مذكرات الرئيس جلال طالباني

رحلة ستين عاماً من التكية الى قصر السلام
( لقاء العمر)
الحلقة 54
تضع “الصباح الجديد” بين يدي القارئ الكريم ما يمكن أن يوصف بمذكرات للرئيس الراحل جلال طالباني، وتتميز المذكرات وهي عبارة عن بوحٍ متصل للأستاذ صلاح رشيد، بأنها صورة مفصلة بل تشريح سياسي لمرحلة حاسمة في تاريخ العراق تشمل السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات وحتى يومنا هذا.
وعلى عكس ما عُرِف عن مام جلال من دبلوماسية ونزوع نحو التسويات التي عرف بها خلال ثماني سنوات من جلوسه على مقعد رئاسة الجمهورية العراقية، فأنه على العكس من كل ذلك يدلي بآراء في غالبيتها إشكالية، ونحن لا نتحدث عن المعلومات وسرد المعطيات التاريخية لعلاقته بصدام حسين وفرقه المختلفة للتفاوض مع الاكراد، بل أنه يتجاوز الى العلاقة مع إيران وسوريا والولايات المتحدة وبقية الأطراف التي كان لها تماس مع الملف العراقي في مراحله المختلفة، لكننا نتحدث عن الآراء المتعلقة بالشخصيات التي رافقته خلال مرحلة بناء الاتحاد الوطني الكردستاني وتشكيله للبؤرة السياسية في اعقاب عام (1975م) وهزيمة الثورة الكردية أثر اتفاق الجزائر بين الشاه وصدام.
وتشكل المذكرات إنارة معمقة للطريقة التي اتبعها مام جلال في معالجته للتحديات والحلول التي خرج بها لتجاوزها، ولكنها لا تخلو أيضًا من اضاءة البعد الشخصي لمام جلال مما يساعد في نهاية المطاف الباحثين السياسيين والمواطنين على حد سواء العرب والاكراد على الاطلاع على أسرار لم يجرِ التطرق اليها في الماضي.
وغني عن القول أننا في “الصباح الجديد” نعدّ هذه المذكرات شهادة تاريخية من شأنها أن تستكمل المشهد السياسي العراقي الراهن، وهي تنطوي على مفاجآت وطرائف لا يمكن لأحد من خارج الدائرة الضيقة لمام جلال أن يطلع عليها.
“الصباح الجديد” سوف تنشر القسط الأساسي من هذه المذكرات، وهي لا تتحمل مسؤولية أي آراء قد تنطوي على بعض القسوة هنا وهناك، وستحاول تخفيفها بقدر الإمكان، ونأمل أن يتجاوب الساسة الكرام في كردستان وفي الفضاء العراقي من خلال هذه العملية ويسهموا بدورهم في إضاءة بقية المشهد.
إعداد: صلاح رشيد
ترجمة: شيرزاد شيخاني
الاتحاد وترتيب البيت الداخلي

المؤتمر الأول للاتحاد الوطني الكردستاني
* ما الذي دفعكم لعقد المؤتمر الحزبي الأول للاتحاد الوطني؟
– بعد الإنتفاضة حصل تقارب بين جميع الأجنحة داخل الإتحاد الوطني، وإتفقت على البحث عن أسلوب جديد إدارة شؤون الحزب، ونضجت هذه الفكرة عند أغلبية الكوادر.وتطلبت الحاجة أيضا الى صياغة سياسة جديدة تتماشى مع التطورات الدراماتيكية التي حصلت وبعصرنة الخطاب السياسي، كل ذلك أدى الى التفكير بعقد المؤتمر الحزبي، ويكون أهم أهدافه توحيد العصبة والخط العام وإنتخاب قيادة جديدة للحزب، وصياغة تكتيكات سياسية جديدة لتعامل الحزب مع المستجدات. وكان القصد من سياسة جديدة هو الموقف من الأحزاب الكردستانية الأخرى وكيفية التعاون والتعامل معها وخاصة مع البارتي، وصياغة سياسة موحدة للجميع بما يوصلنا الى إعادة بناء كردستان على أساس مؤسساتي والإستعداد لتنظيم الإنتخابات البرلمانية وتشكيل الحكومة، كانت هذه أهداف ومهمات المؤتمر الذي أنعقد في تلك الفترة.

* وما شكل المؤتمر الذي رغبتم بعقده؟
– أنا شخصيا كانت لي عدة مطالب:
أولا: كنت أفضل وأدعو أن يكون مؤتمرا حقيقيا وشفافا ومنتخبا من قبل أعضاء وكوادر الإتحاد الوطني، ولكن للأسف حدثت تقصيرات وخروقات كثيرة منها، أن بعض الرفاق رشحوا أسماء إضافية في مناطقهم لعضوية المؤتمر حتى يزيدوا من عدد المندوبين المواليين لهم.
ثانيا: حدثت تكتلات داخل المؤتمر، وكانت تكتلات لامبدئية، فالكل سعى لتغليب جناحه على الآخر لتأمين زيادة عدد مرشحيه الى اللجنة القيادية.
إضافة الى ذلك كانت هناك فكرة بتقليص صلاحيات مام جلال، وإصطلحوا عليه بـ(تقليص وتحجيم) سلطة مام جلال في المؤتمر، وتجسد هذا التوجه أثناء الترشيحات أيضا، فالكل حاول من موقعه أن يصل الى عضوية القيادة من دون أي حساب فيما إذا كان مؤهلا لذلك أم لا؟ ومع ذلك ولأن المؤتمر كان خيار أغلبية أعضاء الحزب وسادته أجواء ديمقراطية، خصوصا بعد أن أنتخب الأخ شازاد صائب لإدارة أعماله وأدى واجبه بكل جدارة وإقتدار وذكاء، لذلك أعتقد بأنه كان مؤتمرا ناجحا وحقق أهدافه الى حد بعيد. وما أهمني وأصريت عليه هي فقط المصادقة على التقرير السياسي الذي كتبته أنا بنفسي وبينت فيه الموقف من الحكومة والمفاوضات وتصوراتنا للإنتخابات البرلمانية وتشكيل الحكومة القادمة، وبعد مناقشات وإجراء بعض التعديلات جرت المصادقة عليه.وبعدها لم تعد تهمني بقية المسائل بما فيها مسألة تقليص صلاحيات الأمين العام مام جلال.

*هل كان بالإمكان إنتخاب لجنة قيادية أفضل، وإذا كان جوابك بالنفي فما كانت الأسياب؟
– لم يكن بالإمكان أفضل من ذلك، وأريد أن أقول شيئا بهذه المناسبة كانت الحرية متاحة الى أبعد حدودها أمام الجميع حتى وصل الأمر في بعض الأحيان الى حد التسيب والفوضى داخل صفوف الإتحاد. فهناك مجموعة من الشباب ومناضلي الجبل كانوا يرون أنفسهم أحق وأجدر بعضوية القيادة، ولذلك رشحوا أنفسهم من دون أن يبالوا بإمكانياتهم ومؤهلاتهم وقدراتهم وخبراتهم ووعيهم الثقافي لتبوأ تلك المواقع القيادية.
*و كيف تمكن المؤتمر من إحتواء كل هذه التوجهات و الخروج بقرارات مرضية؟
– كما تحدثت آنفا، صادق المؤتمر على التقرير السياسي وضمنته جميع تصوراتي وأفكاري، ولم تعد تهمني المسائل الأخرى، وإعتقد بأنني حققت نصرا كبيرا بذلك التقرير وإقراره، وإعتبرت ما دون ذلك من الأمور الثانوية التي لا يجب أن أشغل نفسي بها.

عودة جماعة (راية الثورة)
الى صفوف الإتحاد الوطني

*بعد المؤتمر بدأت موجة إنضمام القوى اليسارية الى الإتحاد ومنها جماعة (راية الثورة) ما تأثيرات تلك العودة على الإتحاد الوطني؟
– إتسم الإتحاد الوطني منذ بدايات تأسيسه بعدة سمات ثورية جسدها بساحة النضال الثوري، إحداها هي الوفاء، أتذكر أن الأخ نوشيروان دخل في نقاش مع بعض الرفاق الذين شكلوا جماعة (راية الثورة) وقال لهم “إن ظننتم بأن تاريخنا النضالي يبدأ بيوم تأسيس العصبة، فأنتم مخطئون، فالشعب الكردي يواصل نضاله منذ عشرات السنين ونحن جئنا لنديمه، عليه يجب أن نحترم كل المناضلين الذين سبقونا بهذا الدرب”. وفي الحقيقة فعلنا ذلك، وخاصة أنا ونوشيروان لزمنا هذا الجانب، فلم نزح المناضلين القدماء أو نرفضهم، ورغم أن هؤلاء إنشقوا عنا ولكننا قدرنا أدوارهم، ولذلك دعونا معظم قياداتهم الى مؤتمرنا منهم سالار عزيز و الملا بختيار، وقلنا لهم تفضلوا شاركونا المؤتمر لكي تعرفوا الى أين وصل الإتحاد بغيابكم، وراج حينها بأن هؤلاء عادوا الى الإتحاد الوطني بإسم (راية الثورة) وهذا أمر غير صحيح، لأن هؤلاء كانوا قد توحدوا مع حزب كادحي كردستان سابقا ودار الحديث حينها حول إنضمام حزب الكادحين الى الإتحاد الوطني ولم يكن الأمر كذلك أيضا، فقد إقتصر الأمر بعودة معظم أعضاء راية الثورة الى داخل الإتحاد، وأستطيع القول بأن عددهم لم يكن قليلا بل أخمنهم بحدود ألف شخص فيهم كوادر جيدة وكفوءة وملئوا فراغات مهمة داخل مكاتب ومؤسسات الإتحاد الوطني.

* بعد المؤتمر سافرت الى عدة دول و إلتقيت فيها بشخصيات عديدة، فهل كانت لهم أية تأثيرات على التجربة الجديدة بكردستان؟
– منذ القدم حاول محتلو كردستان أن يحصروا قضيتنا القومية بإطار ضيق داخل كردستان ويوصدوا جميع الأبواب بوجوهنا لإيصال صوت الشعب الكردي الى الخارج وتأسيس العلاقات بين شعبنا والعالم الخارجي، حتى راجت تلك المقولة التاريخية الشهيرة بأن “الكرد ليس لهم أصدقاء سوى الجبال”. ولكننا حاولنا ونجحنا في بناء العلاقات مع الأحزاب الإشتراكية والديمقراطية وعن طريقها إستطعنا الوصول حتى الى مؤتمر حزب العمال البريطاني، فقد كنت الأجنبي الوحيد الذي سمح لي بإلقاء خطاب بذلك المؤتمر وقلت فيه “ان شعب كردستان رددوا مرارا بأنهم لا أصدقاء لهم سوى الجبال، ولكن ها نحن اليوم لدينا أصدقاء وأنا محاط هنا بأصدقاء ومناصري شعب كردستان”، فصفقوا لي طويلا وطلبوا مني إعادة هذه العبارة مرات عديدة.
بعد نجاحنا ببناء العلاقات مع الأحزاب الإشتراكية، عقدنا الصلة ببعض الحكومات أيضا، ويجب أن أقول بأن أول رئيس حكومة أوروبية إستقبلنا ورتب اللقاء بنفسه هو فلاسلاف هافل رئيس جمهورية جيكوسلوفاكيا. واللقاء حضرته أنت معنا أيضا وكان ذلك قبل تحقيقنا النصر، وجاء في وقت كانت أوضاعنا السياسية و العسكرية غير مستقرة، وعليه لا ننسى هذه الإلتفاتة الكريمة منه.وبعد تحرير مناطق كردستان ودخولنا مجال الإهتمام الدولي، إلتقينا بالعديد من الرؤساء و الشخصيات العالمية، و تلقينا دعوة من الحكومة الكويتية بعد تحريرها وذهبنا الى هناك لتقديم التهاني بالتحرير وأنشأنا معهم العلاقة، وبعدها ذهبت الى إيران و إلتقيت برفسنجاني والدكتور علي ولاىيتي ومسؤولين آخرين منهم محسن رضائي.

فرانسوا ميتران
ومسألة الفدرالية

* وماذا عن لقائك بالرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران، وهل كان لذلك تأثيرا على المسألة الكردية؟
– بالطبع كان لقاؤنا مع الرئيس الفرنسي مهما للغاية، لأن فرنسا دولة كبرى في القارة الأوروبية وهي عضو دائم بمجلس الأمن الدولي ولها دور كبير في أحداث العالم، مجرد لقاءنا به حقق تقدما كبيرا بالنسبة للقضية الكردية و تعريفها بالعالم ورفع معنويات شعبنا بالداخل والخارج بوقوف شخصية دولية كبيرة بحجم الرئيس ميتران داعما لقضيتنا القومية. ومن اللحظات الإنسانية التي لا أنساها أبدا قوله “أنتم شعب مظلوم في التاريخ وقدمتم تضحيات جسيمة، ولكم الحق أن تتمتعوا بحقوقكم في بلد متعدد القوميات وتحل قضيتكم العادلة بالديمقراطية وبتحقيق الفدرالية، فمن دون ذلك لن تحل مسألتكم”.
وبدا من كلامه أنه داعم لمطالبنا بنظام فدرالي للعراق.وإلتقيناه مرة أخرى مع مسعود البارزاني وكرر دعمه للفدرالية، وحين عدنا قدمنا إقتراحا لتبني الفدرالية الى برلمان كردستان.
وطبعا جرت لقاءات أخرى مع العديد من المسؤولين الدوليين ساهمت أيضا بإيصال صوت شعبنا الى المحافل الدولية حتى لايقال بأن ليس لنا أصدقاء سوى الجبال، بل أصبح للكرد أصدقاء في جميع أنحاء العالم وأدرجت المسألة الكردية ضمن القضايا الدولية تساندها فرنسا وأميركا والمنظمات الدولية الكبرى كالإشتراكية الدولية، كما يجب أن لاننسى دور الحزب الإشتراكي الفرنسي كأول حزب إشتراكي أوروبي يدعم ويؤيد حقنا بتقرير المصير وإقرار هذا الموقف في مؤتمرهم الحزبي.

* بعد تلك اللقاءات ما كان موقف الإتحاد الوطني من مسألة تنظيم الإنتخابات البرلمانية الأولى بكردستان؟
– هذه الفكرة نضجت أثناء عقد مؤتمرنا الحزبي الأول، كنا في البداية مع تأسيس المجالس المحلية في القرى والنواحي و الأقضية والمدن، الى جانب تأسيس مجلس وطني على مستوى كردستان.
أما حول قانون الإنتخابات فأريد أن أكشف للتاريخ بأنه في تلك الفترة ظهرت خلافات داخل أطراف الجبهة الكردستانية، وكان مسعود البارزاني هو الشخص الوحيد الذي أصر على قوله “أن الإتفاق الذي لم يوقع بعد مع الحكومة سأوقعه أنا وحدي وحتى لو لم يؤيدني فيه البارتي أيضا، سأذهب لتوقيعه مهما يكن”!
وفي الحقيقة كان الإتفاق بالأصل مفروغا من أي محتوى يرضينا ويرضي شعبنا، فلم تقدم الحكومة أية حلول معقولة للقضية الكردية ماعدا تمجيد حزب البعث وقيادة صدام حسين، فلا تطرق الى موضوع كركوك ولا الى تطوير الحكم الذاتي، وكنا جميع أطراف الجبهة ضد ذلك الإتفاق فيما عدا مسعود البارزاني.

مسعود البارزاني والقضية الكردية

* ولماذا أصر مسعود البارزاني على توقيع الإتفاق مع الحكومة العراقية، هل كان فاقدا الأمل من الثورة وقوات البيشمركة، أم كانت هناك أسباب أخرى لموقفه؟
– كان مسعود البارزاني مصرا على توقيع الإتفاق مع الحكومة. فأثناء الإجتماع الذي عقدناه بناحية (خليفان)، قال “سأوقعه وحدي، فأنا لا أؤمن لا بالشعب الكردستاني ولا بالبيشمركة ولا حتى بحزبي”! وأضاف “حين وقعت الكارثة بعودة قوات النظام للسيطرة على كردستان لم يبق معي سوى أربعون شخصا! ولو لم يكن لخاطر قبر والدي ومبادئه، لوضعت هذه العمامة الحمراء تحت أقدامي، كما انني لا أؤمن حتى ببيشمركة الإتحاد الوطني، فحين هاجمتنا قوات الحكومة لم يبق بجبهة (كورى) سوى جماعة كوسرت رسول و حسن كويستاني، عليه لا أعتقد بأن الشعب الكردي يستطيع المقاومة و مواصلة النضال، وأنا لا أريد أن أبقى لاجئا في إيران، و أفضل حل هو توقيع هذا الإتفاق مع الحكومة”. بعد أن أكمل مسعود كلامه رجاه عزيز محمد قائلا “كاك مسعود أريد أن أسمع منك مثل هذا الكلام، فأنت إبن البارزاني، وناضلتم كثيرا، والشعب الكردي شعب مناضل ومستعد للفداء والتضحية، فأرجوك أن لاتفعل هذا”.

الانتخابات في كردستان

* وماذا كان موقف مسعود البارزاني من تنظيم إنتخابات برلمان كردستان؟
– أصر على كلامه و قرر أن يذهب، ولكني صرحت لوسائل الإعلام حينذاك وقلت بأنني تلقيت رسالة من أحد أصدقاء شعبنا يقول فيها “أن دول كبرى مثل بريطانيا واميركا وغيرها من الدول الأوروبية مستعدة للإعتراف بنا إذا أجرينا إنتخابات و شكلنا حكومية محلية، وسيسعون لدى تركيا كي لاتعادي كرد العراق إذا قاموا بهذه الخطوة”. ويبدو أن نفس الرسالة أرسلت الى مسعود البارزاني، لكني لم أكشف ذلك وإعترف مسعود لاحقا بأنه تلقى فعلا نفس الرسالة. وهكذا تغيرت الأجواء وقالوا في الجبهة الكردستانية “مادام الأمر على هذا النحو فلنتهيأ لتنظيم الإنتخابات، ونحيل موضوع المفاوضات مع الحكومة الى ما بعد الإنتخابات، فأي حزب يحصل على الأكثرية يستطيع أن يذهب لتوقيع الإتفاق مع الحكومة، وإذا لم تتحقق الأكثرية لأي حزب، عندها يحال الموضوع الى البرلمان المنتخب وهو يقرر التوقيع أو رفض الإتفاق”. وهكذا تم التوافق على تنظيم الإنتخابات بإجتماع الجبهة الكردستانية.

* بعد إجراء الإنتخابات هل توقعتم النتائج التي تمخضت عنها؟
– كنا نتوقع أن يحصل الإتحاد الوطني على الأغلبية ودعني أذكرك بأن الخلافات بدأت منذ اللحظة الأولى، فقد كانت هناك أطراف تدعو الى أن تكون الإنتخابات بصيغة القائمة النسبية، وأخرى تدعو الى الصيغة الدائرية، ونحن كإتحاد وطني فضلنا الصيغة الأخيرة ظنا منا بأن ذلك يحقق لنا الأكثرية. وكنا على يقين بأننا سنحصل عليها في كركوك والسليمانية اللتان شكلتا نصف الدائرة، ونتوقع أيضا أن نفوز بنصف أصوات أربيل وبذلك سنحقق الأغلبية المطلوبة، مع ذلك كان عدد من رفاقنا منهم الدكتور كمال فؤاد مصرين على القائمة النسبية وأن تشارك الأحزاب الأخرى جميعها (1). وفي البداية فضل البارتي الصيغة الدائرية، ولكنهم بعد أن شعروا بأن الإتحاد سيتفوق عليهم غيروا رأيهم الى القائمة النسبية، وفرضوا معها العتبة الإنتخابية بنسبة 7% ولم يتنازلوا عنها مطلقا، وكما قلت كنا على قناعة كاملة بأننا سنفوز الإنتخابات، ولكننا إرتكبنا بعض الأخطاء سأجملها بالنقاط التالية:
أولا: حصرنا مرشحينا بالكوادر و القيادات التي ناضلت بالجبال، في حين يفترض أن نتقدم ببعض المرشحين من الشخصيات المعروفة على النطاق الإجتماعي والأشخاص المقبولين والمحبوبين من الناس.
ثانيا:إرتعب كسبة أربيل وتجارها من شعارنا (حق تقرير المصير) الذي طرحناه كدعاية إنتخابية وإعلان رفضنا للمفاوضات مع الحكومة.فقد ظن هؤلاء بأن البارتي يريد التفاوض والحكم الذاتي، لأن شعار البارتي حينذاك كان الحكم الذاتي، وشعارنا حق تقرير المصير وهذا ما دفع بأشخاص (محافظين) للتصويت لصالح البارتي.
ثالثا: كنا نتبنى سياسة متشددة تجاه الجحوش، وإرتكب بعض رفاقنا في منطقة بهدينان أخطاء كبيرة في تعاملهم مع رؤوساء العشائر هناك ودفعونهم للتخلي عنا، وهذا أضر كثيرا بأصواتنا في تلك المنطقة.
رابعا: لم نمتلك الخبرة الكافية في مسألة تنظيم الإنتخابات، ولذلك وضعنا صناديق إقتراع قليلة في مناطق نفوذنا، فلو كانت هناك أعداد كافية من تلك الصناديق في كركوك والسليمانية لكنا نستطيع ضمان مايقل عن 80 ألفا من أصوات إضافية لصالح الإتحاد.فآلاف المواطنين حرموا من الإدلاء باصواتهم بسبب نقص الصناديق وبشهادة الصحفي ديفيد بيرس الذي كان في السليملنية آنذاك، قال “هناك عشرات الآلاف من الناس يجولون في أحياء المدينة ولايجدون صناديق للإدلاء بأصواتهم وأغلبهم من أنصار ومؤيدي الإتحاد الوطني”.
بالإضافة الى ذلك كنا نعتقد بأننا سنحصل في محافظة أربيل على أصوات أكثر مما حصلنا عليها. أضف الى ذلك أن الحبر الذي أعتمد في مناطق البارتي كان يمحو بسهولة ما أتاح الفرصة لقيامهم بعمليات تزوير في مناطق عدة مثل منطقة (برادوست) التي تعتبر منطقة إتحادية، والبارتي أرسل الناس الى هناك بالشاحنات لكي يصوتوا له، ولهذا لم يرض الكثيرون بالنتائج المعلنة، و أول من إنتقد العملية هو مسعود البارزاني ذاته، فقد أرسل برقية يقول فيها “أنا لا أعترف بنتائج هذه الإنتخابات”. ومع ذلك فقد إستطاع الإتحاد الوطني أن يثبت صحة دعواه بأن الكرد قادرون على ممارسة هذه العملية الديمقراطية، وإنتهت العملية بإعلان النتائج بالمناصفة كما رأينا.

