المجتمع الصناعي !

تصنف الأنظمة السياسية التي تحكم بلدان المعمورة في العادة إلى ملكية وجمهورية، ودستورية واستبدادية، ودينية وعلمانية، وتقدمية ورجعية، وغير ذلك من المسميات. وجميع هذه الأنظمة نشأت وتطورت في حقب زمنية معينة، وفي مناطق محددة من العالم. أي أنها إذا لائمت عصراً من العصور، فقد لا تلائم غيره. وإذا ناسبت بلداً من البلدان، فقد لا تناسب غيره، وهكذا.
وقد أغرمنا نحن في بلادنا بشئ اسمه الديمقراطية، وبتنا نحلم بالعيش في ظلالها، التي تشبه في خيالنا الجنة الأرضية. وتصورنا في لحظة ما أننا سننفض عنا رداء التخلف، حينما نضع أقدامنا على عتبتها. ولم يخطر في بالنا أنها نتاج تطور طبيعي بلغته المجتمعات الأخرى عبر مئات السنين، وأننا لم نخط بعد خطوة واحدة في هذه السبيل.
وقد أتيحت لنا هذه الفرصة في عدد من البلاد العربية ومنها العراق في مطلع القرن الحادي والعشرين. لكننا بعد سنوات كافية، اكتشفنا فشلها ليس في إحراز نقلة ما فحسب، بل بالاحتفاظ بنفس الزخم الذي كانت عليه حياتنا من قبل. وقد تراجعت قطاعات كثيرة كانت على شئ من الحيوية، في ما لم تستطع أخرى أن تواكب التطورات الكبرى في العالم، وهكذا.
وبالطبع فإن أحداً لا يستطيع أن يدين الديمقراطية لأنها نتاج غربي أثبت فعاليته في كثير من البلدان، لكن من السهل إلقاء اللوم على أبناء البلد المهووسين بها، بسبب عدم الاستعداد الكافي للتجربة. ولأنهم يتصرفون بناءً على غرائز وموروثات اجتماعية قديمة. وغير ذلك من المبررات التي تكرس لديهم الشعور الدائم بالذنب، والإحساس المفعم بالدونية.
والحق أن علينا إذا ما شئنا أن ننجح في هذه المهمة أن نختار نظاماً سياسياً واجتماعياً آخر، قادراً على خلق المجتمع الصناعي. تدخل البلاد فيه طوراً جديداً، ذا سمات حداثوية وعقلانية. وتضع كل الموارد والإمكانات لخدمته وتطويره.
ومن شأن هذا النظام أن يسدل الستار على مفاهيم بالية كثيرة، مثل القبلية والطائفية، والعرقية والمناطقية. وينهي ظواهر عديدة أخرى مثل البطالة والمحسوبية، ويقضي إلى الأبد على دعوات مضللة مثل الانعزالية والانفصالية، وسوى ذلك من العلل والأمراض.
المجتمع الصناعي يتيح لقيم العمل والإنتاج أن تتجذر في النفوس، ويجعل السبيل الوحيد للنجاح الجهد الإنساني الخلاق. أما رأس الهرم فسيكون بأيدي الصناعيين الكبار الذين يديرون عملية الإنتاج، بغض النظر عما يخلقه هذا الوضع من جدل سياسي.
وبالطبع فإن أي تحول اجتماعي لا بد أن يرافقه جهد فكري، وإلا كان هذا التحول عشوائياً، وغير ذي قيمة.
السياسة في بلادنا يجب أن تتكيف لإرساء نظام جديد للحياة مختلف عما قبله، وأن تسخر كل إمكانات، وظروف، وطاقات البلاد من أجله. وتسن القوانين التي تصب في خدمته. لأنه الحل الوحيد لكل ما يعانيه الناس من إحباط، وتشرذم، وفاقة، وتخلف.

محمد زكي ابراهيم

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة