الرقابة السعودية تصل إلى نتفليكس

عبدالله العودة

الأسلوب المتعنت نفسه الذي تستخدمه السعودية في تفسير «الإرهاب» بغية قمع الناشطين في الداخل تلجأ إليه لإسكات الانتقادات من الخارج.
في الأول من كانون الثاني/يناير الجاري، حذفت شبكة نتفليكس حلقة من البرنامج التلفزيوني الأميركي «قانون باتريوت مع حسن منهج» عن منصتها السعودية. في الحلقة التي بُثَّت لأول مرة في 28 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وجّه منهج انتقادات إلى السعودية وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، على خلفية دورهما المزعوم في تدبير مقتل الصحافي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول في الثاني من تشرين الأول/أكتوبر، والتعتيم على القضية. نظراً إلى أن خاشقجي كان صاحب خطاب منطقي – مقبول من الشرق والغرب – تصدّى من خلاله لسردية الإسلام السلطوية التي ولّدت تشدداً وقمعاً، رأى فيه ولي العهد السعودي
بالمثل، تحمل الحلقة التي قدّمها منهج إدانةً مسلمة الطابع لممارسات المملكة، ويمكن بالتالي أن تشكّل مادة مقنعة للسعوديين، وتتسبب بزعزعة قاعدة الموالين لولي العهد.
يُظهر حذف حلقة منهج أن النظام الملكي السعودي يستمر في التلطّي خلف الإسلام والتذرّع بالدور التاريخي للملك بوصفه «خادم الحرمَين الشريفين» لارتكاب الفظائع وإسكات الانتقادات.
حذفت شبكة نتفليكس الحلقة عن المشاهدين في المملكة بعدما ادّعت الحكومة السعودية أنها تنتهك القانون السعودي. ودعمًا لهذا الزعم، استشهدت الحكومة بالمادة السادسة من نظام مكافحة جرائم المعلوماتية التي تُجرِّم «إنتاج ما من شأنه المساس بالنظام العام، أو القيم الدينية، أو الآداب العامة، أو حرمة الحياة الخاصة، أو إعداده، أو إرساله، أو تخزينه عن طريق الشبكة المعلوماتية، أو أحد أجهزة الحاسب الآلي». إنه القانون نفسه الذي يُستعمل بصورة مستمرة لإسكات النشطاء والشخصيات العامة.
في الأشهر الأخيرة من العام 2018 فقط، أعدّ النائب العام السعودي سعود المعجب ما لا يقل عن ثلاث مجموعات من التهم بحق كتّاب ونشطاء مرموقين عبر اللجوء إلى نظام مكافحة جرائم المعلوماتية ونظام مكافحة جرائم الإرهاب وتمويله للعام 2017 على السواء. وكان بين المستهدَفين علي بادحدح الذي يواجه حكماً بالسجن لمدة تصل إلى 25 عاماً في تهمٍ منها حيازة ملفات إلكترونية تتضمن انتقادات للمملكة، وعبدالله المالكي الذي يواجه أيضاً حكماً بالسجن لمدة تصل إلى 25 عاماً في تهم تشتمل على نشر تغريدات «تمسّ بالسلم وتحرّض على الفتنة» ضد المملكة، وعوض القرني الذي يواجه عقوبة الإعدام في تهم تشتمل على نشر الفساد في الأرض والتعاطف مع الإخوان المسلمين. على ضوء مذكرات التوقيف التي أعدّتها جهة الادعاء السعودية بحق هؤلاء الأشخاص وسواهم، يتبين أن النائب العام السعودي يلجأ دائماً إلى المادة السادسة من نظام مكافحة جرائم المعلوماتية عندما يسعى إلى مقاضاة نشطاء ومثقفين سلميين.
إشارة أيضاً إلى أن انتقاد ولي العهد السعودي، كما فعل منهج، ليس ممارسة غير قانونية وحسب في السعودية، بل يُعتبَر تقنياً بأنه «عمل إرهابي». تنص المادة 30 من نظام مكافحة جرائم الإرهاب وتمويله على أن «كل مَن وصف – بصورة مباشرة أو غير مباشرة – الملك أو ولي العهد بأي وصف يطعن في الدين أو العدالة» هو كمَن يرتكب عملاً إرهابياً عقوبته السجن لمدة لا تقل عن خمس سنوات. يمكن أن يُسجَن الأشخاص المتهمون بارتكاب مثل هذه «الجريمة» إلى أجل غير مسمّى، «بانتظار محاكمتهم»، على وفق ما تنص عليه المادة الخامسة من النظام المذكور. كذلك تصنّف المادة الثالثة عدداً كبيراً من الحقوق والأنشطة المحميّة من قبل الأنظمة الديمقراطية حول العالم، في خانة الأعمال الإرهابية، ومنها «حمل الدولة على القيام بأمر أو الامتناع عنه».
كما أن اللغة الواسعة جداً التي يعتمدها هذا القانون تتيح للدولة توقيف أيٍّ كان في تهم إرهابية لقيامه بـ»المساس بمصالح المملكة، أو اقتصادها، أو أمنها الوطني». حتى إن السلطات استعملت، بطريقة عبثية، نظام مكافحة جرائم الإرهاب لإسكات الأشخاص الذين حاربوا الإرهاب في المملكة، ومنهم الشيخ سلمان العودة الذي عمل من أجل التصدّي لسرديات الإسلام الجهادية في أعقاب هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001. وجّه تقرير صادر عن الأمم المتحدة في حزيران/يونيو 2018، انتقادات شديدة لنظام مكافحة جرائم الإرهاب السعودي، مشيراً إلى أنه يُستعمل لكبح الحراك السلمي وتقييد حقوق الإنسان والحريات الأساسية. كذلك أدانت منظمة «هيومن رايتس ووتش» القانون عند تعديله في تشرين الثاني/نوفمبر 2017، معتبرةً أنه «يجيز إساءة استعمال السلطة». لقد استعملت الحكومة السعودية القانون المذكور لقمع النشطاء السلميين. على سبيل المثال، اعتقلت السلطات الناشطتَين في مجال حقوق المرأة، لجين الهذلول وميساء العمودي، في العام 2014، وأحالتهما إلى المحكمة الجزائية المتخصصة في النظر في جرائم الإرهاب بسبب تحدّيهما للحظر الذي كان مفروضاً على قيادة المرأة للسيارة في المملكة. وتقبع ناشطات نسائيات أخريات، مثل عزيزة اليوسف وإيمان النفجان، في السجن حتى مع ظهور تقارير ذات صدقية بأن المعتقلين في سجن الذهبان يتعرضون للاعتداءات الجنسية والتعذيب.
لكن إذا أرادت نتفليكس وشركات تقنية أخرى التقيد بهذين القانونين السعوديين، فسوف يكون عليها أن تحذف حتى أصغر الانتقادات للحكومة السعودية. لو كان منهج سعودي الجنسية، لأدانته المحكمة الجزائية المتخصصة بسهولة بتهمٍ إرهابية. يُشكّل تجريم الحريات المدنية والقيم الأساسية وسيلة قانونيةً يستخدمها الحكّام الديكتاتوريون لاستغلال سلطتهم. قال ولي العهد السعودي، في مقابلة مع مجلة «الأتلانتيك» في نيسان/أبريل 2018، إن «النظام الملكي المطلق لا يُشكّل تهديداً»، و»إننا لا نتشارك القيم» مع الولايات المتحدة، في إشارة على ما يُعتقَد إلى قيم حقوق الإنسان والحريات الأساسية – وقد أظهر مقتل خاشقجي أن ذلك يؤدّي أيضاً إلى عدم إيلاء قيمةٍ للحياة. قد يشكّل حذف حلقة نتفليكس، في حال أجازه المجتمع الدولي، سابقةً تدفع بالذراع الطويلة للقانون السعودي نحو مزيد من التمدد.

* تُرجم هذا المقال من اللغة الإنكليزية.
عبدالله العودة: باحث سعودي وزميل رفيع المستوى في مركز التفاهم المسلم-المسيحي في جامعة جورج تاون.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة