لا يمكن لاحد ان ينكر براعة المخرج سبيلبيرغ ، صاحب الروائع السينمائية العديدة مثل ، اي تي ، امبراطورية الشمس ، لائحة تشندلر ، الحديقة الجوراسية ، اللون القرمزي وغيرها من الافلام . وهذه المرة ياخذ سبيليبرغ نصا ادبيا روائيا شعبيا للكاتب مايكل موربورغو موجها للفتيان ، ليحولها الى تحفة سينمائية ، حيث وقف امام النص ليظهر براعته كمخرج يستطيع ان يرتقي باي نص من خلال استخدام متقن لعناصر اللغة السينمائية مدعومة باستخدام رائع للتقنيات الحديثة حيث صور الفيلم بالابعاد الثلاثية والتي لا تاتي بجديد دون وضع سيناريو محكم للنص ، حتى يتوفر الفيلم على دهشة بصرية تثير انتباه المشاهد وتجعله يتفاعل مع الحدث ، ومن هنا جاء الجهد الجماعي لانتاج الفيلم مقرونا بموسيقى تصويرية رائعة للموسيقار جون ويليامز.
العديد من النقاد اعتبروا ان اخذ مثل هكذا نص ادبي وتحويله الى نص مرئي ليس في صالح سبيليبرغ الذي طالما كانت موضوعات افلامه تثير جدلا واسعا اينما عرضت وهذا بعض من عناصر نجاحة ، ففي افلام مثل امبراطورية الشمس وانقاذ الجندي رايان كانت الحكاية هي احد عناصر نجاحها ، ولكن سبيلبيرغ لم يعتبر ذلك عائقا له في فيلم حصان الحرب الذي اثار جدلا واسعا بين النقاد ففيما “اعتبره البعض ملحمة للشجاعة والوفاء راى البعض الاخر انه يضيف نوعا من الواقعية ولكنه فقد شيئا من البريق ” ، واعتقد ان الافلام التي تثير جدلا بين النقاد هي الافلام الناجحة بالتأكيد .
قصة الفيلم تتحدث عن المزارع تيد قام بدوره الممثل بيتر مولان يعيش مع زوجته روزي قامت بدورها الممثلة اميلي داتسون ، وابنه البرت قام بدوره الممثل الشاب جيرمي اريفن، يشتري حصانا ضعيفا من احد المزادات ويدفع به سعرا عاليا الامر الذي يثير غضب زوجته لكن الابن يعجب بالحصان وينجح باقناع امه بابقاء الحصان لتنشأ علاقة صداقة بينه وبين الحصان ويطلق عليه اسم جوي ، فيدربه وينجح بان يحرث الارض ، لكن اندلاع الحرب العالمية يضطر الاب الى بيع الحصان الى الجيش الانكليزي ، لتبدأ رحلة جديدة للحصان وليتحول من حصان في مزرعة يحظى بالكثير من الاهتمام الى حصان يشارك في الحرب وليأسر في احد المعارك من قبل الجيش الالماني هو وحصان اخر تربطه به علاقة حميمة بعد هربهما من المعركة التي خسرها الجيش الانكليزي امام الالمان ، حيث تعثر عليه فتاة صغيرة مراهقة توفي والديها وتعيش بكنف جدها الفرنسي ، لكن الجيش الالماني يقتحم المنزل ويصادر كل ماهو موجود حيث يقول الضابط جملة تلخص قسوة الحرب ” ان الحرب تأخذ كل شيء “،سبيلبيرغ يعرض هنا التعامل القاسي من قبل الجيش مع الحيوانات التي تزج بالحرب حيث تقتل بمجرد تعبها وعجزها عن سحب المافع الثقيلة .
في المعركة الاخيرة بين الجيش الالماني والانكليزي يصادف ان يكون الفتى البرت ضمن الجنود المشتركين في المعركة ، ويصاب بهجوم بالغاز فيفقد نظره مؤقتا ،لتتخذ احداث الفيلم تصاعدا دراماتيكيا فبعد موت الحصان الاخر المرافق للحصان جوي ينتفض الاخير ليعدو بكل اتجاه حتى يصل الى الارض الفاصلة بين الجيشين والتي تسمى بلغة العسكر” بالارض الحرام ” بعد ان سحب كم كبير من الاسلاك الشائكة تعرض بسببها الى العديد من الاصابات ليسقط على الارض وهو يحتضر ، هنا يدين سبيليبرغ الحرب بشكل واضح فحتى الحيوانات ملت الحرب ولا تريدها ، ووظف في هذه المشاهد العديد من التقنيات التي استطاع من خلالها ان يصل الى ذروة الادهاش البصري في الفيلم ، الخطوط الامامية للجيشين تنتبه لوجود الحصان داخل الارض الحرام ويحاول كل من الجانبين ان يستدرجه باصدار الجنود لاصوات صفير وتقليد لاصوات بعض الطيور، وهي المرة الاولى التي تعلو فيها هذه الاصوات بدل من صوت الرصاص وقذائف المدفعية ، احد الجنود الانكليز يرفع راية بيضاء ويذهب باتجاه الحصان تحت مرأى الجنود اللألمان الذي ياتي احدهم ايضا الى مكان الحصان ايضا ، يتعاون الاثنان على انقاذ الحصان وتحريره من الاسلاك الشائكة التي علقت به ، ويدور بين الجندين حديث يؤكد كره الجميع للحرب ، الجندي الانكليزي يعود بالحصان الى معسكره ، حيث يواجه الحصان جوي خطر القتل بعد تاكيد طبيب المعسكر انه حيوان بري واصابته بليغة ولايمكن الشفاء منها ، لكن الفتى البرت يتدخل في اللحظة الاخيرة لينقذه . ومن ثم يعود به الى مزرعة العائلة .
الفيلم توفر على مشاهد رسمت بدقة متناهية فكانت في بعض الاحيان لوحات فنية رائعة ، خصوصا مشاهد المزارع التي تنقلت فيها كاميرا سبيليبرغ لتظهر جمال الريف الانكليزي ، في حين كانت هناك مشاهد ممتلئة بالعنف مثل مشاهد المعارك والقتل .
الفيلم يحمل رسالة تدين الحرب والعنف سواء ضد البشر او الحيوانات ، و الحصان جوي هو من حمل هذه الرسالة ، عبر عدة مراحل وضع سبيلبيرغ لكل مرحلة هدفا ورسالة محددة ، مرحلة شراء الحصان وتربيته في مزرعة الفتى البرت ، ومرحلة اشتراك الحصان في الحرب العالمية وماتتعرض له الحيوانات من عنف وكذلك الانسان ، ومرحلة عيشه في مزرعة العجوز الفرنسي الذي يريد بكل الاحوال ارضاء حفيدته التي توفي والديها حتى لو كان بالكذب عليها ،ومرحلة العودة الى الحرب والاحتجاج عليها من قبل الحصان ، ومن ثم عودة الحصان الى المزرعة الاولى وانتهاء الحرب .
حصان الحرب اخر افلام سبيليبرغ الذي ننتظر منه افلام اخرى تحفل بالادهاش البصري وهو هدف السينما الاول………