حين يعزف الشاعر إحسان محمد علي على أوتار الصمت

شكيب كاظم

هذه هي المجموعة الشعرية السادسة التي يطلقها الشاعر إحسان محمد علي، والعنوان؛ عنوان المجموعة مكتنز بالمجاز والكناية (عزف على اوتار الصمت) ترى كيف يكون العزف على وتر صامت؟!
قبل ذلك أصدر ومنذ سنة ٢٠٠٥ خمس مجاميع شعرية، يمكن أن تستشف من عنواناته، الفجيعة التي عاشها الشاعر إحسان محمد علي؛ فجيعة الغربة والهجرة واللجوء، والعراقيون معروفون بحميميتهم وعدم امكانهم العيش خارج الوطن، ولكن….(الوقوف أمام الذاكرة)و(قصائد صامتة)و( قطار الغربة)و( أغاني المنفى)و( هوامش من دفتر الغربة).
تكاد ثيمة الغربة والاغتراب،هي الجامعة لهذه العناوين،والناتجة عن معاناة مريرة،فها هو في قصيدته (ذكريات ١٩٧٨) حيث بدأ جرح الهجرة ينزف دما ولما يزل،على الرغم من عودته إلى حضن الوطن منذ سنوات،لكن ظل يعاني في الوطن- أيضاً- اغترابا فهذا ليس العراق الذي أغمض عينيه عليه يوم غادره في ذلك الشهر القائظ مجبرا،والناس ما عادوا مثلما كان الناس فها هو يناجي ذاته: في شارع ( النهر)/في حانة ( إيوان) شربت/ آخر نخب على مائدة/ الصمت المطبق/وأقفلت على نفسي/باب الرجعة/ وسافرت بعيدا/ لا أملك إلا ذاكرتي/ وجوازي وقميصي/ المثقوب من جهة القلب/ وأوراقي/ ودفتر احزاني/ وبقايا من رائحة الأهل/وخبز التنور.
مااستطاع التاقلم مع حياته هناك، مناجيا بغداد وقد عصفت به مشاعر الغربة والوحشة في منفاه الاوكلندي في نيوزيلندة:ساجيىء يا بغداد/ أبحث عن قبر!/ وعن مأوى!/ وعن كفن!/عن نخلة استظل بها/ عن شواظ النار والوهن/ قد شاءت الأقدار/ أن اغفو على وجعي/ واطعم النار/ روحي وهي عارية/في حفلة لعذاب/في طقسه الوثني.
الشاعر إحسان محمد علي في قصيدته ( هوامش من دفتر الغربة) وعنوان القصيدة يستدعي لذاكرتنا؛ عنوان القصيدة المدوية لنزار القباني ( هوامش على دفتر النكسة) وكنا نحيا تحت وطأة كارثة الخامس من حزيران ١٩٦٧،احسان يصور حاله وهو في مدينة المنفى ( أوكلاند) فهو مثل محمود درويش يحن الى خبز أمه؛ احن الى خبز امي ،ولن ينسيه مأساة اغترابه هذا العيش الهانىء الذي يحترم إنسانية الإنسان،لكن كيف يستطيع العاشق للعراق مع هذه الأجواء الغربية عليه: في ( الكوفي شوب)/لا اسمع صوت النرد/ ولا طقطقة ( الدومينو)/ ولا زمور السيارات/ ولا من يسألني كيف الحال؟/ أدخن بكل شراهة هذا العالم الذاهب نحو الحرب/ وارمي أعقاب الدخان/ في مزبلة التاريخ الأبله/ اتسكع في ( الكوين ستريت)/ واشرب نخب الوحدة/ قد يبادلني النادل الحديث/عن آخر أخبار الطقس/ عن مباراه ( الركبي) التي فازت/ فيها نيوزيلندة.
وقد زاد من بلوى الشاعر، فقده لحليلته؛ عقيلته التي رثاها بقصائد تقطر لوعة واسى.
النص الإبداعي هو صورة المبدع والمعبر عنه،لذالا أراني بحاجة إلى القول بسخف من قال بالكتابة في درجة الصفر،اوموت المؤلف،وان علاقة المنشىء بنصه تنتهي عند وضعه بين يدي القارئ،فانت إذ تقرأ نصوص هذه المجموعة الشعرية،تعثر على إحالات وإشارات إلى آيات قرآنية كريمة،وابيات شعر من القدماء والمحدثين،مما يدل على نص شعري مثقف،صادر عن قريحة شاعر مثقف،يهفو إلى إخراج نص شعري جميل يحوز ثقة القارئ،واضعين في الحسبان هذا الزمن المتسارع،ودخول الميديا والشبكة العنكبوتية على حياتنا الثقافية،حتى أضحى اقتناص قارىء لنصك مهمة عسيرة.
ففي قصيدته ( ليلى) يبوح شاعرنا: من اوهمني بحكايا العشاق/ فبكيت على ( ليلى)؟!/ حتى ابيضت عيناي/ من الحزن/ وأنا لم أر ليلى/ إلا في القصائد/ فكيف تخيلتها نخلة/تساقط رطبا جنيا/ أو تفاحة من فاكهة/ النار/ فطفقت اخصف أوراق العمر/ حنينا/ وأغان لم تعزف بعد/.
ففي هذا النص إحالة إلى ثلاث آيات قرآنية كريمات الأولى ( وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم) الآية ٨٤ من سورة يوسف/١٢
الثانية ( وهزي اليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا) الآية ٢٥ من سورة مريم/ ١٩
الآية الكريمة الثالثة ( وطفقا يخصفان عليها من ورق الجنة) الآية ٢٢ من سورة الأعراف/٧ وكل السور مكيات.
فضلا عن قصيدته ( عاج الشقي) وهي إشارة إلى قصيدة شهيرة للشاعر ابي نواس الحكمي مطلعها.
عاج الشقي على رسم يسائله – فعجت أسأل عن خمارة البلد
يقول الشاعر إحسان محمد علي:( عاج الشقي على رسم يسائله) / فعجت أسأل في بغداد/ عن خمارة البلد/ عن حانتي الأولى/ وكيف شربت الكأس ممتعضا/في لجة الكمد/ وكيف ذرفت الدمع مكتءبا/وكتبت الشعر ملتاعا/ في أرجوحة السهد/ يالايام الصبا..كم ارهقت مهجا/ فأصابت عيون الحب بالرمد/ حتى الكؤوس التي ثملت بها ضجرت من لعنة الكمد/ أنفقت عمري كله بين السطور/ اشتري غصص الهوى/ وحديثه عار من السند.
كما أنه في قصيدته ( أمنية) يدون عجز بيت لابن عبد ربه الأندلسي: ( يا رب مرداس اجعلني كمرداس)/ كطباع حاتم/ واقدام علي/ أو ذكاء اياس/ واجعل خيالي صورة شعرية/جياشة بالحب والإحساس/ ولا تقطع بفضلك دابري/ واجعل بذكرك لاهجا وسواسي/ ارحم بجودك غربتي/ فلقد ابقيت في بغداد/ ذاكرتي/ صباباتي/ صدى انفاسي/ كم نخلة قبلتها قبل الرحيل/ وذرفت دمعي فوقها/ وتارة احساسي/ يارب مرداس اجعلني كمرداس.
في القصيدة هذه إشارة إلى بيت شهير لأبي تمام الطائي مادحا فيه احمد بن الخليفة المعتصم.
إقدام ( عمرو) في سماحة ( حاتم)- في حلم ( احنف) في ذكاء ( إياس).

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة