في فيلم الحديث عن الاشجار
خالد ربيع
في سردية الفيلم الوثائقي “الحديث عن الأشجار” يتتبع المخرج السوداني صهيب قسم الباري مغامرة أربعة من قدماء السينمائيين السودانيين لإعادة تأهيل وتشغيل دار عرض سينمائي/سينما حلفايا/ في بلد اختفت فيه كل مقومات صناعة السينما منذ ثلاثة عقود.
“اي زمن هذا الذي يكاد يكون فيه الحديث عن الاشجار جريمة ؟” . هكذا لخص الشاعر والمسرحي الالماني برتولد بيرخت مأساة الشعر والفن في زمن الحرب والفوضى، وهكذا لخص فيلم “الحديث عن الاشجار” مأساة جيل كامل من السينمائيين السودانيين، الذين سحقت أحلامهم وأفلامهم تحت حذاء العسكر وثوبه المتدين المنافق، بل انه عبّر عن زوال ثقافة السينما من بين يدي الأجيال الحديثة في السودان، أولئك الذين لم يعرفوا سينما حلفايا وسينما كولوزيوم والنيل الأزرق وقاعة الصداقة والصافية ووطنية غرب وغيرها، بكل مافي تلك الثقافة من حياة وقصص ومواعدات الأسر والأصدقاء وأبناء الجيران، بل مواعيد الغرام والحب على أضواء ماكينة السينما 16ملي ونداءات عربيات الباسطة والترمس والكبكبيك … من هنا ينتقد الفيلم الأوضاع السياسية والاجتماعية بشكل ساخر على لسان شخصياته التي تتراوح أعمارها بين العقدين الـ6 والـ7 وشهدت الأحداث السياسية والأنظمة الحاكمة المتعاقبة في السودان التي حرمت أهل السودان من الحياة الممتعة البسيطة.
تدور أحداث الفيلم في عام 2015 حين يقرر الرباعي إبراهيم شداد ومنار الحلو وسليمان إبراهيم والطيب مهدي، أعضاء جماعة نادي الفيلم السوداني، الذين يجولون في قرى السودان لنشر الثقافة السينمائية، أن يعيدوا تأهيل دار عرض سينمائي لإعادة الجمهور إلى السينما وحياة السينما التي خبروها وعاشوها في شبابهم.
مع تطور أحداث الفيلم يتعرف المشاهد على الأشخاص الأربعة بشكل أعمق، ليتضح أنهم من رواد السينما السودانية الذين تعلموا في الغرب وصنعوا أفلاما في السبعينيات والثمانينيات حصدت جوائز من مهرجانات عربية ودولية.
وبذكاء كبير وسلاسة في السرد يعرض الفيلم قصتهم من زاويتين؛ الزاوية الأولى هي النهضة التي كانت تعيشها السينما السودانية في زمن سابق وربما غابت عن الذاكرة بسبب السنين الطويلة، والزاوية الثانية هي قصة صداقة نادرة بين المخرجين الأربعة الذين جمعهم حب السينما.
تتوالى الأحداث وتبقى مغامرة إحياء دار عرض سينمائي هي المحرك الرئيسي إذ يصطدم مسعى المخرجين الأربعة بتعنت السلطات والقبضة المحكمة للأمن على كل نشاط ثقافي أو فني، مما يلقي الضوء بشكل تلقائي على أحد أهم أسباب غياب السينما السودانية، والمتمثل في السلطة التي استغلت الدين في تحريم السينما منذ 1989.
الفيلم حائز على أحد عشرة جائزة في مهرجانات عالمية عدة، أبرزها فوزه في مهرجان برلين السينمائي بجائزتين وبالنجمة الذهبية في مهرجان الجونة، وكذلك حصد جائزة بمهرجان إسطنبول.