أمير ناصر.. حروف الأنثى.. رائحة القصيدة

هل ثمة توصيفٌ محددٌ للقصيدة الحسية؟ وهل يمكن أنْ تكشف هذه القصيدة عن شغفها الحسي عبر العناوين والعلامات؟
هذه الأسئلة هي الأفقُ الذي يكتب به الشاعر أمير ناصر قصيدته، فهو يستعيد بهجتَه، ويتكىء على لغةٍ(ناعمة) تحتفي بالحياة والجسد والتفاصيل الأنثوية.
تتفجر طاقته عبر لعبة الوصف، والتلمّس، وعبر التصاق القصيدة وملفوظاتها بهاجس الأنثى، تلك التي تحضرُ بوصفها صانعةَ اللذة، والمحفزَ على الرؤيا، والباعثةَ على الاصغاء والمشاهدة في آنٍ معا، فطاقةُ الصوتِ تُثير الغريزة، لكن حضور الجسد/ المشاهدة يستدعي قاموسا من الحميمية، حيث شراهة تمثلاته الاستعارية، وحيث مسافاته التي تتسع في الرؤيا، عبر تقانات التشكّل والتلون، وبما يجعلها مجالا روحيا وايروسيا، وحتى (فتيشيا) ذي طابعٍ حروفي بالمعنى الفرويدي، أو بالمعنى الصوفي..
يا لسعادتي
وأنت تمرين،
وها هي شفاهي
يبلغها الدمع
وهي تتمتم
وتتدرب
على حروف اسمك..
قصيدةُ أمير ناصر هي الأقربُ الى قصيدة الحلم، حيث يجدُ الشاعرُ نفسَه وهي مستغرقة في اشراقات اللغة، وبمخيالها الشعري، إذ يكتنز الملفوظ بكثيرٍ من الوجد، وبما يجعله مكشوفا، ومسكونا بشعريةِ ما يُحيل اليه الجسد/ جسد الأنثى، بوصفه قاموسا، أو طقسا، حيث يستنطقه، يحاوره، يؤسطره، وحيث تبدو اللغة أكثر تَسوّغا لاستعمالِ الاستعارة الدالة على فعل اللذة الطقسية، فكلّ قصائد كتابه الشعري(حروف أسمك) الصادر عن دار الروس/ بغداد/ 1016 تعيش لحظتها الشعرية بوصفها خطابا في استعادة الأنثى، عبر تمثلات اللغة، أو عبر احالاتها الجنوسية، والدلالية، وعبر التصاقها بما تستنبته شفرات الاسم، في الجسد النصوصي الذي يُعيد انتاج نصه الوجودي، حيث تبدو الأنثى وكأنها الكائن اللانهائي، أو المنطوق المتعالي، والذي ينفتح عبر ظاهراتية الكتابة الشعرية، لستعيد حضور الأنثى بوصفه وعيا بها، وتلذذا بغيابها، وب(أساطير) ما يشكّله حضورها الاستعاري/ حروفها/ صوتها/ تفاصيلها.
صرت أكتب رسائل
أبعثها لنفسي
وأصدّق بأنّها منكِ.
صرت أحدِّق في المرايا
ويطول مكوثي
أفتّش في عيني اليسرى،
عن أثرٍ لصورتكِ
أثرٍ لوجهك
أثرِ لاسمك..
تمثلات الشاعر لفعل اللذة، وفعل استعادتها ليست بعيدة عن رؤياه الشعرية إذ تتحوّل هذه الرؤيا الى هاجس، والى مايشبه الاحتفال، حيث يتسع انفتاح الشاعر على المكان/ الشطرة بوصفه الأنثوي وليس الاشاري، مثلما يتسع لفعل الإصغاء، حيث تتبدى الأصوات التي توهبه البهجة والنشوة، والتوتر الذي يجعل القصائد وكأنها رسائل الى أنثى مُستعادة، أنثى تلتصق حروفها لتكون وجودا، وتتبعثر حروفها لتبدو وكأنها إحالة الى تتبع ثنائية حضورها وغيابها، وعبر مايُحيله جسدها الحروفي الى معانٍ لانهاية لها، ولذّات تؤججه باللامهادنة..
أبحثُ
لكي تلامس أصابعي وجهكِ
أصابعي العطشى،
يحصلُ
أنْ أعود بطحالب خضراء
أظنّها حروف أسمكِ..
شعرية الكشف، هي ذاتها شعرية الاتساع التي تستغرق الشاعر، حيث يبحث، وحيث يجترح، وحيث يتكئ على نثرية تلك الشعرية ليوهب قصيدته غريزة النداء، واستحضار الغائب/ الأنثى، عبر سحرية اللغة، وعبر تعازيم طاقتها المستفزة، أو عبر رؤياه وهو يجعل من يكشف عن طقس الكتابة بوصفها استجابةً لندائه الشخصي، نداء الغائب الماكث في اللغة أكثر من مكوثه في الوجود، وأحسب أنّ المكوث اللغوي الذي يهجسه الشاعر هو الشرط الأكثر تحفيزا لفعل لاستعادة، ولوعي ما تصنعه من علاماتٍ هي المقابل لما تتركه الحروف من أثرٍ أو أصواتٍ لها رائحة الوجود..
علي حسن الفواز

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة