ولو كان في الصين

جدول الزيارة المهمة التي يقوم بها السيد رئيس الوزراء عادل عبد المهدي وفريقه الحكومي الى الصين تنبئ بان مجالات كثيرة للتعاون بين العراق والصين تنتظر من المسؤولين التفاهم والتباحث حولها وفي مقدمة ذلك المجال الاقتصادي ولا يختلف اثنان في العالم بان تجربة الصين في مجال الاقتصاد تجربة ثرية ومميزة تستحق الوقوف عندها والاستفادة منها في معالجة المشكلات الاقتصادية في دول أخرى.
فهذه الدولة لم تكن حتى اواسط السبعينيات سوى دولة استهلاكية تحاول تحقيق الاكتفاء الذاتي في انتاجها الزراعي وترتبط بعلاقات تجارية بدول اخرى من اجل تلبية متطلبات شعبها في المجالات الصناعية الاخرى وعلى الرغم من مساحة الصين الشاسعة وعدد نفوسها الكبير الا ان القادة الصينين وفي لحظة مفصلية لم يستصغروا الالتفات جانبا الى دولة اخرى صغيرة هي سنغافورة التي برزت للتو في الانطلاق نحو النجاحات وتحقيق قفزات واسعة في الاستثمار لتكون في نهاية المطاف نقطة جذب عالمية تتجه اليها الانظار وتتصاعد فيها مستويات النمو ويرتفع فيها مستوى دخل الفرد حينها ادرك الصينيون ان خطابات ماو تيسيونغ وثورته الثقافية لاتصلح ان تكون منهجا عمليا حقيقيا يختصر الزمن في سبيل انقاذ بلادهم من مستقبل مجهول وهم يشهدون تكاثرا سكانيا لاينسجم مع ماهو متوفر من طاقات وامكانات في بلادهم ولم ينتظر القادة الصينين الجدد طويلا حتى تولوا زمام المبادرة وخطوا خطوات اصلاحية كبيرة باتجاه صنع صين جديدة تعرف عليها العالم بعبارة غزت الشعوب بالسلع والبضائع التي كتب على اغلفتها صنع في الصين ثم نهض المارد الصيني بقوة في الربع الأخير من القرن العشرين وواجه حركات المعارضة لهذا التوجه وامن قادة البلاد بامكانات الشعب الصيني في مواجهة خطط اقتصادية لدول اخرى كانت تريد للصين ان تبقى دولة مستهلكة لاتقوى على النهوض من اجل ايعادها عن اسواق التجارة العالمية وفي النهاية انتصرت التجربة الصينية وفرضت وجودها بين التجارب العالمية وصار الكثيرون يبحثون في سر نجاحها ..
اليوم تأتي زيارة السيد عبد المهدي بدعوة من الحكومة الصينية لمد يد العون للعراق الذي مايزال يعاني من جراحه في خضم تحديات امنية وسياسية واقتصادية كبيرة وهو احوج مايكون لتنويع مصادر الدعم لقطاعات اقتصاده ولربما تشكل هذه الزيارة بهذا الحجم اضافة نوعية لبعض المبادرات اليتيمة التي اقدم عليها السيد عبد المهدي والذي يدرك انطلاقا من تخصصه الاقتصادي بان الطريق الاقصر والمباشر للنهوض باقتصاد البلاد ينبع من القدرة على حذف الحلقات الزائدة والتوجه بعقد اتفاقيات مباشرة مع الدول والشركات والجهات التي تمتلك الخبرة والقدرة على التنفيذ لذا تحسب لحكومة عبد المهدي النجاح في عقد صفقة انتاج الطاقة الكهربائية مع شركة سيمنس الالمانية برعاية الحكومتين العراقية والالمانية ونريد لمثل هذه المبادرات ان تتعدد وتتوسع في ظل الاستقرار الامني الذي ينعم به العراق في هذه الحقبة من تاريخه ومن المفرح ان تحمل لنا الاخبار موافقة مجلس الوزراء قبل ايام على تشكيل مجلس اعلى للاعمار لاعداد وتنفيذ مشاريع الاعمار في المحافظات العراقية الذي نريده ان يكون بسمعة ونجاح مجلس الاعمار في العهد الملكي الذي ترك لنا ارثا عمرانيا مايزال امام انظارنا في تجوالنا في شوارع بغداد وبعض المحافظات الأخرى.

د. علي شمخي

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة