هل تُورثُ الصفات؟

-1-
هناك سؤال يطرح نفسه :
هل الشجاعة من الصفات التي تُورث ؟
والجواب :
انّ التاريخ يحدّثنا عن أنَّ ابناء امير المؤمنين الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام) كانوا شجعانا، ولم نقف على موقف واحد غابت فيه الشجاعة عنهم
ومن هذا نستنتج أنَّ الشجاعة فيهم موروثه من سيد الاوصياء (عليه السلام)
-2-
وهل الفصاحة والبلاغة والبيان المؤثر …
مما يورث أيضا ؟
والجواب :
نعم يمكن أنْ تنتقل هذه الصفحات بالوراثة الى الابناء وأبنائهم .. كما هو الحال في أبناء امير المؤمنين (عليه السلام) أيضا .
-3-
وقد وقفت على مثالٍ اجتمع فيه العنصران الشجاعة الفائقة ، والبلاغة العالية
وأحببنا ان ننقله لما فيه من معاني التحفيز والحض على العزّة والشموخ، والاستعداد النفسي للموت حفاظا على المثل والمبادئ الرفيعة ، في زمنٍ قلّ فيه الرساليون الشجعان .
أنَّ الاكثرين اليوم يؤثرون البقاء مع الذُّل على الرحيل في ظل الكرامة الموفورة والحفاظ على الثوابت .
ان الانسان المسلم في الألفية الثالثة يعاني من آثار خططٍ ماكرة ، وأساليب فاجرة، لتمييع شخصيته، يرسمها أعداء الاسلام بكل خبث ودهاء، لانهم أدركوا ان سرّ القوة في المسلمين هو عقيدتهم وايمانهم …
-4-
لقد كان المتوكل شديدَ الوطأة على العلويين … وكان سفّاحا جبّاراً لا يتورع عن تعذيبهم وقتلهم والتلذذ بدمائهم …
لقد ألقي القبض على واحد من أبناء (محمد بن الحنفية) وجيء به الى المتوكل فأوقف بين يديه
وكان هذا الشاب في غاية الوسامة والنظافة، وراعه أنْ يستمر (المتوكل) في حديثه مع الفتح، رغم طول وقوفه بين يديه ، فرفع عقيرته مخاطبا المتوكل بكل جرأة قائلا :
إنْ كنتَ قد احضرتني لتأديبي فقد أسأتَ الادب ،
وانْ كنت قد احضرتني ليعرف من بحضرتك من أوباش الناس استهانتك بأهلي فقد عرفوا .
بمثل هذه الكلمات الساخنة المتأججة بالعزة وجه هذا الفتى العلوي خطابه للطاغية غير مبالٍ بالنتائج واستطاع بالفعل ان يعبّر عن موروثه الاصيل من الشجاعة والبلاغة .
فقال له المتوكل :
لولا ما يثنيني عليك من أوصال الرحم لانتزعت لسانك بيدي ، ولفرقت بين راسك وجسدك ، ولو كان بمكانك محمد أبوك ..!!
وهل يملك الطواغيت غير لغة التهديد بالبطش ؟
ثم التفت المتوكل الى الفتح فقال :
أما ترى ما نلقاه من آل ابي طالب ؟
إما حسنيُّ يسعى في نقض ما أنزل الله الينا قبله
أو حسيني يسعى في نقض ما أنزل الله الينا قبله ،
أو حنفي يدل بجهله أسيافنا على سفك دمه .
انها معزوفة التهديد والوعيد بالسيف، واراقة الدم ، تتكرر حينا بعد حين
فقال له الفتى :
وأيُ حلم تَرَكَكَتْهُ لك الخمور وإدمانُها ؟
أم العيدانُ وفتياتُها ؟
ومتى عَطَفَك الرحمُ على اهلي ..؟
وذكرّه بابتزاز فدك منهم
ثم قال :
وأما ذكرك محمداً أبي فقد طفقت تضع عن عزّ رفعة الله ورسوله ، وتطاول شرفاً تقصر عنه ولا تطوله فانت كما قال الشاعر :
فغض الطرف انك من نمير
فلا كعباً بلغتَ ولا كلابا
ثم ها انت تشكو الى علجك من الحسنيّ والحسينيّ والحنفيّفلبئس المولى وبئس العشير
ثم مدّ رجليه وقال :
هاتان رجلاي لقيدك .
وهذه عنقي لسيفك .
فَبُؤْ باثمي وتحمل ظلمي ،
فليس هذا أول مكروه أو أوقَعْتَهُ انت وسلفك بهم
يقول الله تعالى :
( قل لا اسئلكم عليه أجراً الاّ المودة في القربى)
فوالله ما أجبتَ رسول الله (ص) عن مسألتهِ، ولقد عطفت بالمودة على غير قرابتِهِ فعمّا قليل ترد الحوض ،
فيذودك أبي ،
ويمنعك جدي صلوات الله عليهما …
وقد أفلت هذا الفتى العلوي من السيف ، بعد أنْ ادخلَ على المتوكل كلَّ الوان الهزيمة …
وهكذا يتجلى ان الخنوع وتقبل الذل والمهانة لا تعنى الاّ الموت
وان العزة والشموخ هما الحياة .

حسين الصدر

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة