مغامرة تشكيلية جديدة للشاعر شوقي عبد الأمير
السليمانية ـ عباس كاريزي:
تعبت من المعنى من كبريائه ووحدانيته، من طغيانه واستسلامه للمنطق والغيب واللغة، الا يمكن التمرد على العقل وتمزيق اردية الدلالات والعبور فوق هاوية الجنون.
هكذا يصف الشاعر والكاتب والرسام شوقي عبد الامير تجربته في الفن التشكيلي، والتي يصفها هو بالمغامرة الجديدة، لوحاته التي زينت اروقة كلية الفنون الجميلة بجامعة السليمانية او كما يسميها رقائم شوقي عبد الامير، تركت في نفوس ووجدان الزائرين اثرا عميقا وبهجة للطريقة التي تم بها دمج الكلمات بالالون.
ويضيف عبد الامير «الا يكفي للطين ان يتقلد خطى مسمار ويرتدي وشاح النار ليقول لنا كيف ولدت الابدية بين انامل سومري، وكتب ما شاء، لاجل كل هذا اراني اليوم اتدرب على بلوغ الجمال بعيدا عن مساومات المعنى وقضبان المنطق وسجاجيد اللغة واخرج اليكم بهذه الرقائم».
امور متداخلة والوان متشعبة وافكار اقرب ما يمكن ان يقال عنها بانها التحرر من قيود والانطلاق في فضاء الجمال تدور في خلد الشاعر والكاتب شوقي عبد الامير، الذي يقول بانه يخوض مغامرة جديدة للمزج بين الدال والمدلول في لوحات يطلق عليها رقائمه اللوحية.
عبد الامير الذي استضافته كلية الفنون بجامعة السليمانية، الذي اقام فيها معرضا للوحاته التشكيلية يوم الاثنين 22 نيسان 2019، القى قبل افتتاح المعرض محاضرة تناول فيها تجربته في كتابة النص الشعري تشكيليًا.
رقائم شوقي عبد الامير التي يعتبرها كثيرون رؤية جمالية مغايرة للمزج بين الشعر والالون، يقول عبد الأمير انها ليست لوحات، كما ذهب البعض إلى تسميتها، وانما هي تجربة لكتابة النص الشعري تشكيليًا من خلال استلهام البعد الجمالي للرقيم الطيني.
عبد الامير شكر في مقدمة محاضرته المستشار السابق في رئاسة الجمهورية وزير الموارد المائية الاسبق الدكتور لطيف رشيد ورئاسة جامعة السليمانية على تنظيم زيارته واقامة معرضه بمحافظة السليمانية، وقال انه دخل هذه المغامرة قبل ستة اشهر، بعد ان قضى حياته بين الشعر والادب والعمل الدبلوماسي، الا ان عشقه للفن والرسم والشعر والتراث العربي دفعه للدمج بين هذه الفنون.
واضاف في معرض تسليطه الضوء على جوهر العلاقة بين، الفنان والشاعر والنحات، انها العلاقة بين الدال والمدلول لوسائل نقل المضمون، وكيف بدات العلاقة بين الدال والمدلول في التأريخ البشري، مشيرا الى ان اول واقدم اثر للتعبير هو ما اكتشف في مغارة بجنوب فرنسا اسمها مغارة الاسكو قبل 15 الف سنة قبل الميلاد، وكيف نقل الانسان صورا رسمها على الجدران التي كانت اول نموذج قام بها انسان للتعبير بدلالة صورية للتعبير عن مضمون معين.
وتابع ان تلك الصور تطورت لاحقا لترمز الى صور في ظل الحاجة الى استخدام المضامين للتعبير عن معاني محددة هيروغلفية رموز صورية لكتابة صور على شكل حروف للتعبير والتي تطورت الى الكتابة المسمارية في العراق الذين قال انهم استعملوا الزوايا للاشارة الى المضمون.
واضاف ان اقدم شكل للحرف العربي هو ما كان موجودا على شاهد لقبر امروء القيس ملك المناذرة، واردف « انا كشاعر قمت بتطوير الدال الامتاعي الذي هو الحرف وادخلته في عالم الفن التشكيلي واعطيته اللون، وكثفت العلاقة بين الدال والمدلول لتوظيف المعنى وخطيت لنفسي طريقا خاصا عبر التاثر بالرقائم الطينية السومرية وقمت برسم رقائم خاصة بي لهذا سميت المعرض رقائم شوقي عبد الامير».
وعن النصوص التي احتوتها رقائمه المنشورة قال عبد الأمير،»هي عبارة عن مقاطع لنصوص جديدة»، وهي كتابة تشكيلية مستلهمة من جمالية الرقيم السومري الصلصالي وإيحاءاته لكتابة أبيات أو قصيدة شعرية تخلط بين اللوحة والنص.
بينها رقيم «الزهرة الوحيدة التي حملتها كانت يدها»، ورقيم «هكذا تتربى الحقول وتُذعِنُ الآلهة».
بدورهم اشاد فنانون واساتذة جامعة وصحفيون زاروا المعرض بعمق الفكرة لدى الفنان وتاثره بالتراث والشعر التي تجسدت في لوحاته.
وقال الفنان التشكيلي محمد فاتح للصباح الجديد، ان اللوحات تدمج وفقا لرؤيته بين القديم والحديث وتحمل رموزا ومعاني كثيرة، وهي تجربة فريدة تدل على عمق العلاقة بين الشاعر وتأثره الكبير بالرسم وجمال الالون والدمج بينها.
مؤكدا ضرورة تعميق هذه التجربة لتحقيق المزيد من التواصل والحوار والتلاقح الفكري بين الفنانين والشعراء والادباء والكتاب في اقليم كردستان والعراق، وتغليب الفنون والاداب على السياسة والتحزب في التعاطي بين الاقليم والمركز.
ويعد شوقي عبد الامير شاعرا ودبلوماسياً، عَمل مستشاراً لمنظمة اليونسكو لشؤون الشرق الأوسط في بيروت، وللشؤون العراقيّة، له العديد من الدواوين آخرها “أنا والعكسُ صحيح” عن دارِ ميسان بيروت عام 2015، وكتاب مقالات «جهة الصمت الاكثر ضجيجا» الذي صدر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت بداية عام 2019 الحالي.