متابعة الصباح الجديد:
بحلول نهاية القرن الحادي والعشرين، إن لم يكن قبل ذلك، ستكون محيطات العالم أكثر زرقة واخضرارًا مما هي عليه الآن، كل هذا يحدث بسبب الظاهرة البيئية التي يعاني منها كوكب الأرض كله هذه الأيام، ظاهرة الاحتباس الحراري، وزيادة درجة حرارة الأرض.
وعلى الرغم من أن التحول في اللون لن يكون محسوسًا للعين البشرية، إلا أن هذا التغيرالذي سيكون واضحًا للخبراء يمكن أن يلمح إلى التغييرات العميقة التي ستحدث داخل البيئة الرئيسة لمجموعة واسعة من الحياة البحرية.
كائنات دقيقة للغاية
في القلب من هذه الظاهرة التي تشهدها المحيطات، توجد كائنات دقيقة تسمى فيتوبلانكتون (أو phytoplankton)، والتي تعد عنصرًا مهمًا بالنسبة للشبكات الغذائية في المحيطات، إضافة إلى أهميتها الرئيسة لدورة الكربون على مستوى العالم. هذه الكائنات بدورها حساسة للغاية لدرجة حرارة مياه المحيطات.
الفيتوبلانكتون أو العوالق النباتية هي المكونات ذاتية التغذية في مجتمع العوالق المنتشرة في البحار والمحيطات، وتعد جزءًا رئيسيًّا من الأنظمة الإيكولوجية للمحيطات والبحار وأحواض المياه العذبة.
هذه العوالق توصف بأنها ذاتية التغذية، بمعنى أنه يمكنها تصنيع غذائها داخليًّا من خلال عملية البناء الضوئي، نتيجة وجود الكلوروفيل فيها، مثلها مثل النباتات على اليابسة.
ومعظم هذه العوالق النباتية صغيرة جدًا، بحيث لا يمكن رؤيتها منفردة بالعين المجردة. ومع ذلك، عندما تكون موجودة بأعداد كبيرة بما فيه الكفاية، قد تكون بعض الأصناف ملحوظة، مثل البقع الملونة على سطح الماء بسبب وجود الكلوروفيل (أخضر اللون) داخل خلاياها، وبعض الأصباغ الأخرى (مثل phycobiliproteins أو xanthophylls) في بعض الأنواع.
وبسبب الطريقة التي ينعكس بها الضوء على هذه الكائنات الحية الدقيقة، فإن ازدهار هذه العوالق النباتية يخلق أنماطًا ملونة على سطح المحيط.
وتغذي التغيرات المناخية الناجمة عن الاحتباس الحراري ازدهار بعض العوالق النباتية في بعض المناطق، في حين ستخفضه في مناطق أخرى، مما يؤدي إلى تغيرات دقيقة في مظهر المحيط ولونه.
لماذا يظهر المحيط تارة أخضر وتارة أزرق؟
يختلف لون المحيط من الأخضر إلى الأزرق، اعتمادًا على نوع العوالق النباتية وتركيزها، أو الطحالب، في أي منطقة معينة. يعني أن زرقة المحيط العميق عائدة إلى وجود القليل من العوالق النباتية « لأن اللون السائد في العوالق هو اللون الأخضر، نتيجة وجود مادة الكلوروفيل بكثافة « كما أسلفنا.
وكلما ازدادت العوالق النباتية، زاد لون الماء الأخضر. ووفقًا لوكالة «ناسا»، عندما تسقط أشعة الشمس على المحيط، ينعكس بعض الضوء مباشرة، ولكن معظمه يخترق سطح المحيط ويتفاعل مع جزيئات الماء التي يواجهها. ومن خلال مراقبة ألوان المحيط عن كثب، يمكن للعلماء فهم العوالق النباتية وكيفية تأثيرها في العالم من حولها.
وقالت ستيفاني دوتكيويتز، عالمة الأبحاث الرئيسة في مركز العلوم العالمية للتغير، بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، والمؤلف المشارك في مجلة «نيتشر كوميونيكيشنز» Nature Communications، لصحيفة «واشنطن بوست»: إن تغير لون المحيطات سيكون إحدى الإشارات المبكرة على التغيرات التي ستحدث.
وأضافت: «سنكون قادرين على رؤية أن لون المحيط قد تغير، عن طريق الأجهزة، لا بالعين المجردة».
العوالق النباتية وتأثيرها في البيئة
تُعد العوالق النباتية كائنات حية مجهرية حيوية، تسكن الطبقة العليا المضاءة بنور الشمس من جميع المحيطات ومسطحات المياه العذبة على كامل الأرض تقريبًا. وهي تصنف عوامل «للإنتاج الأولي»، ويقصد بها تلك الكائنات التي تعمل على إنشاء مركبات عضوية من ثاني أكسيد الكربون، في حالة العوالق النباتية فهي تأخذ ثاني أكسيد الكربون المذاب في الماء.هذه العملية تدعم شبكة الغذاء المائية، عبر سحب الكربون (في صورة ثاني أكسيد الكربون) من المحيط، وضخ غاز الأكسجين داخل المياه، وبالطبع فهو الغاز الحيوي لكل الكائنات الحية داخل المحيطات، والتي تستهلكه وتخرج ثاني أكسيد الكربون الذي تلتقطه العوالق من جديد، وهكذا تستمر الدورة.
لون المحيط الأخضر سيزداد
خضرة في بعض المناطق
تقوم العوالق النباتية بالحصول على الطاقة من خلال عملية التمثيل الضوئي، ولذلك يجب أن تعيش في الطبقة السطحية المضاءة جيدًا في المحيط، أو البحر، أو البحيرة، تمثل العوالق المائية نحونصف حجم جميع أنشطة التمثيل الضوئي على الأرض.
ويعد تركيبها التراكمي للطاقة في مركبات الكربون (الإنتاج الأولي)، الأساس للغالبية العظمى من الشبكات الغذائية المحيطية، وكذلك العديد من شبكات الغذاء في المياه العذبة.
ويمكن فهم هذا من خلال معرفة أن كل الكائنات الحية التالية في السلسلة الغذائية لا يمكنها تخليق الطاقة التي تحتاجها بنفسها، لكنها تحصل عليها عبر تناول الكائنات الأدنى طعامًا لها، وأدنى هذه الكائنات هي تلك العوالق التي تنتج طاقتها بنفسها. لذلك تصبح العوالق هي مصدر الطاقة لكل الكائنات الحية التي تعيش في مياه المحيطات والبحار والأنهار والبحيرات.
العوالق النباتية وتنظيم المناخ العالمي
عندما تموت هذه الكائنات الحية، فإنها تدفن الكربون الكامن بها في أعماق المحيطات، وهي عملية حاسمة تساعد على تنظيم المناخ العالمي، لكن العوالق النباتية معرضة لظاهرة الاحترار القائم في المحيطات حاليًا. فإن الاحترار يغير الخصائص الرئيسة للمحيط، ويمكن أن يؤثر في نمو العوالق النباتية، نظرًا إلى أنها لا تحتاج فقط إلى ضوء الشمس وثاني أكسيد الكربون لتزدهر، بل أيضًا المواد المغذية.
وكما تشرح وكالة «ناسا « ان «من المتوقع أن تنخفض الإنتاجية بسبب ارتفاع حرارة المياه السطحية، هناك اختلاط رأسي أقل داخل المياه لإعادة تدوير المغذيات من المياه العميقة إلى السطح».
وبالعودة إلى ستيفاني، فقد ذكرت أن نماذج علمية مختلفة تشير إلى أنه من المرجح أن يكون هناك انخفاض في الكمية الإجمالية من العوالق النباتية في المحيطات مع مرور الوقت. لكنها قالت إنه يمكن أن يستغرق الأمر عقودًا قبل أن يتمكن العلماء من البدء في توثيق الدور الذي يلعبه تغير المناخ في هذا التطور.في غضون ذلك، قالت أيضًا إنه مع إيلاء التغيرات في لون المحيطات اهتمامًا وثيقًا، يمكن أن تقدم أول أدلة للتغييرات الجارية في مستوى هذه العوالق.
وقامت ستيفاني وفريقها ببناء أنموذج مناخي يعمل على إجراء تغييرات في المحيطات، بما في ذلك خصائصها البصرية على مدار القرن.
وفي عالم ارتفعت درجة حرارته بمقدار ثلاث درجات مئوية، وهو ما قد يحدث قبل نهاية القرن بالفعل، وجد أن تغييرات متعددة في لون المحيطات ستحدث. وتشير النماذج الحالية إلى أن المناطق الزرق الحالية من المحيطات التي تحتوي على القليل من العوالق النباتية ستصبح أكثر زرقة. ولكن في بعض المياه، مثل مياه القطب الشمالي، فإن الاحترار سيجعل الظروف أكثر نضجًا للفيتوبلانكتون، وستتحول هذه المناطق إلى اللون الأخضر.
الأمر في يد حكومات العالم
لقد ارتفعت درجة حرارة العالم بالفعل أكثر من درجة مئوية منذ القرن التاسع عشر، ويتنبأ العلماء، بالوتيرة الحالية، بأن الاحترار قد يتسارع في العقود المقبلة، إذا لم تتخذ الدول خطوات جدية لخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. وقالت هيئة علماء مدعومة من الأمم المتحدة العام الماضي، إن الأمر سيتطلب عملًا «غير مسبوق»، على حد تعبيرها، خلال العقد المقبل للحد من ارتفاع درجة الحرارة، وتجنب العواقب الأكثر كارثية لتغير المناخ، لسنوات، حافظت الحكومة الأميريكة على الأقمار الصناعية التي تراقب نوع الضوء، أو الإشعاع، الذي يأتي من سطح الأرض.
هذه الأدوات ستوفر على الأرجح إشارات مبكرة عن كيفية تغير المناخ عبر تغير المحيطات ولونها. وقالت ستيفاني: «الأقمار الصناعية ستكون بمنزلة الحراس. سوف تخبرنا ليس فقط بأن كمية العوالق النباتية في المحيط تتغير، بل ستخبرنا أيضًا بنوع العوالق النباتية التي تتغير في المحيط».
السلسلة الغذائية قد تتأثر
العوالق النباتية هي أساس الشبكة الغذائية وهي متنوعة للغاية. وأضافت ستيفاني أنه إذا بدأت أنواع معينة في التلاشي من المحيط ، فإنها «ستغير نوع الأسماك التي ستتمكن من البقاء». هذه الأنواع من التغييرات قد يتردد صداها في السلسلة الغذائية كلها. يعود هذا إلى أن كل نوعية من العوالق تتغذى عليها أسماك معينة.
وقالت سونيا ديهرمان، الخبيرة في العوالق النباتية في مرصد «لامونت دوهرتي» للأرض في جامعة كولومبيا: إن التغيرات في البنية المجتمعية بقاعدة الشبكة الغذائية البحرية قد تكون أفضل علامة على تحولات أكبر في النظام البيئي، يمكن أن تؤثر في مصائد الأسماك والكربون. وأضافت: «هذه النتيجة تعزز أهمية المراقبة طويلة المدى لتكوين المجتمع المحلي للفيتوبلانكتون».