مهن اندثرت وأخرى تحاور الأجيال

سمير خليل
قبل عقود في بلادنا، كما في بلدان عديدة كانت الحياة سهلة التفاصيل وكان الانسان وسط احتياجات تساعده في قضاء يومه، تفاصيل تلك الحياة ارتبطت بمهن متنوعة ساعدت الانسان وارتبطت به وبالمجتمعات الشرقية.
مهن كانت عنوانا بارزا لمن يقوم بها ويحترفها ومن هنا يجب ان تتوافر لديه الخبرة والدراية ليكون ما تجود به يداه معيارا للتنافس وبالتالي مصدرا للزهو والفخر، وفي بلادنا يمكننا ان نستعرض عشرات المهن التي كانت عنوانا لحياة المواطنين وارتبطت بحياتهم حتى ان البعض من الناس ارتبطت ألقابهم بتلك المهن واصبحت كنى لعائلات كثيرة، وبعض هذه المهن كما تورد المصادر تعود أصولها إلى العصر العباسي وتحديداً إلى القرن الرابع الهجري فتوارثها الناس جيلا بعد جيل آخر.
عند استعراضنا للمهن التي كانت تسود الواقع المعاشي للعراقي عامة والبغدادي خاصة نجد اسماء متنوعة لهذه المهن كالنداف والرواف والحارس الليلي(الجرخجي) والسقا والمدلك في الحمامات الشعبية والمصور الشمسي وحلاق الارصفة وخياط الفرفوري وبياع الحلويات (العنبر ورد والعلوجة وبيض اللقلق والشعر بنات) وجابي الحافلة(مصلحة نقل الركاب) وساعي البريد والبلام والقصخون (راوية القصص والاحاديث) وقارئ البخت(الفوال) والحفافة والخاطبة والنساج والحائك والنقاش (نقاش الدور والملابس) وصباغ الملابس وصانع الخوص والكواز، في وقت اندثرت بعض المهن واماكنها بمرور السنين وابتعاد الناس عنها مثل الحمامات الشعبية والخانات وعربة الربل والقفف (وسيلة نقل نهرية) ودور السينما، فيما تناضل بعض المهن وتعاني من اجل الاستمرار والبقاء مثل النجار والحداد والصفار(صانع الاواني والحاجيات النحاسية) والخياط والمصور الفوتوغرافي وصباغ الاحذية والاسكافي -مصلح الأحذية- وكاتب العرائض (العرضحالجي) ، في حين ان بعض المهن ازدهرت وتطورت بسبب الحاجة المباشرة وعدم قدرة المرء الاستغناء عنها مثل الصائغ والحلاق والدفان والمكوي الذي تطور من المكواة الحديدية الثقيلة والتي كانت تسخن بكوة نار ثم بكهرباء بسيطة وصالونات التجميل التي حلت محل الحفافة .
ولم يكن يدور في ذهن اي من محترفي هذه المهن التي اندثرت واصحابها ان تتغير الحياة وانماطها بهذه الطريقة الانفجارية فمع تطور التكنولوجيا ووسائل العمل المتنوعة وزحف الالكترونيات على حياتنا وسهولة استعمالها وترويض تقنياتها تعطلت تلك المهن وتراجع استعمالها وبالتالي زحفت الى ثنايا النسيان لكنها اصبحت ضمن التراث والموروثات الشعبية والاجتماعية، التكنولوجيا المتنوعة التي دخلت في صناعة وانتاج احتياجاتنا اختصرت الزمن وزادت من سرعة الاداء مع جهد بسيط، فدخلت في صناعة الاثاث والمواد المنزلية والملابس والاجهزة الكهربائية وبالتالي صارت تنافس الموروث الذي ارتهن بأسعار تفوق المنتج الذي نحصل عليه عن طريق التكنولوجيا لكن فرق المتانة والاحكام كان في صالح الموروث واصحابه الذين يدافعون عن مهنتهم ومهاراتهم بان العقل واليد هما من ينتج الاشياء كما ينتجان الآلة وتقنياتها، هذا اضافة الى انفتاح السوق المحلي على البضائع المستوردة والتي باتت تنافس المنتج المحلي وتتغلب عليه بسبب رخص الاسعار وخاصة من مناشئ تمتاز برخص بضاعتها.
ويناشد بعض اصحاب المهن القديمة ان تلتفت الدولة لهم وتحافظ وتحمي مهنهم التي تشكل باعتقادهم شواهدَ على حياة الناس وتاريخهم وتراثهم.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة