قصائد ترسم الحب في مجموعة الشاعر وجدان عبد العزيز

علي لفتة سعيد

لا يبدو العنوان عتبة أولى في بعض الاحيان للمجاميع القصصية او الشعرية، وحتى الروائية منها، رغم ان الرواية لها خاصية منفتحة أكثر في موضوعة العنوان.. ولكنها في مجموعة الشاعر والقاص والناقد وجدان عبد العزيز الأخيرة ( قصائد يطاردها الحب ) يبدو كعنوان دلالة لمدلول شخصي، وخاصة للذي يعرف الشاعر في تكويناته اليومية، وكتاباته المستمرة، ووعيه المنسكب في عملية تطويع النصوص باتجاه الحب، لأنه يشتغل على ان فعل الكتابة، هو فعل الحب ذاتها ومن لا يجيد الحب لا يجيد الكتابة والعكس صحيح، حتى ان الاهداء وكخاصية توثيقية واعلان مباشر عن الحب مع شريكة الحياة ذكر اسمها، ليكون متوجا بالحب وان كل ما كان يكتبه عن المرأة والعشق موجه لها، والدليل هذه المجموعة، التي خرجت في عام ،2019 ليكون الاعلان الرسمي عن توجهات الحب والعشق في كتابات وجدان، ان ما يميز نصوص الشاعر انه يسعى لربط العنوان مع الاهداء مع محتويات النصوص، ليكون حاصل جمع اللحظة التدوينية، التي يكون عليها الشكل النهائي للنص ضمن البنية الكتابية الخاصة به.. ولهذا نجد ان البداية التي ترتبط بالعنوان الرئيس هي العناوين الخاصة بالنصوص، فان أغلبها ان لم يكن جميعها، والتي يصل عددها الى ثمان وثلاثين نصاً شعريا نثريا، فهي تشي بهذا الحب، وتكشف عن مسعى الشاعر في توطين الحب على انه الفاعل الاهم في الحياة، والقادر على تتويج المعنى المراد منها، والهدف الذي يمكن من خلالها بلوغ الأشياء، والابتعاد عن كل ما هو مخالف للحب، فعناوين مثل جنون الليلة الفائتة.. تعزفِك قيثارةُ روحي.. في عيد الحِّب.. فسحة الأمل.. فرح ُ قطرة.. أجراس الحب.. امرأةٌ في كوني.. فستانك يُغريني.. متألقةٌ أنِت.. حوار مرآتي.. حلمٌ لذيذٌ، والعناوين الأخرى، فهي تسعى لرسم العنوان بألوان اخرى داخل النصوص، التي جمعها في بوتقة واحدة اسمها الحب، وخاصة وانه في العنوان جمع المعاني في كلمة (قصائد) على انها المجموع الكلي لما سيأتي من نصوص.
ان العملية التدوينية في هذه المجموعة تأخذ منحنين مهمين في طريقة تكوين النص الشعري: أولهما روح الفكرة، التي ينطلق منها الجسد النصي، والثاني البناء الافقي للنص من خلال استخدام السرد كبنية تراتبية للوصول الى خاصية التأويل، التي يحملها النص الواحد..فلو اخذنا النص الأول كنموذج تطبيقي معوضا عن النصوص الأخرى، التي تتشابه في عملية البناء، وتختلف في عملية الالتقاط الشعري للأفكار فالعنوان(جنون الليلة الفائتة )وما يشي به العنوان من عشق مفضوح المرامي والاهداف، فهويقول (جميلة انِت/ تلعُب الغمازةُ في احمرار خديِك/ / كصباح يسبح بأصوات العصافير/ وأنا عابرٌ حزيٌن/ وحدي ارتشُف حروَف الغزل/ أتوه وأهوى في المقل / أنا مجنون الليلة الفائتة ُ/ وفي ذات الليلة)، أن الجزء المقتطع من النص / القصيدة.. يبين لنا انه اعتمد على عملية السرد في ترتيب الفكرة التي تبدا من العنوان.. فالبناء جاء بطريقة المخاطب، وهو مستوى اخباري، ثم تحول الى عملية الوصف كمستوى تصويري، ثم تحول من الوصف الى تفكيك الفكرة وتوزيعها على مقاطع نصية، لتتحول الى مستوى تحليلي.. ومن خلال المتابعة لاستحصال المستوى القصدي من النص، سيكون لنا مستوى تأويلي يمكن للمتلقي استخلاصه حين يكمل النص/ القصيدة.. لأن الشاعر هنا معني ليس فقط بانتاج نص شعري أوان منهمك بكيفية بناء النص ذاته، بل بجعل النص له روح المراوغة اللغوية، التي تعطي دفقا شعريا، وبالتالي منح هذه الدفق شاعرية القبول بما تم تدوينه كلغة شعرية.. لذلك فان التدوين للنص الشعري الواحد لدى عبد العزيز انه ينقسم الى ثلاثة اقسام: الاول الاستهلال، وهو عملية توضيح النص في منح الرأس قابلية التفكيك عبر الانتقال من الإخبار الى التصوير، والثاني المنطقة الوسطى، التي تربط البداية والنهاية، بل هي المنطقة، التي يمكن الوقوف عندها لاستحصال القصدية (كنتي انِت /تحركينَ نسَق الخصر/كلما اقتربُت منِك/ احمرّ خداِك / واخفاِك ضباب ابيض )، والثالث هو الاستنتاج النهائي لمعنى العنوان، والقسمين الأخرين ليس كحاصل جمع بل هي الموجهات العامة للنص (خدودك الحمراء/صدرِك الطري/تيه انِت/ في غابات الشوِق)، لذا يمكن ربط النهاية بالعنوان، الذي يتقشر لنا ليتضح ان هذا المجنون بالحب والعشق يريد ان يمرن الذائقة الشعرية على نغم الحب، ويريد ان يغني للأخرين بطور الحب(أنِت حلمٌ/ قلبي يُهديِك/نبضته الأولى في الحِّب ص11)، وأيضا نرى هذا الحب في (كوُب الشاي/ يتناهى قُرَب شفتيك/فتتركُ أزهارُ اللوزِ/كل حروف لنداء ص 16)، بل انه يجعل الحب ساقيًا لكل حالات الجدب، التي يعيشها الانسان (الروح مجدبة/صوتِك الوحيد ينبُت مود ةً ص 22)، وهويجعل من يرسل لها الرسائل في هذه النصوص، وهي أنموذج للمعنى الكلي غاية الوجود والحياة (مع كّل نفحةٍ من نفحاِت الأثير/ كنُت أحبِك/ وبعدَ آخرِ هطوٍل للمطر/ التقيتِك هناكَ ص 40) وفي أخر نص/ قصيدة يتوج كل المعاني، التي يبعثها للآخرين ان الحب هوالحياة (احبِك/ أينما كان الغياب/ اغني .. اغني ص 164)، انها كلمات غنت على وتر ما يفتقده الانسان في هذا الزمن الموبوء بالحروب والمتغطرس بالقوة والسلطة والجالد للذات من حرائق الواقع، وهو يريد ان يقول لنغني للحب، لأنه الحياة، لذا فان المجموع في عنوانها يمكن ان يزاح إذا ما انتهى المتلقي من القراءة، هوان هذه القصائد ترسم الحب ولا تطارده..

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة