الصين لن تنزلق إلى فخ الدخل المتوسط

ستيفن س. روتش

بكين

يبدو أن التعلق الـمَرَضي بالنمو الاقتصادي في الصين لم ينقطع قط. ويرجع هذا لسبب وجيه. ففي أي اقتصاد ضخم، يُعَد النجاح في الحفاظ على معدلات نمو سنوية تبلغ 10% على مدار عِدة عقود من الزمن إنجازا غير مسبوق. ومع ذلك، حققت الصين هذا الإنجاز على وجه التحديد من عام 1980 إلى عام 2011. لكن المعجزة انتهت الآن. فمنذ عام 2012، تباطأ النمو السنوي إلى 7.2%، ويحدد «تقرير العمل» السنوي الأخير الصادر عن رئيس مجلس الدولة لي كه تشيانج هدف النمو عند مستوى 6% إلى 6.5% فقط لعام 2019.
من منظور الجموع الغفيرة من المشككين في الصين، كانت هذه لحظة انتصار. ففي نهاية المطاف، يمثل الحد الأدنى للهدف الذي أعلنه رئيس الوزراء تباطؤ نمو الاقتصاد بنحو 40% عن الاتجاه الغالب خلال سنوات «المعجزة». ويبدو أن هذا يثبت صحة التحذيرات بشأن «فخ الدخل المتوسط» المروع ــ ميل الاقتصادات النامية السريعة النمو إلى الارتداد إلى مسار نمو أضعف كثيرا بمجرد حصولها على أول نفحة من الرخاء والازدهار. كانت الأعمال المبكرة في دراسة هذه الظاهرة دقيقة فيما يتصل بما يمكن توقعه: فمع تحرك نصيب الفرد في الدخل إلى نطاق 16 ألف إلى 17 ألف دولار (وفقا لتعادل القوة الشرائية للدولار في عام 2005)، يمكن توقع حدوث تباطؤ النمو بنحو دائم بنحو 2.5 نقطة مئوية. ومع بلوغ الصين عتبة الدخل هذه في عام 2017، وفقا لتقديرات صندوق النقد الدولي، فإن تباطؤها بعد عام 2011 يبدو أشد خطورة وشؤما.
ولكن من أوائل الأشياء التي يتعلمها طلاب الدراسات العليا في الاقتصاد، حتى في أيامي، هو الانتباه إلى المخاطر المحيطة باستخراج البيانات. الواقع أن فخ الدخل المتوسط يُعَد مثالا كلاسيكيا لنهايات محزنة لعدد لا حصر له من حالات تحطيم الأرقام. ولكن إذا أعطيتني قاعدة بيانات وجهاز كمبيوتر قويا، فسوف أتمكن من «التحقق» تقريبا من أي علاقة اقتصادية متخفية في هيئة تخمين تحليلي. وهناك خمسة أسباب أساسية تجعلني أرفض التشخيص الذائع على نطاق واسع الآن والذي ينبئنا بأن الصين أصبحت عالقة في فخ الدخل المتوسط.
أولا، قد لا يكون لفخ الدخل المتوسط وجود. هذا هو الاستنتاج الذي توصلت إليه دراسة تجريبية دقيقة أجراها لانت بريتشيت ولورنس سمرز وغطت قطاعا مستعرضا ضم 125 اقتصادا في الفترة من 1950 إلى 2010. كان أفضل ما تمكن الباحثان من التوصل إليه هو الميل القوي نحو انقطاعات النمو والارتداد المتوسط إلى نمو أبطأ. في إطار منتدى الصين للتنمية في بكين مؤخرا، ذهب سمرز إلى أبعد من ذلك في تقييم النتائج المحتملة في الاقتصادات النامية السريعة النمو، واصفا أي تباطؤ ارتدادي متوسط بأنه مجرد ميل إلى إغلاق «فجوة ما بعد المعجزة». وغني عن القول إن الانتظام الإحصائي لمثل فجوات النمو الدورية هذه يختلف تماما عن المستنقع الدائم لفخ النمو.
ثانيا، ربما تكون عتبة الفخ الثابتة عن مستوى 16 ألف إلى 17 ألف دولار أداة أدبية عظيمة، لكنها تجافي المنطق السليم في اقتصاد عالمي ديناميكي. منذ نشر البحوث المبكرة بشأن فخ الدخل المتوسط في عام 2012، سجل الاقتصاد العالمي نموا بلغ نحو 25% ــ والمفترض أن هذا عمل على تعزيز الهدف المتحرك لعتبة الدخل المتوسط بقدر مماثل خلال تلك الفترة. ولهذا السبب، إلى حد كبير، عبرت الأبحاث الحديثة عن فخ الدخل المتوسط ليس كعتبة مطلقة، بل بوصفه تقاربا نسبيا مع البلدان ذات الدخل المرتفع. ومن هذا المنظور، يلوح الخطر في الأفق عندما يقترب نصيب الفرد في الدخل في الاقتصادات النامية من 20% إلى 30% من المستوى في الاقتصادات المرتفعة الدخل. ولأن الصين ستحقق نحو 30% من نصيب الفرد في الناتج المحلي الإجمالي الأميركي (وفقا لتعادل القوة الشرائية) في عام 2019، فلابد أن وقت القلق قد حان!
