سلام مكي
استيراد سلعة معينة، يعني عند الدول المتقدمة، عدم توفرها محليا، وغالبا ما تكون تلك السلع، معادن او ثروات طبيعية، او صناعات معينة لا تتوفر امكانية لدى تلك الدول لصناعتها.. بالمقابل، فإن دولا معينة مثل العراق، تستورد سلعا مختلفة، ومنها الغاز، في وقت يمتلك البلد خزينا هائلا من هذا المعدن، فهو يخرج مع النفط في الوقت نفسه، ولكنه يحترق اغلبه، بسبب عدم وجود منشآت قادرة على استثماره وعدم احتراقه. وبرغم مرور مدة طويلة على الاستقرار السياسي، وتوفر الامكانيات المادية والبشرية، الا ان الحكومة العراقية لم تضع لحد الآن خارطة طريق للحيلولة دون انفاق ملايين الدولارات وانهاك الخزينة لغرض استيراد سلعة بالإمكان توفيرها محليا، خصوصا وان الحاجة لتلك السلعة كبيرة جدا، كالحاجة الى النفط، فالغاز يستخدم لتشغيل محطات كهربائية توفر الاف الميغاواط. وبين الحاجة الملحة للغاز، وعدم وجود امكانية لتوفيره محليا، قررت الحكومة استيراده من الجارة إيران، والغاز المستورد من إيران يسهم في تشغيل أكثر من ثلاث محطات كهربائية. وقبل أيام وفي ظل تصاعد حدة العقوبات الاميركية على إيران، ومحاولتها تصفير الصادرات الايرانية، الى جانب اصرار البيت الأبيض على عدم استثناء اي دولة من تلك العقوبات، مهما كانت الدوافع والأسباب، هو امر يدعو الى القلق، إذ ان الاعتماد على الغاز الايراني من جانب، ومن جانب آخر ان الالتزام بالعقوبات الأميركية، يقتضي عدم استيراد الغاز، والا فإن الادارة الاميركية لن تتوانى عن فرض عقوبات على العراق او أي دولة لا تلتزم بالعقوبات على إيران. والأمر لا يقتصر على العراق فقط، بل ثمة تركيا والصين، تعتمدان بشكل او بآخر على النفط الايراني اضافة الى تعاملات أخرى. وبرغم فداحة الموقف، لم نلمس لحد الآن وجود رؤية واضحة لدى الحكومة في معالجة المشكلة.. فهي امام ثلاثة خيارات: الأول: محاولة اقناع الولايات المتحدة بمنح العراق استثناءً من العقوبات، لفترة من الزمن، لحين توفر بديل عن الغاز الايراني. ثانيا: عدم الالتزام بالعقوبات على إيران، وعندها سيتعرض البلد لعقوبات هو الآخر. ثالثا: الالتزام بالعقوبات، وعدم استيراد الغاز من إيران مع عدم وجود بديل، وعندها ستتعرض الطاقة الكهربائية الى انهيار نتيجة لفقدان أكثر من 4000 ميغاواط..
وقبل الاعلان عن تصفير الصادرات الايرانية، كانت دول مثل السعودية والكويت، عرضتا على العراق تزويده بالكهرباء مجانا! اضافة الى ذلك، فإنهما على استعداد لمده بما يحتاج من غاز لتشغيل محطاته الكهربائية. المشكلة تكمن في أن الوقت غير كاف لتحويل الاستيراد من إيران الى دول أخرى، ذلك ان الأمر يحتاج الى وقت وجهد وأموال إضافية لمد الأنابيب وتهيئة الظروف المناسبة، في حين ان الصيف قادم على الأبواب، والحاجة الى الكهرباء ستزداد والطلب عليها سيرتفع على معدلات أعلى من الوقت الحاضر..
رد فعل
ردود أفعال من سياسيين ومسؤولين حكوميين، صدرت عقب انتهاء كلمة وزير الخارجية الأميركي بخصوص العقوبات على طهران، ومن أهم ما جاء هو كلام السيد رئيس الوزراء عقب المؤتمر الصحفي الأسبوعي، حيث قال: بأن حكومته عازمة على توفير الكهرباء للمواطنين خلال الصيف القادم بصورة أفضل من السابق!! كما أضاف: ان جباية الكهرباء ضرورية جدا لتنظيم الاستهلاك اليومي للكهرباء! من دون ان يوضح الآليات التي يمكن من خلالها زيادة الطاقة الكهربائية، في ظل وجود خطر قطع الممول الرئيس لمحطات الكهرباء التي تعمل بالغاز! مسؤول حكومي سابق، يرى ان التزام الحكومة بالعقوبات على طهران، هو خرق للسيادة، داعيا البرلمان الى مؤازرة الحكومة للاستمرار بالتعامل مع إيران في شتى المجالات.. بالمقابل، فات على هذا المسؤول ان أي تعامل مع طهران، يعرض العراق الى عقوبات مشابهة لعقوبات طهران، في وقت، يحتاج العراق فيه الى واشنطن، في مجالات كثيرة، وان الاستغناء عنها، يسبب ضررا بالغا للاقتصاد العراقي، فحتى لو كانت تلك العقوبات، غير قانونية وسياسية، ولا تستند الى مرجع دولي، فهي تعد بمثابة عمل من أعمال السيادة تمارسها الادارة الاميركية، ولها الحق في اتخاذ ما تراه مناسبا.
بين الدستور والقانون
مرور أكثر من 15 سنة على التغيير، وبروز الحاجة الى بناء منشآت نفطية جديدة تساهم في الحد من استيراد المشتقات النفطية، كان مبكرا، لذا لابد ان يطرح سؤال مهم: هل ثمة تعمد في ابقاء البلد بلا بنى تحتية نفطية رصينة؟ من يتحمل مسؤولية إبقاء البلد محتاجا الى سلعة يمكنه ان يوفرها بتكاليف أقل؟ هل ثمة جنبة سياسية، بمعنى ان الاعتماد على الصناعة المحلية، يحرم جهات خارجية من فرصة التصدير للعراق؟
الدستور العراقي، كان واضحا في الاشارة الى النفط والغاز، بوصفهما الموردان الأكثر أهمية ومكانة وإمكانية الاستفادة منهما في دعم الصناعة النفطية المحلية، والاستفادة منهما في الصناعة والتصدير.. حيث نصت المادة 111 من الدستور على قيام الحكومة الاتحادية بإدارة النفط والغاز المستخرج من الحقول الحالية مع حكومات الاقاليم والمحافظات المنتجة.. ونصت المادة 112 ثانيا على قيام الحكومة الاتحادية وحكومات الاقاليم والمحافظات المنتجة معا برسم السياسات الاستراتيجية المطلوبة لتطوير ثروة النفط والغاز.. ولكن لا الحكومة الاتحادية ولا حكومات المحافظات، قامت بتطوير صناعة الغاز، اما النفط فهو يعتمد على منشآت قديمة بنيت في العهد السابق. النصوص الدستورية، لم تتحدث بشكل تفصيلي، بل أحالت الموضوع الى قانون النفط والغاز، المهمل في رفوف البرلمان منذ عدة دورات انتخابية، دون ان يتجرأ أحد ويطرحه للمناقشة حتى.. الغاز العراقي، يعاني من غيبوبة مزمنة، ولا أمل بإيقاظه حاليا الا عبر وجود إدارة حقيقية لدى صاحب القرار، حيث يمكن افاقته، وبروزه كمصدر رئيس للطاقة، يحل محل المستورد، ويوفر للبلد مبالغ مالية طائلة، تذهب الى الدول المصدرة. أما الغاز الايراني، فقد تحول الى كابوس حقيقي، اذ ان فقدانه في هذا الوقت بالذات، يعني فقدان جزء كبير من الطاقة الكهربائية، ولا بدائل لحد الآن..