حاورته: مي زيادي
يعالج الروائي المصري أشرف الخمايسي في روايته الجديدة «انحراف حاد» فكرة الخلود ومحاولة الانتصار على الموت الذي يمثل انكساراً حقيقياً. الخمايسي يتحدث في هذا الحوار عن رؤيته للواقع الثقافي والسياسي في مصر بعد الثورة..
*في رواية «منافي الرب» كان هناك جدل بين الحياة والموت، وكذلك روايتك الأخيرة «انحراف حاد»، التي تطرح أيضاً سؤال الحياة والموت والخلود.. ماذا يمثل الموت بالنسبة إليك، وكيف يكون الخلود؟
– أنا حالياً أرى أن فكرة الموت قد تكون فكرة معملية؛ فهي مرتبطة بجينات الإنسان وربما نجد لها حلاً في المستقبل. أؤمن جداً بالإرادة، والشيء الوحيد بالنسبة إليّ الذي يمثل انكساراً حقيقياً هو الموت، هو الشيء الوحيد الذي لم أتمكن من هزيمته. وفي لحظة ما سيقتنصني الموت، حين لا أريده. فلو كان لي أن أوجه ضربة قاضية، فسأوجه الرواية القاضية إلى الموت. رواية أهزم بها الموت ولو بجولة. ورواياتي ليست احتفاء بالموت بقدر ما هي احتفاء بالخلود.
هذا هو مشروعي، ففي رواية «الصنم»، كانت فكرة الخلود بدرجة أولى، ثم جاءت من بعدها لمناقشة الفكرة نفسها رواية «منافي الرب»، حتى كتبت رواية «انحراف حاد». ولي رواية أكتبها الآن ورواية أخرى. وبذلك تكون لدي خمسة أعمال لمناقشة فكرة الموت. كل رواية من هذه الروايات منفصلة عن الأخرى. وسأشعر بشكل ما بأنني انتصرت على فكرة الموت عندما أنتهي من الروايات الخمس.
* «انحراف حاد».. انحراف عن ماذا؟
– فكرة الرواية نفسها تعدّ انحرافاً حاداً عن الفكر السائد، كما أن أجواء الرواية كلها، بناؤها أو صياغتها كانت عبارة عن انحراف حاد بالنسبة إليّ. أنا من نوعية الكتاب الذين إذا كتبوا حرفاً لا يحذفونه وليس لدي ما يسمى بالمراجعة. ولكني في رواية «انحراف حاد» حذفت كلمات كثيرة، وبدلت وقدمت فصولاً على غيرها، وكنت أداوم على الكتابة بشكل يومي. كنت أقول: «المبدع يستطيع أن يكون إلهاً، لا ينتظر الوحي لكنه يسخر الوحي»، وذلك يعد انحرافاً حاداً في طريقتي في الكتابة.
*قلت في إحدى حواراتك إن هناك فرقاً بين «الكاتب» و»المبدع».. ما الفرق في رأيك؟
– أولاً: الأديب أديبان: أديب مبدع وأديب كاتب. كل مبدع بالضرورة كاتب، لكن ليس كل كاتب مبدعاً. فالمبدع هو من يخترق آفاقاً جديدة ويأتي بفكرة جديدة، يكتشف ما لا تراه العين. أما الكاتب فهو ينفعل بالأحداث المحيطة به وممكن أن يكتب. وفي الوقت الراهن يوجد خلط شديد جداً بين كلمتي «المبدع» و»الكاتب»، وبمنتهى البساطة، فأي شخص يكتب يقولون عنه «المبدع فلان»، وليس معنى كلامي أني أقول إن الكاتب «شيء سيء»، بالعكس تماماً، فالفرق بين الكاتب والمبدع هو كالفرق بين الذكاء والعبقرية.
*كيف ترى الواقع الثقافي في مصر الآن؟ وهل ترى أن هناك تمييزاً بين أدب الأقاليم وأدب العاصمة؟
– الواقع الثقافي لدينا بات مزرياً ومشكلتنا هي وجود ما يسمى بوزارة الثقافة. أتكلم هنا عن الثقافة بوصفها مفهوماً أرقى من مسألة الإبداع؛ لأن الثقافة من ضمن مكوناتها الإبداع. أما وزارة الثقافة فهي الذراع الحاكم للنظام الموجود، أياً كان هذا النظام، فأي نظام لديه وزارة للثقافة، هو يقصد من خلالها تصدير فكر النظام الحاكم لجموع الشعب المحكوم.
والثقافة هي استهلاك شخصي، نحتاج إلى دور نشر وسينما ومسارح ومكتبات خاصة، أي إلى مؤسسة تقود العمل الثقافي بعيداً عن الحكومة. ومفهوم أدباء الأقاليم لا يزال موجوداً، برغم تطور وسائل التواصل. ولكن برغم انكسار فكرة أن أدباء القاهرة هم الآلهة، إلا أنه تظل فكرة العاصمة هي الطريق للتعريف بإبداعك، وتظل القاهرة مصباً لأفكار كثيرة.
*فلنترك الأدب قليلاً، لنتحدث عن السياسة، كيف ترى الوضع السياسي في مصر بعد ثورة يناير؟ وما مدى انعكاسها في الشارع الثقافي؟
– فرحت جداً بثورة يناير، وشعرت أنها أفضل من أي كتابة يمكن لها أن تكتب، وعندما جاء الإخوان كنت متفائلاً. وبرغم إيماني بأن الإخوان هم أصحاب فكر ديني يميني متطرف، إلا أنه علينا أن نحتكم للديمقراطية وأن نخوض معركتنا كمثقفين.
أما بالنسبة (للرئيس) عبد الفتاح السيسي فأنا أطالبه بتحقيق عدة أشياء: «حرية، عيش، عدالة اجتماعية»، لأنها مطالب الثورة. وعندما يعتقل في عهدك أدباء وشعراء فتلك مشكلة، حين يوجد قانون لمنع التظاهر، فتلك مشكلة. أنا لست مؤيداً لـلسيسي، ولن أؤيده وسأظل رافضاً له حتى أن تتحقق أمنيات «الحرية، العيش، والعدالة الاجتماعية».
*كيف تقيم حالة التطرف التي ظهرت مؤخراً في المنطقة العربية؟
– لو كنا أحسنا التعامل مع الثورات التي قامت في البلدان العربية، لكان لدينا قدرة أكبر على المواجهة. هناك خطاب إسلامي مخيف لأميركا ولغيرها من الدول، لذا علينا تصدير خطاب يتعامل مع الأخر ومع الغرب على أننا نريد أن نقيم حضارة مشتركة.
*وهل يوثق الأديب التاريخ؟
– التاريخ لا يوثقه الأدباء، التاريخ يوثقه الرجال المنتصرون، وأنا أشك في التاريخ كله، والمهزوم حتى ولو كان على حق، فهو لا يستطيع توثيق التاريخ. ويستطيع الأديب أن يقوم بتوثيق التاريخ، ولكن ستغلب عليه روح الأديب، الصياغة الأدبية وانطباعه الشخصي يمكن أن يؤثرا عليه. وفي العموم لا أعتقد أن هناك أحداً بإمكانه توثيق التاريخ بأمانة كاملة.
*عن موقع قنطرة