ثالثا، ليست كل حالات تباطؤ النمو متشابهة. إذ يمثل الناتج المحلي الإجمالي لأي دولة مجموعة عريضة من أنشطة متعددة عبر قطاعات وشركات ومنتجات مختلفة. والتحولات البنيوية من قطاع إلى آخر من الممكن أن تعطي مظهر انقطاع النمو الذي قد لا يكون أكثر من مجرد نتيجة لاستراتيجية متعمدة لإعادة التوازن. وهذه إلى حد كبير الحال في الصين اليوم، نظرا لتحولها من الصناعات التحويلية الأعلى نموا وغيرها من الصناعات «الثانوية» إلى الخدمات الأبطأ نموا، أو الصناعات «الثالثة». وبقدر ما يكون هذا التحول نتيجة مقصودة لإعادة التوازن الاستراتيجي في الصين، فإن تباطؤ النمو يصبح أقل إزعاجا وإثارة للقلق.
رابعا، تُعَد التحديات الهائلة التي تواجهها الصين في هذه المرحلة من تنميتها الاقتصادية أكثر أهمية بكثير من تحديد ما إذا كان تباطؤها فجوة أو فخا. فماذا قد يأتي بعد اللحاق بالاقتصادات المتقدمة التي تعمل على الحدود القصوى للتكنولوجيا؟ هنا يأتي هدف الصين المعلن المتمثل في التحول من الإبداع المستورد إلى الإبداع الأصلي المحلي. ويمثل وضع الدخل المتوسط في مقابل الدخل المرتفع مقارنة نسبية للاقتصادات النامية التي تسعى إلى العمل على هذه الحدود. على الرغم من التأثيرات المؤقتة المترتبة على اضطرابات خارجية دورية ــ مثل تقليص الديون، أو التباطؤ العالمي، أو حتى الحروب التجارية ــ فإن اللحاق بالركب إلى الحدود والانضمام إلى آخرين يسعون جاهدين إلى تجاوز هذه الحدود يمثل المكافأة المطلقة للتنمية الاقتصادية. ويتجسد هذا الهدف في تطلع الرئيس شي جين بينج إلى بلوغ الصين وضع الدخل المرتفع بحلول عام 2050.
أخيرا، يُعَد نمو الإنتاجية أكثر أهمية من نمو الناتج المحلي الإجمالي في تحديد آفاق التنمية في أي بلد. وعلى هذا، فأنا أكثر انزعاجا إزاء احتمالات انزلاق الصين إلى مصيدة الإنتاجية وليس فخ نمو الناتج المحلي الإجمالي. تقدم دراسة حديثة بشأن إنتاجية العامل الكامل، والتي أجراها فريق من الباحثين الصينيين بعض الشعور بالارتياح هنا. فمثله كمثل الدراسة التي قام بها بريتشيت وسمرز، يكشف هذا التقييم الأخير لنمو إنتاجية العامل الكامل عن العديد من الانقطاعات على مدار السنوات الأربعين المنصرمة. لكن الاتجاه الأساسي خلال السنوات الخمس الأخيرة كان مشجعا: نمو إنتاجية العامل الكامل السنوي بنحو 3%، مع نمو قوي بنحو خاص في القطاع الثالث. لذا، فعلى الرغم من التباطؤ الأخير في النمو الكلي للناتج المحلي الإجمالي، فإن إعادة التوازن الصينية بقيادة الخدمات تعطي دَفعة إنتاجية قوية للاقتصاد ككل.
السؤال المطروح الآن هو ما إذا كانت الصين قادرة على الحفاظ على مسار إنتاجية العامل الكامل الحالية ــ وهو احتمال واضح في ضوء تحول قوي على نحو متزايد نحو الإبداع المحلي والإنتاجية المستدامة بقيادة الخدمات لمجموعة متنامية من العاملين من ذوي التعليم الجيد في مجالات المعرفة ــ وفي الوقت ذاته حصد ثمار الترقية المتواصلة لمخزونها من رأس المال. إذا تمكنت الصين من تحقيق هذه الغاية، فإن الدراسة الصينية الجديدة تخلص إلى أن معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي المحتمل في الصين قد يثبت عند مستوى يقرب من 6% على مدار السنوات الخمس المقبلة. وتتوافق مثل هذه النتيجة بشكل وثيق مع طموحات الصين للأمد البعيد. أجل، لقد ولت أيام النمو الصيني بنسبة 10 %. وكانت النهاية حتمية. ولكن هناك سبب وجيه يجعلنا نعتقد أن القصة الحقيقية تكمن في تحول الناتج الصيني من الكم إلى الكيف. ويشير هذا إلى أن الصين ستتحدى مرة أخرى المخاوف الواسعة النطاق من فخ الدخل المتوسط الذي يلوح في الأفق.
ستيفن س. روتش عضو هيئة التدريس في جامعة ييل، ورئيس مورجان ستانلي آسيا سابقا، وهو مؤلف كتاب «انعدام التوازن: علاقة الاعتماد المتبادل بين أميركا والصين».

بروجيكت سنديكيت
www.project-syndicate.org

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة