روبرت ساتلوف *
في بداية أيار/مايو الحالي، أجريتُ مقابلة مع مستشار البيت الأبيض جاريد كوشنر حول عملية السلام في الشرق الأوسط خلال المؤتمر السنوي لمعهد واشنطن، وهو حدث تم بثه مباشرة على شبكة «سي سبان».
ونظراً لأنني كتبت مؤخراً مقالاً وصفتُ فيه خطته المقبلة للسلام بأنها «اقتراح سيخسر فيه الجميع في كل الأحوال» وأنّ على الرئيس ترامب التخلي عنه لتجنب مواجهة الفشل المحرج، فكان لائقاً من كوشنر أن يوافق على إجراء المقابلة. وهكذا «تبارزنا» لمدة 45 دقيقة، -أنا أهجم وهو يدافع -وطوال المناقشة، كان رصيناً، وجذاباً، ومنضبطاً. وفي حين كان يوضح الجوانب الرئيسية لآرائه فيما يتعلق بدبلوماسية الشرق الأوسط، إلا أنه لم يكشف النقاب عن أي إعلان هام.
ومع ذلك، تعلمنا الكثير. وعلى وجه التحديد:
• ستقدم الخطة الأميركية مقترحات مفصّلة للإجابة على جميع القضايا الأساسية المدرجة على الأجندة الإسرائيلية-الفلسطينية، من بينها اقتراحات للحدود النهائية لإسرائيل، والبتّ في مدينة القدس المتنازع عليها، ومستقبل اللاجئين الفلسطينيين، والترتيبات الأمنية التي ستحمي اتفاق السلام، والعلاقة السياسية النهائية بين الإسرائيليين والفلسطينيين. ولن تكون هذه خطة بشأن كيفية إنشاء عملية تفاوض جديدة؛ وبدلاً من ذلك أعلَنَ بجرأة أن هدفها هو تقديم «حلول».
• ستسلط الخطة الأميركية الضوء على معادلة توفير الأمن للإسرائيليين وتحسين نوعية الحياة للفلسطينيين، مع التركيز بنحو أقل على «التطلعات السياسية» للفلسطينيين. وعندما أتيحت له فرصة الإعراب عن تأييده لفكرة الدولة المنزوعة السلاح – «دولة ناقصة» – التي اقترحها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو نفسه ذات مرة، قال كوشنر إنه يتجنب مصطلح «الدولة» تماماً، وأوضح قائلاً: «إذا قلتَ «دولتين» فهذا يعني شيئاً للإسرائيليين، وشيئاً آخر للفلسطينيين، دعونا لا نستعمل هذا المصطلح»- وبقي من غير الواضح السبب وراء اقتراحه إجابات على جميع قضايا عملية السلام، ولكن امتناعه عن تقديم تعريف أمريكي لـ»إقامة دولة». وفي الواقع، كان من الصعب جداً استخلاص تعاطف كوشنر مع التطلعات السياسية الفلسطينية، أياً كان تعريفها. (وفي مرحلة ما، استعمل كلمة «البَلَدان» عند الإشارة إلى إسرائيل والكيان الفلسطيني المستقبلي، ولكن بدا ذلك أقرب إلى زلة لسان من إشارة مثقلة سياسياً.)
• ستصب الخطة الأميركية تركيزها على جعل المنطقة الفلسطينية مصدر جذب للاستثمار كوسيلة لتحسين حياة الفلسطينيين.
ولكن التسلسل هنا أمر بالغ الأهمية: فقد أشار كوشنر إلى أنّ تحقيق هذا الهدف سيتطلب ترسيماً للحدود على أن يكون متبوعاً بإصلاحات سياسية جوهرية داخل السلطة الفلسطينية، وجهود شاملة لمكافحة الفساد، وإرساء سيادة القانون بنحو فعال، والتي تشمل حقوق المِلكية.
وبعبارة أخرى، بالإضافة إلى المال – «أموال الغير»، مما يعني فقط مساهمة أميركية متواضعة – سيستغرق الأمر الكثير من الوقت قبل أن يلمس الفلسطينيون تحسّن في الأحوال المعيشية.
إذا كانت هذه النقاط الثلاث تشكّل كلمات «خطة كوشنر»، فقد كان اللحن يتماشى مع لغة التبجح والتهديد المعروفة لوالد زوجته، على الرغم من أنه يتمتع بسحر وسهولة المعاملة بصورة أكبر مما يحشد ممثل العائلة عادة. فخلال حديثه إلى غرفة مليئة بخبراء مختصين بشؤون الشرق الأوسط، كان كوشنر رافضاً بجرأة لمفهوم الخبرة. وعندما سُئل عن تعريفه للنجاح والآثار المحتملة للفشل، وصف السؤال بأنه من نمط «أسئلة واشنطن» -على الرغم من أنه مضى في الاقرار بأن الفشل هو الخيار الأكثر احتمالاً، واصفاً إياه بـ «الرهان على المال السهل [الذكي]» -في الوقت الذي قدّم فيه تعاريف مختلفة للنجاح الدبلوماسي، قائلاً: «قد يتخذ النجاح الكثير من الأشكال المختلفة. فقد يبدو وكأنه نقاش، وقد يؤدي إلى تعاون أوثق، وربما حل بعض القضايا».
حتى أنه بدا وكأنه ضاق ذرعاً بفكرة أن التاريخ -الذاكرة التاريخية، والتراث التاريخي، والمظالم التاريخية -قد يلعب دوراً في الصراع الذي يعتقد معظم المراقبين أنه مشحون بالتاريخ.
وبدلاً من ذلك، صاغ القضية لصالح نفسه كتقاطع بين سارد الحقائق ومُحِلّ المشاكل العملي من خلال الإشارة إلى إنجازاته غير المتوقعة -الصفقات التجارية مع المكسيك وكندا، إنجاز تشريعي حول إصلاح العدالة الجنائية -ثم أشاد بأصالة الأعمال التجارية التي يقودها الثلاثي المؤلف من محامين لشؤون العقارات والإفلاس المسؤولين عن محفظة «عملية السلام» في إدارة ترامب: أي هو نفسه، وكبير مساعديه جيسون جرينبلات، والسفير الأميركي لدى إسرائيل ديفيد فريدمان. والجديد أن كوشنر اعترف بأن الرئيس نفسه لم يقرأ بعد مشروع خطة السلام، الذي قال عنه بأنه لا يزال قيد التنقيح. وأضاف: «عندما تعمل لحساب الرئيس، فإنك تحاول جاهداً ألا تُخيب الآمال، ولكن يمكنك أن تُخيب الآمال»، وتابع: «عندما تعمل لحساب والد زوجتك، لا يمكنك أن تُخيب الآمال». عند جمع جميع هذه المعطيات، نرى أنّ كوشنر قدّم نهجاً جديداً في صنع السلام في الشرق الأوسط، وإن لم يكن غير مسبوق تماماً. وقد تكون «خطة كوشنر» – إذا صادق ترامب عليها واقترحها – الأولى منذ خطة ريغان المُجهَضة عام 1982، التي قدّمت فيها الولايات المتحدة أفكارها الخاصة للحل الدائم للنزاع الإسرائيلي-الفلسطيني، بعيداً عن محادثات السلام الجارية. ومن خلال القيام بذلك، فقد تتعارض مع السياسة الأميركية القائمة منذ مدة طويلة والمتمثلة في تفضيل المفاوضات المباشرة بين الطرفين بوصفها أفضل طريقة للتوصل إلى اتفاق يرضي الطرفين.
إضافة إلى ذلك، فإن استبعاد فكرة إقامة دولة من الصيغة الأميركية سيكون بحد ذاته خطوة كبيرة بعيدة عن توافق الآراء بين الحزبين الأميركيين والذي ظهر بعد تأييد الرئيس جورج دبليو بوش هدف إقامة دولة فلسطينية في عام 2002. ومن المفارقات أنّ تركيز كوشنر على تحديد نتيجة نهائية ومن ثم العمل مع الأطراف على أفضل الطرق لتحقيقها يعكس من الناحية الشكلية النهج العربي التقليدي في صنع السلام.
ويتجلى ذلك على أفضل وجه في «مبادرة السلام العربية»، وهي فكرة طرحتها المملكة العربية السعودية في عام 2002 ودعت إلى انسحاب إسرائيل الكامل من جميع الأراضي التي احتلتها عام 1967 مقابل الاعتراف الكامل [بها] من جانب جميع الدول العربية. لكن إسرائيل انتقدت مبادرة السلام العربية -وكانت محقة في ذلك -لأنها لم توفر مجالاً للتفاوض، بل كانت مجرد مناقشة حول التنفيذ. ومع ذلك، يبدو أن اقتراح كوشنر، من حيث الجوهر، يهدف إلى تجنب حقول الألغام السياسية التي يمكن أن تعقّد حياة نتنياهو، مثل شرعية المستوطنات الإسرائيلية في عمق الضفة الغربية، للتنصّل من المطالب الفلسطينية الطويلة الأمد مثل إقامة دولة، وإدماج أفكار تتمحور بشأن إسرائيل فيما يخص الترتيبات الأمنية.
والنتيجة هي حالة من التنافر المعرفي الدبلوماسي -وهو اقتراح يجب على الحكومة الإسرائيلية الحالية أن ترفضه في شكله ولكن من المرجح أن ترحّب به من حيث الجوهر.
ولكن أي محاولة للنظر إلى «خطة كوشنر» من خلال منظور الدبلوماسية السابقة ستُخطئ ابتكارها الحقيقي.
فمن وجهة نظري، من الأكثر تنويراً رؤية كوشنر وزملائه كمطوّرين يُطبّقون دروساً في الشرق الأوسط من سوق العقارات في نيويورك أكثر من كونهم دبلوماسيين يحاولون حل نزاع دولي شائك طويل الأمد. وبالقراءة ما بين السطور، يبدو الأمر كما لو أنهم ينظرون إلى عملية السلام على أنها المعادل الوظيفي لتحويل مبنى سكني ذو شقق محددة الأيجارة في وسط مانهاتن إلى شقق فاخرة.
فبالنسبة لفريق كوشنر، يتمثل أحد العناصر الرئيسية في الاستراتيجية في خفض توقعات الفلسطينيين بشأن ما سيحصلون عليه في الخطة الأميركية، سيّما بعد رفض الكثير من المقترحات السابقة المقدمة من قبل إسرائيل. وفي حين أن هناك أسباب وجيهة تدعو ترامب إلى إصلاح العلاقات مع إسرائيل بعد الضغوط [التي واجهتها] خلال سنوات حكم أوباما، إلّا أنه لا يمكن للمرء أن يلوم الفلسطينيين على رؤية نهج الإدارة الأمريكية تجاههم -بدءاً من قطع المساعدات ووصولاً إلى إغلاق مكتب التمثيل في واشنطن –كعقاب، إذ يبدو وكأنه مأخوذ من قواعد اللعبة التي يمارسها محامي لشؤون الإفلاس يرد على تعنّت خصمه من خلال عرض 30 سنتاً على الدولار اليوم و20 سنتاً فقط على الدولار غداً.
*روبرت ساتلوف: المدير التنفيذي لمعهد واشنطن.
معهد واشنطن