* ومن الذي إقترح إجراء إنتخابات قائد الحركة التحررية الكردية التي تزامنت مع إنتخابات البرلمان؟
– كان بإقتراح من الدكتور محمود عثمان.

* ومن أين جاءته الفكرة برأيك؟
– هو تقدم بالإقتراح ونحن عارضناه منذ البداية، لأننا رأينا بأنه لاينسجم مع المباديء الديمقراطية التي ننادي بها. وتحدث نوشيروان مصطفى بالتفصيل حول ذلك وعده إقتراحا غير سليما، ولكن الدكتور محمود أصر عليه فأضطررنا نحن و البارتي بقبوله على مضض حتى لايقال عنا بأننا نخاف الإنتخاب المباشر من قبل الشعب.

* وأين أدليت أنت بصوتك؟
– بمقر إقامتي بقلاجوالان.

* وحين أعلنت النتائج أين كنت وما كان شعورك حيالها؟
– كنت في أربيل، وقد أزعجتنا تلك النتائج لأننا رأينا بأن حقوقنا هضمت من ناحيتين:
الأولى: بسبب حرمان 70-8- ألفا من مواطني السليمانية و رانية و قلعةدزة و كرميان و جمجمال من التصويت.
الثانية: حدثت تزويرات واسعة النطاق ومكشوفة في منطقة بهدينان، وبشهادة سامي عبدالرحمن عضو المكتب السياسي للبارتي، و الكل يعلم بأن الصناديق ملئت بآلاف الكارتات المزورة لصالح البارتي حتى أنهم إحتسبوا أصوات الموتى. فعلى سبيل المثال كان عدد المصوتين الكلي في عموم منطقة بهدينان هو 178 ألفا، ولكن مسعود البارزاني وحده حصل على أصوات أكثر من ذلك العدد!وهذا عدا 30-40 ألف من الأصوات التي حصلت عليها أنا هناك، وعدا أيضا عن الأصوات التي حققتها الأحزاب الإسلامية الأخرى وحزب سامي عبدالرحمن ذاته، وفي الحقيقة حدثت عمليات تزوير واسعة النطاق هناك وإلا كان البارتي يحقق نسبة أقل بكثير مما أعلن عنها في النتائج النهائية(2).

* وهل قام الإتحاد الوطني بتزويرات في مناطق نفوذه؟
– أبدا لم يحصل ذلك على حد علمي لأني كنت في قلاجوالان ولا أصدق أن تزويرا حصل بمناطقنا.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة