الامتحانات التقويمية.. ترف اجرائي ليس الا !!

د. علي يوده الربيعي

في الثالث عشر من حزيران الجاري شهد ما أسمته وزارة التعليم العالي والبحث العلمي الامتحان التقويمي للتخصصات العلمية والانسانية في عموم جامعات وكليات العراق الحكومية منها والأهلية، خللا لا اعرف ان صح تسميته (خللا فنيا) ولنسلم بانه الأقرب لذلك بتضمين مادة (التخطيط الإعلامي وإدارة المؤسسات في الاذاعة والتلفزيون) لاقسام الاعلام في عموم العراق سؤالا طارئا ومن مفردات مادة (الدعاية والحرب النفسية) التي يفترض هي الاخرى تكون ضمن الامتحان التقويمي في السادس عشر من الشهر ذاته اَي بعد يومين من الامتحان الاول.
الخلل الفني الذي شهده الامتحان والذي تداركته الجهات المعنية بعدد مرور ساعة ونصف من انطلاق الامتحان والحديث هنا يجب ان يأخذ بنظر الاعتبار انها ساعة ونصف حبلى بتشتت ذهن الطالب وقلقه وإرباكه!، فضلا عن حيرة رؤساء الاقسام واساتذه المادة في الإجراء الأمثل لتداركه، والامر هنا يقودنا الى تسجيل ملاحظات استوجب إدراكها وتوقعها مع التاسيس اللاموضوعي لفكرة المركزية العرجاء التي ابتدأتها الوزارة قبل سنين باسماء وعناوين متعددة بعديد الوزراء الذين تعاقبوا على ادارة الوزراء اذ لا جديد في التعليم العالي في العراق سوى تغيير المناصب بشخوصها وعناوين اللجان والاستحداثات الطارئة غير المدروسة!..

عنوان الامتحان التقويمي

أولى الملاحظات: عنوان الامتحان التقويمي، تقويمي ويشمل مادتين فقط من المواد الدراسية للمرحلة الرابعة في جميع التخصصات العلمية والانسانية!، الطالب يدرس ما لا يقل عن 40 مادة في سنين دراسته الأربعة وربما تصل لبعض الاختصاصات العلمية كالطب 55 او 60 مادة، وبعد المسيرة الحافلة بموادها الدراسية المنهجية يقتصر على مادتين فقط!، ترى هل هذا معيار يتناسب وتقويم العملية التعليمية العليا في العراق؟!، ابتدأنا الامتحانات المركزية العرجاء بعنوان الامتحان التنافسي وبعدها بعام دراسي صار عنوانها امتحان الرصانة العلمية واليوم وبعد سنة اخرى الامتحان التقويمي، وحصيلة الامتحان بعديد عناوينه نسبة نجاح (‎%‎100) لا بحكم التفوق العلمي للطالب وإنما بحكم الامتيازات المتواصلة والهبات غير منقطعة النظير من وزارة التعليم العالي وتدخلات مجلس النواب!، فمن خمسة درجات قرار الى كيرف بعشرة درجات مرورا بقرار معالجة الحالات الحرجة، وإضافة درجات لمن يستحقون بحكم استثناءات المرحلة وانكساراتها الوطنية وازدحامها بالأزمات المتوالية هندسيا وليس انتهاءا بالدور الثالث.. ونتحدث بعد ذلك عن امتحان تقويمي !!.

مسرحية الامتحانات المركزية

الملاحظة الثانية: جهوية وتفرد القرارات المسؤولة عن الامتحان متعدد العناوين (التقويمي)، فالملاحظ منذ انطلاق مسرحية الامتحانات المركزية في الجامعات العراقية هو ان الوزارة تتخذ القرار والجامعات الرسمية التابعة لها تنفذ ذلك بمزاجيتها واجتهادها دون الرجوع او حتى الاستنئاس العلمي براي الجامعات والكليات الأهلية، فالأخيرة مصدرا للاملاءات وتنفيذ القرارات اَي كانت طبيعتها!، والسبب هو ان الجامعات والكليات الأهلية منذ انطلاقتها لليوم وهي في موقع التخوين والشك والريبة فهي من وجهة نظر الوزارة (دكاكين لبيع الشهادات)، والغريب ان الوزارة لا تثق بكل ما يتعلق بهذه الجامعات من جهة، بالمقابل اعدادها تزدهر سنويا بموافقات الوزارة ذاتها لدرجة انها فاقت الحكومية، لماذا النظرة القاصرة اذن وانتم اصحاب المأذونية بافتتاحها ومباركتها؟ ولماذا الموافقات العاجلة تمنح لبعضها حتى مع عدم اكتمال بنيتها التحتية او ملاكاتها التدريسية والوظيفية؟!.
وزارة التعليم العالي كعادتها تخول جامعة بغداد ذات التسلسل العلمي في التصنيف العالمي (3007) في التنفيذ والأخيرة تقترح اللجان منها وتضع آلية اختيار الخبراء والأسئلة بأخطائها ومنها ما شهده امتحان اقسام الاعلام الأخير وطريقة التصحيح حصرا، الا يجدر هنا ان يفهم الجميع انه امتحان قسري او إلزامي او حتى تخويني، بحكم طبيعته العامة !!.
الملاحظة الثالثة: وهنا الحديث عام، هل فعلا حاجتنا للتقويم العلمي يتطلب هذا الترقيع المخجل؟!، الا يفترض ان تكون لنا اليات وسبل محاكاة للتجارب الناجحة عالميا لدفع مسيرة التعليم العالي في العراق، جامعة بغداد في التسلسل (3007) عالميا وجامعة النهرين (8 آلاف وأكثر) عالميا، وفي القبول السنوي للطلبة والتصنيف الوطني للجامعات جامعة النهرين لها الأولوية!!.
الجامعات الأهلية التي بات على تأسيسها 30 سنة لا ترفع للتصنيفات العالمية .. والسبب في غياهب النظرة القاصرة ليس الا.
الطالب العراقي يدرس في جامعات اجنبية وبعد انتهاء سنته التحضيرية الاولى يفاجأ بكتاب ان جامعته غير معترف بها وبأثر رجعي وعليه الانقطاع عنها والتسجيل بأخرى والأخيرة ترفض استقباله الا في حال عاود الدراسة بدءا بكورس اللغة !.

القبول في الجامعات الاجنبية

اصحاب معدلات 60 وأكثر بقليل او حتى اقل يقبلون في جامعات وكليات الطب الأجنبي! ثم تعادل شهاداتهم في العراق، اوليس الأجدر التأني بالأمر او على الأقل تقنين التسجيل في الجامعات الأجنبية ضمن اشتراطات وزارة التعليم في العراق؟.
اساتذه الجامعات الحكومية يمارسون التدريس في الجامعات الأهلية، والأخيرة توافق لا بحجة العلمية فقط وإنما للمجاملات وبما يضمن تسهيل امورهم في الامتحانات المركزية (مبدأ بالمقابل)، الوزارة ترفض بقرار وأمر اداري صادر منها موضوع تدريسهم في الجامعات الأهلية ثم تتراجع وتسمح لهم بشرط استيفاء مبالغ منهم!! علما ان البعض منهم يقدم محاضراته في ايّام العطل الرسمية (يوم السبت)، بعدها تشترط الوزارة ان يكون التدريس مسموح به في الاختصاصات النادرة، فتقدم لنا لائحة في الاختصاصات النادرة لتعتبر دراسة القانون والفنون الجميلة اختصاصات نادرة (تمخض الجبل عن فار) !! وكليات القانون في العراق تخرج سنويا ما لا يقل عن 35 الف قانوني بكالوريوس وأكثر من 400 ماجستير و85 دكتوراه!!، أين الندرة؟.
الحلول والبدائل والمعالجات ليست بالمستحيلة ولا بالمعقدة لتصويب العملية التعليمية العليا في العراق فالبحث في المشتركات العلمية وتؤامة المشاريع الاكاديمية حالة طبيعية لتأسيس الأعراف والتقاليد العلمية ومعاييرها الدقيقة..

  • امنحوا الجامعات والكليات العراقية ان كانت حكومية او أهلية خيار التؤامة مع جامعات عالمية لبناء نماذج صالحة للتعليم واجعلوا مهمة مراقبتها وإلزامها التطويري لكم.
  • انفقوا ميزانية التعليم العالي في انشاء مراكز للجودة الشاملة في الاداء الجامعي بضوابط حازمة وبشراكة مؤسساتية مع كبرى الجامعات والمراكز العلمية.
  • اعادة النظر في إجراءات وضوابط الدراسات العليا ومنهجيتها العلمية وما يصدر منها من مخرجات.
  • إلزام الاساتذه والتدريسيين بشهادات عالمية باللغة الانكليزية من خارج العراق وفي دول لغتها الأصلية الانكليزية، فضلا عن إلزامهم بالتنسيق المؤسساتي للجامعة او الكلية بتبادل علمي للأستاذ التدريسي بتقديم محاضرات في جامعات وطنية واقليمية ودولية.

مسابقات ومهرجانات علمية تنافسية

  • ادعوا الى مسابقات ومهرجانات علمية تنافسية لإنتاج وابتكار حلول ومعالجات والتأسيس لنماذج واتجاهات بحثية ونظريات في الاختصاصات واجعلوا تقييمها والنظر فيها لذوي الاختصاص العالمي لمنحها الصفة الشرعية.
  • غادروا ثقافة التشكيك بالآخر او التقوقع بالمنجز والتراث الحضاري العلمي والثقافي للحضارات العراقية القديمة او التأفف والضرب على الأفخاذ او عض الأصابع لحلول جامعات مثل الموريتانية والسودانية او غيرها ضمن التصنيف العالمي او في مراتب متقدمة علينا، لانهم ببساطة تؤاموا مشاريعهم العلمية مع جامعات عالمية فكان لهم السبق وهذا الامر بسيط وممكن.
  • الغوا عطلة السبت للجامعات ومدوا السنة الدراسية على طولها لتبلغ 12 شهر طالما ان الأسبوع العلمي للمحاضرات يقتصر على تقديم المادة الدراسية في يوم واحد من الأسبوع .
  • تطويع مشروع الاستاذ الزائر الدولي في خدمة الجامعات والكليات العراقية عموما.
  • اكثر من 50 جامعة وكلية حكومية وأكثر من 60 اخرى أهلية والعراق يفتقد لمجلس قومي او وطني للجامعات !!.
  • مدير العلاقات في كلية الامام الكاظم

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة