيد رجب طيب أردوغان في آذار 2003 رئيسا للوزراء واتضحت أكثر معالم السياسة التركية في الإقليم وفي منطقة الشرق الأوسط وافريقيا.
كانت الخطة التركية تهدف الى ضرب زعامة ونفوذ عبدالله أوجلان و PKK وتضليل الشعب الكردي. فاختاروا رئيس «حدك» وهيأوا له عوامل المنافسة، فكانت الفضائيات التركية والفضائيات التابعة لقيادة «حدك» تعمل بالتنسيق، وركزت أجهزة الدعاية الحزبية على ابراز وتعظيم «الرئيس» كبطل قومي عظيم لا مثيل له في التاريخ وانه «أب» الامة الكردية المقدس. وشهدت هذه المرحلة تدفق قطعات من الجيش التركي وبناء عشرات القواعد العسكرية في «بادينان» وبموازاة الاحتلال العسكري، غزت البضائع التركية معظم أسواق كردستان وتحكمت أنقرة في الأمن الغذائي للإقليم، وتحول الشعب الكردي الى مستهلك للمنتجات التركية، وقضي على الإرادة والرغبة في الإنتاج الوطني. وبنت تركيا مطارين دوليين في أربيل والسليمانية، وانتقلت آلاف الشركات التركية للعمل في التجارة والبناء والطاقة والتنقيب بشكل فقد الإقليم استقلالية القرار السياسي والعسكري والاقتصادي وزاد اعتماده وبقائه على حكومة انقرة، كما تمكنت أنقرة تجنيد العملاء لصالحها والتعرف على العناصر المؤيدة لـ PKK وثم محاولة القضاء عليهم.
كما تدخلت القيادة في اربيل في شؤون كردستان سوريا بإيعاز تركي. فكانت مهمة رئيس اقليم كردستان دعوة قادة الأحزاب الكردية السورية ال أربيل لتوحيدها فانبثق عنه ائتلاف كردي باسم «المجلس الوطنى الكردي» في 26/10/2011 وكان الهدف التركي هو ضمان تعاون المجلس الجديد مع المعارضة السورية – المدعومة تركيا – واجراء استباقي لسدّ الطريق أمام الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب الكردي في السيطرة على الساحة الكردية في سوريا. فأسس رئيس الإقليم قوة مسلحة وممولة ومدربة باسم « روژ پێشمەرگە» تأسس هذا اللواء في 12 أبريل/نيسان 2012 ويضم 5000 جندي، تم اختيار معظمهم من مخيمات اللاجئين في جنوب كردستان ووفق تفاهم مشترك مع الميت التركي.
البيان الذي صدر في 14/4/2020 من القيادة العامة للقوات المسلحة العربية الليبية يتعلق بـ : «الجماعات الكردية الإرهابية الممولة من الجيش والحكومة التركية»، انما يتعلق بـ « روژ پێشمەرگە». وكان الحدث موضع اهتمام الصحافة وقنوات التلفزة في الشرق الأوسط والشارع العراقي وفي أوساط الشعب الكردي.
لقد وقع اللوم على الحكومة العراقية «المشلولة» وليس على أربيل، اذ ورد في البيان الليبي:
«نوجه وندعو الحكومة العراقية بالتدخل الحاسم والسريع بوضع الحد للتدخلات المرفوضة بالشأن الليبي والمساس بالأمن الوطني الليبي من قبل أحزاب كردية في إقليم كردستان العراق متورطة مع الاستخبارات التركية بتدريب مجاميع كردية بمدينة (أربيل) عاصمة كردستان العراق….».
ليس بخاف أن الحكومة العراقية المشلولة ليس لها أي تأثير على القيادة الكردية في إقامة العلاقات مع الخارج. فعلاقات أربيل بالميت التركي (M.I.T) والحكومة التركية، هي علاقات أمنية ومخابراتية وتجارية ونفطية وعسكرية واقتصادية عميقة، وفيها جوانب في غاية السرّية، والجانبان حريصان على الاحتفاظ بهذه السرية كي لا تتسبب في حرج كبير «لمحرري أربيل الابطال» الذين حرروا عاصمتهم بفضل دبابات صدام حسين وجيشه عام 1996. ووسط استغراب العالم كله عندما بثت قنوات التلفزة العالمية، مشهد أعضاء القيادة الكردية مصطفين في طابور كل ينتظر دوره لتقبيل وجنتي صدام حسين، وهي إهانة مباشرة لضحايا الأسلحة الكيماوية وعمليات الانفال وابادة البارزانيين والفيليين وجميع ضحايا نظام البعث من أبناء الشعب العراقي.
كان من نتائج عجز حكومات بغداد أن تعامت عن واجبها في ضمان صرف ميزانية الإقليم وفق معاير النزاهة والشفافية وهي على دراية تامة من أنها تسلم ميزانية الإقليم (بليارات الدولارات) حسب المتفق عليه لأيدي لا أمانة لها، ومع هذا كانت القيادة الكردية تتعنتر على حكومات بغداد وتهددها باستمرار بايعاز تركي ورضي امريكي وإسرائيلي وسعودي، حكومة بغداد لم تهتم بكيفية الصرف والشفافية في الاقليم، وكان ذلك ولايزال، يصب في صالح استمرار هيمنة «ذئاب المال» على مقدرات الشعب الكردي، ان الموقف اللامبالي لحكومات بغداد فيما يخص ظاهرة الفساد ونهب القيادة الكردية للمال العام يجعلها شريكة في المسؤولية.
ارتكبت القيادة الكردية جرائم ضد شعبها ويجب ان لا تمر مرّ الكرام، ففي 2014 سمح «رئيس الإقليم» لجحافل داعش الإرهابي الزحف واحتلال مناطق الايزدية مما تسبب بكارثة إنسانية متعمدة، كان موضع رضى تركيا والسعودية ومشيخات الخليج وعناصر البعث الصدامي المتواجدون في أربيل وفي الأردن.
وعن وجود قوات «روج بشمركة» في ليبيا، قال المكتب الصحفي للجيش الوطني الليبي: «نعتقد أن الأشخاص المعنيين قد أرسلوا من تركيا إلى المنطقة بطريقة منظمة. وفي حوزتنا معلومات انه لا أحد يأتي إلى ليبيا بمفرده للقتال».
وتطلب القيادة العامة للقوات المسلحة العربية الليبية من الشعب الكردي:
«عدم الانجرار بهذه العمليات الاجرامية والارهابية التي تسيئ لتاريخ ونضال هذا الشعب المنكوب، والذي أصبح ضحية لخيانات قادتها المستبدين بالحكم والمتحكمين بمصيركم ….”.
الرئيس التركي أردوغان وأصدقاؤه الكورد!
التعليقات مغلقة