كانت تجلس مع اولادها الشباب في اجتماع عقده العراقيون حين صممت اميركا على ضرب العراق. يمتزج طيف ابتسامة مع حزن لم تخفه عيناها اللتان تشعان طيبة ومودة لكل من تنظر اليه.حين قلتُ «آن الاوان لنعود اما ان نموت مع اهلنا هناك او نعيش لنزرع بقلوبهم الامل. فكل سنوات الغربة ونحن نتظاهر هنا ونحتج هناك ونكتب رسائل للبرلمان الانجليزي..ونرفع مذكرات لرئيس وزرائهم..الان يجب ان نعمل شيئاً مختلفاً يوازي حجم الكارثة» كنت منفعلة جداً وأغالب الدمع. نهضت هي وقبلتني «هذا هو الكلام الصحيح» ثم همست بحسرة ليتني اقدر ان آتِ معك..اخاف من ردة فعلهم حين يرون اسمي (كلير)!فكَرتْ بتغيير اسمها لعل ذلك يتيح لها رؤية مرابع الطفولة التي أجبرت على تركها قبل أكثر من نصف قرن..وأخذتها الحماسة بعيداً وتصور رحلتها للبصرة للطفولة والذكريات «حلم اعيشه منذ عقود..ان ازور العراق، ارى بغداد، اكحل عيني بالبصرة». وعدتها ان نذهب معا حين يستقر الوضع بنحو ما!عرفت عنها نشاطها ومثابرتها على العطاء من خلال الرابطة بفرعها في لندن..ومن خلال المطبعة التي كانت تديرها. لم تقف سنوات العمر حائلا امام حبها للآخر وبذلها العطاء والمساعدة بكل اشكالها. تعددت سفراتي للعراق لكن الوضع كان ومازال بعيدا عن الاستقرار. واشتغلت ماكينة الشائعات لاسيما ضد ذلك المكون العراقي العريق الذي عرف اول مواكب التهجير على يد الحكومات العربية بالضغط من الحكومة البريطانية حينها وبأشكال ظاهرة ومستترة.كانت لا تتجاوز الثالثة عشرة حين هُجّرَتْ مع اهلها من البصرة لبلد لم تسمع به من قبل..اثنتان من اخواتها انقذهما السجن من التهجير..كانتا سجينتين سياسياً بسبب انتمائهما للحركة اليسارية في ذلك الوقت..منهن سعاد خيري المناضلة المعروفة.«لم نتحمل العيش في اسرائيل..ويئسنا من العودة للعراق فحملنا حقائبنا ولجانا لبريطانيا» حكت لي فيما بعد وقد شدتنا رابطة اقوى من العمر ومن المعرفة القديمة واقوى من الطائفة وكل الاديان..رابطة حب العراق والحنين لأرضه.تباعدنا لأسباب كثيرة ..حتى فوجئت بالموت يختطفها حين قرأت نعي الحزب الشيوعي لها!رحلت قبل ان ترى العراق..لتبقى صورته جميلة كالتي حملتها معها قبل عقود. رحلت وبقيت ذكرياتها معنا فقد كانت اختا وصديقة وأماً..قلبها وبيتها استقبل كل العراقيين الحالمين بالعودة للعراق. ارقدي بسلام كلير مشعل ام حقي. لعلنا نلتقي في عالم اكثر رحمة وسلاما ومحبة.
ابتسام يوسف
وداعا..ام حقي
التعليقات مغلقة