بالرغم من الانتشار الواسع لعبارة (المُجرَّب لا يُجرَّب) إلا ان الكتل الفائزة في الانتخابات برهنت عن حماسة وثقة لا مثيل لها بملاكاتها المجربة في مختلف العلوم والاختصاصات، والحقيقة ان اصرارها هذا يعكس ما يمور في أجوافها وحياتها الداخلية من ركود عضال، ويؤشر إلى واقع امكاناتنا المحلية كشعوب وقبائل وملل تعيش حالة اطمئنان ورضا على ما انحدرت اليه من حال لا تحسدها عليه قبائل الزولو وما تبقى من سكان استراليا الأصليين.
بالتأكيد لا نود الانضمام الى جبهة المتشائمين في الموقف من التشكيلة الجديدة للحكومة العراقية العتيدة، والتي اعلن عنها رئيس الوزراء المكلف السيد حيدر العبادي، ولكن هذا هو الحال الذي يمكن ان نتوقعه من مثل هذه الكيانات والكتل والجماعات التي تمثل بحق أكثر من نصف قرن من الهزائم الحضارية والسياسية والقيمية التي عاشها سكان هذا الوطن المنكوب. مثل هذا الاعتراف يساعدنا على تحمل الصدمات المقبلة، لان خفض سقف التوقعات يقلل من أثر الخيبات المتوقعة من مثل هذه التشكيلة التي لا تمت بصلة لا بالترشيق الذي حدثونا عنه ولا بمعايير الكفاءة والنزاهة وما قيل عن التكنوقراط وغير ذلك من اكسسوارات ما قبل الانتخابات البرلمانية الأخيرة.
إنّ مشهد تدافع رؤساء الكتل والجماعات على كراسي الوزارات السيادية والاكثر فتنة، قد أطاح بما تبقى من مساحيق غليظة لغير القليل من دعاة الزهد والتقشف والتقوى وغير ذلك من بضائع ايمان ما بعد الحداثة.
لكن والحق يقال، فإن القوم ومن مختلف الرطانات والازياء قد جسدوا مرونة لا مثيل لها، في الاستجابة لحاجات الكارثة المحدقة والحنق الاممي من فولكلورنا الوطني في مجال المماطلة والتسويف، ليبرهنوا للعالم عبر اتفاقهم على تشكيل هرم السلطات الاساس بسرعة قياسية، عن تقديرهم واجلالهم الكبيرين لدور (العين الحمرة)، خاصة عند المنعطفات التأريخية.
رغبة المجتمع الدولي هذه في الاسراع بتشكيل الحكومة الجديدة، تتفق والمصالح الحيوية لسكان هذا الوطن المنكوب بفرسان “السيادة الوطنية” وغير ذلك من سلع المزاودات التي كشفت عن خوائها وديماغوجيتها المدمرة.
إنّ حالة التدهور السريع الذي شهده العراق في الأشهر الاخيرة، وعلى مختلف الجبهات الامنية والسياسية، لا تتحمل المزيد من المواقف والسياسات البعيدة عن الحكمة والمسؤولية، والتي طبعت بميسمها منهج وممارسات جميع الكتل من دون استثناء. وحيث تأكد بشكل لا يقبل التأويل، حاجة البلد للتدخل الاممي السريع، عسكرياً وسياسياً وعدم ترك أموره نهباً لهذه الكتل والمشروعات والشخصيات التي تقبع المصلحة الوطنية في قعر اهتماماتهم وعقائدهم المنتهية الصلاحية منذ أمد بعيد..
جمال جصاني