طرَفَة بن الوردة.. (الولادة الجديدة)

ريسان الخزعلي

( 1 )
طَرَفَة بن الوردة ، هو الشاعر طرفة بن العبد ، شاعر المعلّقة المعروفة ( لخولة َاطلالٌ ببرقة ثهمد ِ ..تلوح ُكباقي الوشم ِ في ظاهرِ اليد ِ ) وقد قام الشاعر البحريني / قاسم حدّاد / بإبدال التسمية : من الانتساب الى الأب الى الانتساب الى الأُم في كتابه الشعري ( طرَفة بن الوردة ) وذلك استدلالاً بمرجعيات تاريخية تُشير الى انَّ ولادة الشاعر بين يديَّ أُمّه ( وردة ) تحت ظلال شجرة ( الطرفة ) في البحرين ، وقد كان ابوه في سفر ٍ يوم ولادته ، وكانت العادة ان يُسمّي الاب ابنه ، الّا انَّ صاحبات وردة اللواتي رافقنها وساعدنها لحظة الولادة طلبن َ منها ان تُسمّيه وتعرض الاسم على الاب لاحقاً ، وقد اسمته ُ ( طرفة ) تمثلاً بالشجرة بعد ان عرفت اسمها (ادارت وردة نظراتها حولها ورفعت رأسها قائلة : ماهذه الشجرة التي تكاد تلامس جسدي لفرط حنوها ؟ ..، اخبرتها احدى النساء ، انها شجرة الطرفاء التي لاتموت نارٌ استطعمت حطبها ، فقالت وردة : سمّوه «طرفة )..، وقد وافق الاب على التسمية بعد عودته من السفر . و(وردة) إسم نادر في الجزيرة، لكنَّ بحث الشاعر الدقيق اثبت َ ذلك فعلاً، وهنا جاء تخاطره الفني / الجمالي تساؤلاً: لماذا لا يكون (طرفة بن الوردة) بدلاً من (طرفة بن العبد)؟ وهي تسمية أعلى وارسخ لما تُحيله الى مشاغلة ترتبط بالطبيعة: العطر واللون. وبذلك تشاغل حدّاد بالولادة الثانية – الولادة الجديدة.

( 2 )
الكتاب بحجمه الكبير (530 صفحة)، سفْر تاريخي، ثقافي، شعري، نثري كتبه الشاعر خلال عام وبتواصل يكاد يكون يومياً، من خلال تفرغ ٍ ادبي مُنح له من قبل الاكاديمية الالمانية للتبادل الثقافي حيث أقام طوال عام 2008 في برلين.
كُتب الكتاب ببراعة شعرية، وجمالية / شكليّة وبالألوان، حيث الهامش الافقي والهامش العمودي يحيطان قلب النص في معظم الصفحات، حتى ان الكتاب في هذا التداخل كان كتابين يسيران بالتوازي.
لقد ذهب الشاعر بعيداً في حفريات تاريخية، استنطقها شعراً ونثراً، حفريات تتحدث عن: مسار حياة (طرفة بن الوردة) الوجودية منذ الولادة الى الإعدام، موقفه المعارض من ملِك (الحيرة) وكل ملك ٍ غيره، توهجاته الشعرية في معلقته. وبذلك استطاع حدّاد ان يتمثل حياة طرفة شعرياً ونثرياً ومواقفَ في الوجود والرؤيا، ويسقطها احياناً على ذاته كما في مشهد (دفتر قاسم)، والغاية تأصيل تماثل شعري / مكاني / حياتي، حيث محنة الشاعرين في التشابه.
الكتاب في كتابين متوازيين كما اشرت ُ، الأول: فصل الاناشيد، دفتر خولة، دفتر طرفة، دفتر النساء، فصل التحويلات، دفتر السجن، دفتر قاسم، كتاب الشعراء، كتاب الشهادات، دفتر الملك، فصل الاشراقات، كتاب البحر، الامثولة، كتاب الجرح والتعديل. اما الثاني: كتاب السيرة، دفتر الصحراء، فصوص الحلم، كتاب التأويل، شذرات طرفة، الاسطورة. وفي كل هذه العناوين الفرعية، يتنازع الشعري والنثري بتصاعد فني نحو الذروات التي تقول الفكرة: فكرة الشعر وفكرة النثر، على السواء. وأرى ان الشاعر / قاسم حدّاد / في عمله هذا، قد منح الشعرية العربية الحديثة ما كان غائباً عنها، حتى وان كان التشابه واضحاُ مع الشاعر (ادونيس) في عمله ذي الاجزاء الثلاثة: الكتاب. والتشابه كامن في شكل الكتابة: الخطوط الافقية والعمودية وهوامشها التاريخية، الا ان حدّاد كان الأعمق شعرياً في الاستبطان والكشف ومراودة اللحظة الشعرية بقدرات توليد: لِغويّة وصوريّة وبنائيّة.

( 3 )
يستهل الشاعر كتابه الشعري بالقول النثري: قلبي على البحر الطويل، والإحالة واضحة كونها تُشير الى البحر الشعري الذي كُتبت فيه معلقة طرفة، تلك المعلقة التي تُمثّل كلّية شعرية وشاعرية طرفة بن الوردة.
الا انَّ الشاعر وفي القصيدة الأُولي من كتابه: قصيدة البحر الطويل، فقد كتبها على بحر ٍ آخر، الا وهو البحر الكامل، حيث يصعب تطويع الشعر الحديث بإيقاع الطويل العروضي:
قلبي على البحر ِ الطويل
شموخه ُ في هودج
ويموج ُ اكثر َ خفّة ً من ريشة ِ التذهيب ِ
يسري كالنبيذ ِ ويصقل البلّورِ
وشم ٌفي يد ٍ
ورشاقة ٌ
لغة ٌ كأنَّ الله َ صاغ َ لشاعر ٍ ماءً على البحر ِ الطويل
…..،
ثلاثة ٌ في واحد ٍ فَعِل ٌ فعولٌ فأعلن ٌ
والبحرٌ اطول ٌ من رماد ٍ بارد ٍ وأقلُّ من موت ٍ
كأنَّ الله َ قال َ لشاعر ٍ سرّاً على البحر الطويل
والشاعر، قاسم حداد، في هذه القصيدة، هو الذي أتاه ُ السر، حيث وجدَ (الثلاثة) التي تعادل عروضياً تفعيلات البحر الكامل، بحر قصيدته، وهذا توضيح لحيوده عن البحر الطويل، وانه استدراك فني معرفي.
لقد جاءنا الشاعر بشهادة الولادة الجديدة لطرفة بن العبد، الذي أصبح الان طرفة بن الوردة، معززا التصديق بإقوال المشاهير: يا ابن اخي، يا طرفة، خفف َ الله ُ عنك – المعرّي. انَّ معلقة طرفة أكثر انتظاماً في بنيتها من كل المعلقات الاخرى – كتاب القصائد السبع المذهبات، ترجمة (صلاح صلاح).
ليس في الارض أعجب من طرفة – الجاحظ ايها الموت انتظرني ريثما انهي قراءة طرفة بن العبد – محمود درويش …

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة