بقلم ايرين بانكو*
يوم الاربعاء الماضي, اعلن الرئيس اوباما عن خططه لزيادة الضربات الجوية الاميركية في العراق مع استراتيجية هجومية جديدة في سوريا بغية تدمير تنظيم الدولة الاسلامية, الامر الذي لا يمثل مجرد رسالة مرسلة للاميركيين الذين استمعوا لهذا الخطاب عشية ذكرى هجمات الحادي عشر من ايلول و حسب, و انما لسكان الشرق الاوسط الذي وجد فيه تنظيم داعش ملاذا امنا للعمل. و قد قال اوباما في محضر خطابه «ضمن منطقة لطالما عرفت باراقة الدماء, فأن هؤلاء الارهابيين يمثلون حالة فريدة في وحشيتها.» و اضاف اوباما «ما لم يتم التعامل مع هؤلاء, فانهم قد يتحولون الى خطر كبير يتجاوز حدود المنطقة.»
لكن على ما يبدو, فأن هنالك بعض الانقسامات و الاختلافات في المواقف قد تعيق جمع ما يكفي من الاطراف في تحالف كفوء قادر على دحر تنظيم داعش. و يعود ذلك الى اختلاف الرؤى و المواقف بين بعض من اعلنوا عن تحالفهم في السعودية مؤخرا.
ففي كل من العراق و سوريا, هذين البلدين الذين يحتل تنظيم داعش مساحات واسعة منهما, تبدو هنالك ملامح ردود افعال معارضة للخطط الاميركية. لقد قالت حكومة الرئيس بشار الاسد في سوريا انه في الوقت الذي يتوجب فيه تدمير تنظيم داعش, فأن الضربات الجوية الاميركية على تراب بلاده انما لابد ان تمر من تحت يد دمشق. بالمقابل, رحب العراق بالضربات الاميركية. و قال رئيس الوزراء العراقي الجديد حيدر العبادي معلقا «ان ما يحدث في سوريا يمر عبر العراق. و نحن ليس بمقدورنا عبور الحدود. انها حدود دولية, الا ان هنالك دورا للمجتمع الدولي و الامم المتحدة لابد من لعبه.»
في السياق ذاته, ادلى باقي الزعماء في المنطقة بدلوهم. فمن جانبه, دعى وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل الى حرب شاملة ضد تنظيم داعش, الا انه اكد على ضرورة وقوف العالم العربي مجتمعا لمحاربة هذا التنظيم. و قال باسيل «ان الجواب يكمن في عمل عربي مشترك ضد هذه المنظمة.» لكن على ما يبدو, فليس الجميع في المنطقة راغبين او مستعدين للانخراط في هذا التحالف, فضلا عن ان ايا من الزعماء لم يقدم تعهدات واضحة بخوض هذه الحرب ضد التنظيم الارهابي.
فلو اخذنا الموقف التركي على سبيل المثال, نجد ان هذا البلد الشرق اوسطي الوحيد العضو في منظمة حلف الناتو, نجده على موقف مناقض من المشاركة بالحرب ضد داعش في سوريا. و لا شك ان ذلك يعود الى ازمة الرهائن الاتراك الذين تحتجزهم داعش, الامر الذي يدفع تركيا لعدم المشاركة في هذا التحالف. ان تنظيم داعش يحتجز حاليا 49 من المواطنين الاتراك بمن فيهم دبلوماسيون و اطفال. في الوقت ذاته, فأن الاتراك يستضيفون الالاف من اللاجئين الفارين من الحرب الاهلية السورية, فضلا عن جهودهم في تقديم الاغاثة.
في سياق متصل, اوردت صحيفة هآراتز الاسرائيلية يوم الاحد الماضي نقلا عن رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو تحذيره للغرب من ان يتعزز وضع ايران جراء الحرب ضد داعش.
و في هذا السياق, يعلق دبلوماسي غربي في تل ابيب رفض الكشف عن هويته كونه لا يملك التخويل بالحديث عن هذا الموضوع قائلا «ان سر قلق اسرائيل يتمثل في ان ايران تسعى للابقاء على انشطتها الرامية لتخصيب المواد النووية حتى يأتي اليوم الذي تقرر فيه طرد المفتشين الدولين و كسر القوانين و الاعلان عن صنعها لسلاح نووي.» و بتلميح غامض من جانبه, قال نتانياهو عبر وسائل الاعلام ان بلاده تقوم بدورها في محاربة داعش, الا انه رفض الخوض في تفاصيل هذا الدور مفضلا السرية التي تعرف بها الدولة العبرية في مثل هذه الامور. كما ان صحفا اسرائيلية نقلت عن وزيرة العدل الاسرائيلية تسيبي ليفني قولها «ان تشريعات قوية ضد تنظيم داعش تعد امرا جيدا, لكن الكلمات وحدها لا تكفي.» و قد فسر الدبلوماسي الغربي ذاته اشارة الوزيرة الى ان ترابط الجميع في هذا التحالف غير المقدس قد لا يكون كما يبدو, بالنظر الى حقيقة ان الكثير يفرّق بين المتحالفين كما يجمعهم.
من جانبها, وافقت المملكة السعودية على توفير قواعد لتدريب المعارضة السورية التي وصفتها بـ»المعتدلة», مع ملاحظة ان الولايات المتحدة تدرب المئات من هؤلاء «المعتدلين» في الاردن اصلا. و قد اصدرت المملكة السعودية بيانا إثر المؤتمر الاقليمي الذي ضم بعضا من دول المنطقة مع وزير الخارجية الاميركي جون كيري قالت فيه «ان المملكة السعودية ترغب في تدمير تنظيم القاعدة و الشبكات المرتبطة به, فضلا عن هزيمة تنظيم الدولة الاسلامية في العراق و الشام.» و شدد البيان على ان السعودية لا تقدم اي دعم مادي او معنوي لتنظيم داعش او باقي الشبكات الارهابية الاخرى, واصفة الادعائات بهذا الخصوص بأنها بمحضر هراء و حسب.
لكن الرقم الصعب يضل في يد دولة قطر. ان كلا من اوباما و كيري يريدان بقوة ضم الدوحة فعليا الى التحالف. لكن هذه الامارة الخليجية الصغيرة التي تلعب دورا اكبر من حجمها في المنطقة, دور يلقي بضلال نفوذ خفية كبيرة فيها نتيجة للثروة و الاعلام الذين تتحكم بهما, الامر الذي ينطوي على دور مظلم تلعبه في تمويل و تسليح هذا التنظيم الارهابي. و لنا ان نذكر ان صحيفة بحجم نيويورك تايمز اوردت تقريرا افادت فيه بأن «دولة قطر عمدت بنفسها الى تقديم قدر من الدعم على الاقل, سواء من خلال الاعلام او المال او السلاح و حتى الملاذ الآمن, لجماعة طالبان في افغانستان و حماس في غزة و المتمردين في سوريا و المليشيات في ليبيا, فضلا عن حلفاء مرتبطين بجماعة الاخوان المسلمين عبر ارجاء المنطقة.
ان من الواضح ان الرئيس اوباما يتوفر على استراتيجية لمحاربة تنظيم داعش. لكن اللقاءات الاخيرة في السعودية و باقي مدن المنطقة التي شهدت قدرا من ردود الافعال المنقسمة انما سيكون لها تأثير سلبي قد يمنع جمع ما يكفي من الشركاء لتحقيق الفرق على الارض.
* ترجمة الهادر المعموري عن جريدة انترناشيونال بزنس تايمز