الفاعل شخصية خالدة

اسماعيل ابراهيم عبد

الشخصية التي يراها مارتن ولاس هي شخصية العمق التأثيري، الشخصية المكتنزة متعددة الميزات، ثرية الأفعال، محببة، غزيرة المعرفة بلا تبجح، ممتعة في الشكل والسلوك، كأنما يُراد لها أن تكون شخصية للفرد المثالي. ان شخصية الفاعل تعدُّ الأكثر خلوداً وأثراً في المشهد الروائي، ولن نجدها في الأعمال الروائية العادية والمتوسطة الجودة، إنما هي مثال للاشتغال المميز في الروايات المُجيدة التي أجمع القرّاء والنقاد على جودتها، لكن قد توجد شخصية بهذه المواصفات دونما توفر إعلامي يرفعها الى مصاف الشهرة والتفوق، لا نريد الخوض بأحكام الجودة قدر إيجاد فهم لطبيعة الشخصية الفاعلة بقدرتها على العمل، فالدخول في المحمول الذاتي للفاعل يقيم إصطفافاً بين المظهر والفعل والعمق المعكوس عبرهما وهذا هدف يُسعى إليه على الدوام .
« التحليل البنائي للتخييل … يتخذ الشخصية كعنصر بنائي: فالأشياء والأحداث توجد ـ بطريقة أو بأخرى ـ بسبب الشخصية. والواقع أن الأحداث لاتمتلك صفات التماسك والمعقولية إلّا فيما يتعلق بالشخصية، الشيء الذي يمنحها معنى ويجعلها ممكنة الإدراك «(1). إن النظرة الموجزة التي يوجهها ـ نقدياً ـ فيرارا، تجمع بين نموذجي الشخصيتين اللتين يقدمهما مارتن ولاس، مستعيناً بكثير من رؤى علماء السرديات. هذا النموذج لفيرارا يمثل اتجاهاً في الفهم، يؤالف بين الشخصـيات (العميقة والسطحية) لكنه يتناسى أو لا يؤشر نماذج أخرى لا تتحدد بالمميزات السطحية والعميقة للشخصية، ولا بالمظهر والمضمر من الخارج أو الداخل لشكلها. وتفيدنا في التوضيح محاولات د. أحمـد العدواني في القول الآتي: « في روايات تيار الوعي كان التعبير عن باطن الشخصية تأكيداً للاستلاب، وجاء التعبير عن الحدث مختلطاً بانفعال الشخصية « (2) هذا القول يصلح أن يكون القانون الأول للشخصية العميقة الخالدة.
« يركز قص تيار الوعي على نوع من مستويات ما قبل الكلام من الوعي بهدف الكشف عن الكيان النفسي للشخصيات « (3) نرى هذا صالحاً ليكون القانون الثاني لسلوك الشخصية العميقة الخالدة. ان التعامل مع الشخصية يجب ان يمر من خلال « الإنتقال من داخل الشخصية الى خارجها، أي الأدوار التي تقوم بها والاستعمالات المختلفة التي تكوّن موضوعاً لها»(4) نجد هذا قانوناً ثالثاً للشخصية الموازية العميقة، ويقال « ان الشخصية كمفهوم، تصنيف مختزل للأحداث «(5) وهو ما نراه قانوناً رابعاً لشخوص العمق السردي، ان الشخصية ليست شكلاً ثابتاً أو مكتملاً مسبقاً:» بل تتكون بعملية بناء من خلال القراءة وصيرورة الحكاية أو الأخبار الوصفية والوقائع التخيلية «(6). نرى أنه القانون الخامس لنمط الشخصية العميقة الخالدة.
نود التأكيد على ان الشخوص كفواعل، لا ننظر إليهم من زاوية كونهم افرداً أو جماعات ولا كونهم ثانويين أو رئيسيين، إنما ننظر إليهم كنوع فني له قوانينه التي بها يبرر وجوده كالقوانين المكملة التي يبلورها (العدواني) على الوجه الآتي: «الشخصية ليست صورة من صور الحياة الاجتماعية إنما هي بناء لغوي، وعنصر من عناصر السرد، الشخصية تحيل الى وعي محدود للروائي من حيث النظر والفكر والعاطفة، الشخصية مشكلة لسانية بالدرجة الأولى (كائنات ورقية) لا تختلط مع راويها بأي شيء من الأشياء « الـشخصية لا تحيل الى دلالة خارج السياق، فهي ليست مرتبطة بالفاعل إلّا بشكل مؤقت « (7).
نحن (نعتقد) وجود خمسة قوانين تربط بين النمط العميق والسطحي من الفواعل هي: الشخصيتان ـ العميقة والسطحية ـ بناءات دلالية صـياغة متتامة تربط مظهر القول الخاص بالفاعل مع عمق المعنى المتولد عن القصد الدلالي المضمر للروي، وان الفاعل (الفرد ـ البشري ـ وما يعوّض عنه) يتخلل السرد بصورة مباشرة ـ سطحية، وغير مباشرة ـعميقةـ، وان كلا الفاعلين، السطحي والعميق، هما طبيعتان دلاليتان لمختزلات اجتماعية وثقافية وفرادة تخيلية، وأن ثقافة المتلقي وعمق تخيّله يحيل النمطين، السطحي والعميق، بذكائه الخاص، من نماذج متفارقة الى نماذج متشاركة متناسقة تؤدي الى تحقق المتعة والنفع، وقدر مناسب من الإقناع، ويتشارك النمطان في تقاسم الوظائف النصية والحدثية والدلالية في آن واحد، شرط توفر القيمة والصياغة المناسبة للتبئير المرجعي للمعنى الكلي العام .
المصادر المساعدة
1 ـ شلوميت ريمون كنعان، التخييل القصصي، الشعرية المعاصرة، دار التكوين، سوريا , 2010, ص57، ص58
2 ـ احمد العدواني، بداية النص، المركز الثقافي العربي، المغرب، 2011، ص147
3 ـ بداية النص: 149
4 ـ بداية النص: ص 150
5 ـ بداية النص: 150
5 ـ بداية النص: 151
6 ـ بداية النص: 151
7 ـ بداية النص:152

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة