بلند الحيدري وإغفاءة النقد والدراسات

ريسان الخزعلي
لم يحظ َ منجز الشاعر بلند الحيدري بالنقد أو الدراسة كما حصل مع أقرانه : السياب ،نازك ، البياتي . مع أنه الضلع الرابع في مربع تجديد الشعر العراقي والعربي . وأُلاحظ أنَّ بعض مَن يكتب عن تاريخيّة التجديد لا يُشير الى اسمه! وإن حصلت الاشارة فإنه يحتل المرتبة الرابعة فيها ..، كما أن الرسائل والأطاريح الجامعية في العراق على حد علمي لم تتناول هذا الشاعر الرائد ؛ ولم أعثر على كتاب ٍ ما لناقد أو باحث عراقي يتناول تجربته .
بلند ، شاعر عراقي من القومية الكردية ،وقد حقق ريادة ً في الشعر العربي ، وهذا بحد ذاته يستحق التوقف عنده ؛ شاعر لم يتوافر على تحصيل دراسي ( ربما الدراسة المتوسطة ) إلا أنه تمترس بثقافة عالية بتدبير ذاتي .
في تقييم الشعراء ، لم ينصفْه سوى ثلاثة منهم :
أدونيس – في مقالاته وحواراته ، كتاب بيروت ثدياً للضوء
سعدي يوسف – في كتابه ، خطوات الكنغر
سامي مهدي – في كتابه ، في الطريق الى الحداثة .
إنَّ إغفاءة النقد والدراسات عن تجربة بلند الحيدري تُشكّل حيفاً لحق بالشاعر ، ومثل هذا الحيف ، كان يدركه ُ ويواجهه ُ بالصمت ، كاشفاً عنه بطريقة ذكية لافتة ، حيث يقوم وفي مقدمة كل مجموعة من مجاميعه بتثبيت أقوال لشعراء ومثقفين يمنحونه توصيفاً يُطري أهميته الشعرية : مارون عبود ، دزموند ستيورت ، أحمد ابو سعد ، السياب ، فؤاد الخشن ، البير اديب ، البياتي ، جبرا ابراهيم جبرا .
وهنا أثثبت ما قاله السياب والبياتي لأهمية القولين ، ولكونهما يصدران من شاعرين شاركهما التجديد والريادة .
يقول السياب : بلند الحيدري ، هذا الشاعر الممتاز الذي أعتبر العديد من قصائده الرائعة أكثر واقعية من مئات القصائد التي يريد منّا المفهوم السطحي للواقعية أن نعتبرها واقعية .
أما البياتي ، فيقول : إنَّ بلند شاعر مبدع في اساليبه الجديدة التي حققها وفي طريقته التي لا يقف فيها معه إلا شعراء قلائل من العراق .

أصدر الشاعر الأعمال الشعرية الآتية :

خفقة الطين  ، أغاني المدينة الميّتة  ، أغاني المدينة الميّتة وقصائد أخرى  ، جئتم مع الفجر ، خطوات في الغربة ، أغاني الحارس المتعب ، رحلة الحروف الصفر ، حوار عبر الأبعاد الثلاثة ، إلى بيروت مع تحياتي ، أبواب الى البيت الضيّق ، دروب في المنفى ، آخرالدرب . الأعمال الشعرية الكاملة بطبعتين – دار العودة ودار سعاد الصباح .

وله كتب مقاليّة : أضواء على الطريق ونقاط ضوء ، زمن لكل الأزمنة .

من قصائده التي تمتعت ببراعة استخدام التقفية الخارجية والداخلية ، والتكرار ، قصيدة ( عقم ) …:

نفس الطريق ْ

نفس البيوت ، يشدّها جهد عميق

نفس السكوت

 كنّا نقول : غداً يموت ُ ويستفيق

من كلِّ دار ٍ

اصوات ُ اطفال ٍ صغار

يتدحرجون َ مع النهار ِ على الطريق

وسيسخرون َ بأمسنا ، بنسائنا المتأففات

بعيوننا المتجمدات ِ بلا بريق

لن يعرفوا ما الذكريات

لن يفهموا الدرب العتيق .

….،

ذاك َ الصديق  بلا صديق

ذاك َ الهوى وجهٌ صفيق

وعلى الطريق ، نفس الطريق

 نفس البيوت ، يشدّها جهد ٌ عميق

نفس السكوت …..

……..

بلند الحيدري في مراحل تطوّره الشعري ، تشاغل بتجارب : الصعلكة ، الوجودية ، الالتزام السياسي ، الأفق الانساني الأوسع . وضمن هذا التطور المتدرّج ، كان يُقيم صلاته الشعرية متحرراً من القيود القديمة …، وهكذا جاءت قصائده متقنة التصميم ، خالية من الاسلوب الخطابي التقريري ، يعتمد الإيحاء والتوتر النفسي  وخلق الصورة ببعدها العميق . وقصائده على الأعم تميل الى القِصَر نتيجة الاختزال والتركيز ، إلّا أنه تجاوز هذه المحدودية بقصيدته  / الديوان ( حوار عبر الأبعاد الثلاثة ) والتي تُمثّل أعلى تصعيد فني في خط تطوّره البياني .

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة