وأين الصدق السياسي ؟

-1-
لكلمة الصدق رنينُها المتميّز في الأسماع ، وايحاءتها الثرة : بقوة الشخصية ، وعمق النزعة الأخلاقية ، والبعد عن كل مظاهر الازدواجية…
-2-
والسؤال الآن :
هل الصدق مطلوب في الكلام فقط
أم انه مطلوب في كل المجالات ؟
والجواب :
ان الانسان الرساليّ لا بد ان يكون :
1 – صادقا مع ربه
2 – صادقا مع نفسه
3 – صادقا مع أهله وناسه
-3-
الصدق مع الله يعني صدق العبودية .
والعبودية الصادقة تملي على الانسان ان يدور مدار التنفيذ الدقيق لكل ما أمر به الخالق أو نهى عنه
بمعنى :
أنْ يكون له الحضور المكثّف في ساحة أداء الواجبات، وأنْيغيب
عن كل مشاهد العصيان والتمرد والجحود …
والملاحظ :
اننا جميعا ندعّي الصدق في علاقتنا بالله سبحانه، ولكنّ الصادقين قليلون.
والاّ فبماذا تفسّر شيوع الجرائم والمعاصي ؟
وبماذا تفسّر حالات التبذل والانفلات السلوكي ؟
وبماذا تفسّر التذبذب في المواقف ؟
يقول الشاعر :
لكَ ألفُ معبودٍ مطاعٍ أمرُه
دُونَ الالهِ وتدّعي التوحيدا
ويأتي شهر الصيام ليوفر لنا فرصة الصدق مع الله، من خلال الصيام، هذه العبادة السرية التي تعلمك على أنْ تكون قوىّ الارادة ، صلب العزم ، مقاوماً لكل الاغراءات،صادقاً في البعد عن كل المفطرّات .
-4-
والصدق مع النفس : يعني الاستقامة وطهارة الضمير ونقاء السلوك …
فلا يسوغ ان يكون انتمائي للاسلام شكليا ، لا يحمل منه الا اسمه ، بينما تغيب في المسيرة الحياتية كل المؤشرات الدالة على الصدق
تقول اني صادق القول وانت كذوب ..!!
تقول اني أفي بالعهود وأنت تنقض العهود واحداً بعد واحد
تقول لاخيك :اني أحبك وانت تكيد له وتعمل للايقاع به ..!!
تقول : اني ملتزم بالاداء لواجباتي الوظيفية ، وانت لا تؤدي منها الا القليل ..!!
-5-
وأما الصدق الاجتماعي فهو يعني الصدق مع الاهل والاولاد ، ومع الأخوة في الدين ، وسائر الناس باعتبارهم أخوة في الخَلْق ..
لقد كان الرسول (ص) معروفاً قبل البعثة بأنه ( الصادق الأمين) …
ولاهمية الصدق الاجتماعي برزت هاتان الصفتان والاّ فانّه(ص) كان مجمعا للفضائل ومكارم الاخلاق .
وكثيرا ما يُطلب منك أن تملأ ( استمارات معيّنة ) للتعرف على بعض المعلومات المتعلقة بشخصيتك … فهل تلتزم الصدق في الجواب ؟ أم أنَّك تكتب بما تظنه يكفي للقبول بما تريد بعيداً عن الحقيقة ؟
ويؤسفنا ان نقول :
لقد حلّ ( الكذب) محلّ (الصدق) في معظم تعاملاتنا الاجتماعية
وهذا مؤشر خطير على تدني المنسوب الاخلاقي .
قال الشاعر :
واذا أصيب القوم في أخلاقهم
فأقم عليهم مأتما وعويلا
-6-
واذا كان السياسيون في العالم مشهورين بعدم الصدق ، فانّ سياسيْ الصدفة في (العراق الجديد) قد بلغوا الغاية في الضبابية، وحجب الصورة الصادقة عن المواطنين ، يحلفون على انهم يعملون بكل تفانٍ واخلاص من اجل الوطن والمواطنين ،ولكنهم يحصرون مهامهم بذواتهم وكتلهم ومصالحهم ،غير مكترثين بالقسم الشرعي وغير عابئين بمن أوصلهم الى مواقعهم ، الأمر الذي ملأ القلوب ألما ، والنفوس أسفا ، ولا حول ولا قوة الاّ بالله العلي العظيم .
-7-
ومن الجميل هنا ان ننقل لكم نادرة تاريخية تحث على الصدق وتدل على أنَّ الصادق هو الفائز .
جاء في التاريخ :
ان ابن ميّادة – وهو شاعر معروف – دخل على احد أعمام المنصور ( جعفر بن ابي سليمان ) فمدحه بأبيات فأمر له بمئتي ناقة ، فأخذ ابن ميادة يده قَبَّلَها وقال :
والله ما قبّلتُ يد قرشي غيرك الاّ يد هشام بن عبد الملك، فقال له جعفر :
تلك يدٌ ما قبّلتَها لله ، فقال :
ويدُكَ واللهِ ما قبّلتُها لله، فقال له جعفر :
والله لا ضرّك الصدق عندي، ادفعوا له مائة ناقة أخرى
وهكذا يجب ان يكون التعامل مع ذوي اللهجة الصادقة .

حسين الصدر

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة