بؤس البنيوية.. الأدب والنظريات البنيوية

خضير الزيدي

يطرح «ليونارد جاكسون» في كتابه بؤس البنيوية آراء كفيلة بمعالجة العلوم الاجتماعية وبعض النظريات الخاصة بالأدب في محاولة منه لفهم جدية تلك العلوم وما تبتغي في نهاية المطاف من توصلات فعالة امتدت لتراقب باتساع معهود نشوء الكثير من النظريات السياسية والاجتماعية أو تلك التي عالجت الآداب والذات الإنسانية وكانت يومذاك في خمسينيات وستينيات القرن المنصرم تعد كفيلة بتفسير القضايا الأساسية المتعلقة بالحياة والمجتمع واللغة ومنها النظرية الماركسية وطروحات علم النفس وعلوم اللغة إضافة إلى فهم ومعالجة الواقع سيميائيا.
يعالج مدخل الكتاب الأسس النظرية الحديثة لدى ماركس وفرويد وسوسور وتطوراتها تاريخيا وفكريا وما تروم به تصوراتهم الذهنية.
وخلال متابعتنا لمتن الكتاب نجد أن المؤلف يناقش بعض المزاعم التي تذهب بها هذه النظريات وأصحابها على قدرتها في تناول المجتمع والأدب معا وما تتسم به من تعقيد فلسفي يتأتى من الاتكاء على طروحات سابقة لنيتشه وهيغل وفي هذه الإشارات المقدمة هنا يعبر المؤلف ( جاكسون ) بموقف مختصر يريد فيه القول أن النظرية الأدبية الحديثة والتي تطورت في فرنسا في خمسينيات القرن المنصرم ما هي إلا بمثابة أيدلوجيا لجماعة من المثقفين الهامشيين الواقعين في مكان ما يقع بين حزب شيوعي ستاليني وبرجوازية اشد ضخامة.
وأصبح تطور هذه النظرية في ظل تأثيرات فكرية مارستها الفلسفة الفرنسية والتي كانت من نقاط تحولاتها الجوهرية الاهتمام بالذات فيما أتت اغلبها على طروحات هوسرل وهيدغر إضافة إلى تنازعها مع نظريات ميرلو وسارتر.
ولا يستبعد صاحب كتاب بؤس البنيوية ما أحدثه ميشيل فوكو في توجهاته الفلسفية التي احتلت مكانتها الخلاقة كمدرسة لها مريدوها ولها أغراضها السياسية والاجتماعية وعلى هذا الأساس تفترض مقاربات الكتاب أن كل تلك النظريات إنما تقدم لنا تفسيرات علمية للأدب بوصفه ظاهرة من ظواهر الوجود والعالم وتتواجد في مدخل الكتاب ثلاثة أقسام ما يخص نظرية ماركس في الأدب والاشتراكية وعنصرها الهام المادية التاريخية بوصفها قائمة على قوة وعلاقات الإنتاج ومن يتحكم بها والقسم الثاني متعلقات النظرية الفرويدية ويرى أن عنصرها الأساس هو تبيانها آثار اللاوعي أي الطريقة التي تنبثق بها المكبوتات النفسية داخل جوهر الإنسان ومعالجات هذه الأفكار القيمة التي شهدت على أثرها الحياة الإنسانية انقلابا في الأفكار الجامدة.
والقسم الثالث ما قدمته أفكار سوسور وعنصرها الأساس هنا ما تصوره اللغة بوصفها نظاما بنيويا يشكل أساسا لكل استخدام لغوي أو كلامي أو كتابي ثم تتم بعد ذلك التفسيرات التي يتبناها معززو الاتجاه الآخر الذين يرون في تلك المنتجات الإنسانية والعلمية مقدمات تفسيرية

تطور الحركة البنيوية وأفولها
من جملة ما تناوله ( جاكسون ) في هذا المدخل الجديد فكرة أن البنيوية على مدى مؤثراتها ونشأتها كانت إستراتجية بحث عقلاني قدم منجزها الفكري الخاص بعمق إلا أنها في نهاية المطاف فقدت ميزتها بسبب الكثير من القصور في عيوبها المنطقية المتعلقة بنموذج اللغة البنيوي لعجزها عن تناول اللغة البشرية بشكل واف ومن هنا تبدو أفكار المؤلف تتقاطع مع مباحث البنيوية وما بعد البنيوية فيرى إن الأولى يمكن إصلاحها لو توفرت لها البرامج العلمية الرصينة في حين تظل الثانية مجرد إيماءات فلسفية محضة ويستعرض بعض الإحداث والانقلابات في هذه المرحلة التاريخية في محاولة لإزاحة الفلسفات التي تناولت في طياتها ومباحثها العالم الإنساني كوجودية سارتر وإعادة قراءة التوسر للماركسية وطروحات ليفي شتراوس ويرى أن المقدمات الخاصة بتلك الأفكار الفلسفية كانت غايتها أن الذات الإنسانية لم تعد شيئا متماسكا وأساسيا

أسبقية الكلام أم الكتابة ؟
لقد انصب جل اهتمام البنيويين حول الكلام والكتابة وأسبقية الكلام مثلما يبرر ذلك فقهاء اللغة واعتماد السبق التاريخي وإشارة الوقائع والوثائق إلى ذلك ومن نقاط مشتركة يعتمدها الباحث تتم الانطلاقة لمعرفة أي منهم له الحق في الأسبقية وهو تمييز أساسي على اعتبار التكوين والأسبقية تواجهنا كقراء عدة مسائل تتعلق بالاثنين والسؤال المطروح اليوم هل ينطبق التمييز بين اللسان والكلام على أنظمة الدواليل ؟ هذا السؤال وغيره يصح أن يكون مفتاحا للدخول إلى عوالم التمييز فمبدأ سوسور مفاده أن اللغة ترى على أفضل وجه بوصفها نظاما دواليل حيث يعرف الأخير بأنه ارتباط اعتباطي في جوهره مثلما يذهب مؤلف بؤس البنيوية إلى ذلك من حيث دال ومدلول فالدال هو صورة صوتية أما المدلول فهو مفهوم ويشير المؤلف إلى أن سوسور هو نفسه من كان مروجا لتوسيع هذه الأفكار ويعرج الكاتب هنا إلى التذكير بما انطلق به رولان بارت وما انطوت آثاره على مبدأ اعتباطية الدال
في واحد من فصول الكتاب نتوقف عند الفصل المهم منه وهو (العلوم الطبيعية والعلوم الاجتماعية ) وهو يلزمنا أن نركز فيه على اعتبارات عدة منها ما تعممه النظريات الخاصة بالعلوم الاجتماعية ونقدها وخطاباتها الفكرية حيال الأفكار المناهضة للعنصرية فهذا الفصل يكرس لمجابهة ما بعد الحداثة وهو يرى أن المشكلة الأساسية في النظرية الأدبية هي تفسير السبب أمام مقاربات تشتغل على الفكر الاجتماعي والفلسفي ولعل الملفت في متن الكتاب تنوع وتعدد الأفكار الرؤيوية التي يحتويها فهناك ما متعلق في الألسنية وهناك فصل اهتم بطروحات المدرسة التفكيكية وخطاب دريدا وتغيرات وتأثيرات المرحلة سياسيا إضافة إلى مداخل ولمسات أدبية اختصت بها النظريات فالكتاب يقدم تصورات وتفسيرات علمية للأدب بوصفة ظاهرة من ظواهر عالمنا المعاصر والكتاب الصادر عن وزارة الثقافة السورية ومن ترجمة ثائر ديب انعكس على توفير مزيد من الرؤى والأفكار لنا عبر كتاب امتدت صفحاته إلى أكثر من أربعمئة وخمسين صفحة من القطع الوسط.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة