مؤتمر السرد الثاني وتجاوز الآفاق

علوان السلمان
(1-2)
(هو الذي رأى كل شيء) كان منطلق المؤتمر الثاني للرواية العراقية الذي نظمه نادي السرد في الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق.. بدعم ورعاية منه ووزارة الثقافة والسياحة والاثار للفترة من 5 ـ 6/5/2017 دورة الروائي عبدالمجيد لطفي وذلك على قاعة الوركاء في فندق جراند كريستال شيراتون وتحت شعار(السارد..رائيا)..والذي شكلت محاوره سيرة الرواية والقص القصير في العراق الذي شهد ما لم يشهده سواه ورأى ما لم يره سواه.. على حد تعبير رئيسة المؤتمر القاصة والروائية عالية طالب.. وعبر اربعة محاور اقتسمها عشرون باحثا توزعت على اربع جلسات أجابت جميعها عن اسئلة الرواية والقصة القصيرة العراقية.. بعد كلمتي وزارة الثقافة واتحاد الادباء وتكريم القاص طلال حسن بجائزة القلم الذهبي..
ففي المحور الاول الذي بحث (خصائص الرواية العراقية المعاصرة) ليوم المؤتمر الاول و الجلسة الاولى التي ترأسها الناقد علي الفواز وهي تتوزع على المحاور الاتية بعد (شهادة سارد) للقاص حميد المختار انحصرت في(الفنتازيا والغرائبية..أزمنة الدم المسكوت عنه في التاريخ) لناجح المعموري والتي جاء فيها: (ازمنة الدم رواية تهيكلت على تاريخ مفترض كعادة جهاد مجيد يقترح مرحلة تاريخية ويحدد الكثيرون عناصرها الضرورية حتى توحي بكونها حقيقة تاريخية مكونة من مجموعة وقائع واحداث مرتبطة بالمملكة..مع رسم دقيق لما تحتاجه المرحلة من مكملات جوهرية لها علاقة مباشرة بأماكن مقدسة مثل المعبد وبيت الكهنة ومكان الملك وزوجاته وغرفته الخاصة..( ص9.. تلاه الناقد عباس خلف في بحثه الموسوم(الرواية والفنون..الرواية السردية في مفهوم النص السينمائي.. تحولات الصورة بين الازاحة والتعويض)..والذي اكد فيه على نص الصورة بعد اسئلة تتمحور حول مضامين النصوص السينمائية التي تأخذ في الحسبان انها اعمال ادبية..هذه النصوص وان كان اكثرها ينجز بطريقة مزج الفكرة والموضوع بجماليات الصورة وحساسيتها الا انها لا تحيد عن وظائف وامكانيات كل هذا التضافر من اجل خلق الفكرة وتحميلها بيئة وزمن وذاكرة الكلمة..وفي ضوء هذا التصور اخذ العديد من كتاب السيناريو في معالجة مضمون الاعمال بطرق فنية ابداعية تعتمد وتسلك الصورة بعملية اطلق عليها د.محمد بنيس(ترحيل النص) ودمجه في الصوت والحركة والميكانيك..) ص14..
أما الناقد جميل الشبيبي في بحثه(السرد وتداخل النص الشعري) فقد اتخذ من رواية(اطلس عزران البغدادي) انموذجا..اذ اشار فيه( لقد اغتدت الشعرية كمفهوم ومصطلح من التجارب الروائية العالمية وبعد ان اصبح العالم قرية صغيرة من خلال التطور الهائل في الاتصالات وتقنياتها الهائلة فان التجارب الروائية جعلت تجديد هذا المصطلح عصيا على التحديد وهو واقع مثير ومحفز قد وضع الروائي العراقي امام تحديات موضوعية تتصل بالتحولات المأساوية والتخريب المقصود لبلاده وفنية ينبغي له الانصات لها كي يعبر الواقع المشاكس والغني بالتحولات الدرامية نحو تاسيس روائي فني مبتكر يعلو على التناقضات الجارية متجاوزا آفاقها الدموية والتخريبية تجاه عالم غني بالوعود يمثل مستقبل اللحظة الراهنة..) ص33.. وفي رواية(اطلس عزران البغدادي) انموذج لشعرية المفارقة التي تستثمر في العديد من فصولها تقنية الغلو والمبالغة في اضفاء صفات العجائب على كائن بشري (عزران) يجسده السارد بشكلين متضادين : شبحي و انسي وهو يتضح من بنية العنوان وصولا الى المتن بمفارقات ساخرة تحاول اضفاء منطق ساخر على الوقائع المأساوية الغريبة التي عجز مجتمع الرواية عن تفسيرها وهي تقنية ليست جديدة على الرواية العراقية فقد استثمرها روائيون عراقيون من امثال وارد بدر السالم و احمد سعداوي و علاء شاكر و مرتضى كزار و باسم القطراني وغيرهم اضافة الى تقنيات اخرى تعزز بنية السرد في هذه الرواية كنموذج للتقنيات التي استثمرتها الرواية العراقية الجديدة لتعزيز شعرية السرد فيها بالتجديد والمبتكر و التجريبي )..ص39 –ص40 . .
اما رابع البحوث فقد كان للدكتور كمال غمبار وحمل عنوان (القمع والحريات – مخاض الشعب ومخاض الام ) نقتطف منها (تكمن اهمية رواية (ذاني طةل-مخاض الشعب)للاديب الخالد ابراهيم احمد قبل توظيفها سينمائيا في انها كتبت عام 1956 ..وكل عمل ابداعي يقيم في اطاره التاريخي ولكن حين يتخطى ذلك الاطار يكتسب اهمية كبيرة تستوقف المتلقي ان يتأمل الرؤية المستقبلية للكاتب في تنبئه بتطوير الاحداث والظروف والمستجدات التي تشهدها الساحة السياسية فيما بعد كما تفرضها ارادة التاريخ على ارض الواقع..
ان الروائي في روايته استخدم تقنيات جديدة في صياغة الاحداث بعيدا عن الاسلوب التقليدي السردي المباشر فاللجوء الى فنFlash back منذ البداية يدل على القدرة الفنية للكاتب اضافة الى استخدام اسلوب تيار الوعي (المنلوج الداخلي) و التداعي في بناء الرواية سواء كان تداعيا ذهنيا يحركه مسار الرواية وتطور احداثها او تداعي صورة او فكرة يرينا الروائي (مشهد الباص الخشبي حيث بطل الرواية جوامير جالس في المقعد الامامي للسيارة وقد قيدت احدى يديه بسلسلة حديدة مربوطة باليد اليسرى لاحد افراد الشرطة) وهو غارق في لجة خيالاته التي تعيد اليه السنوات الماضية في البيت والسجن وما كابد من مختلف صنوف التعذيب والمعاناة المريرة كشريط سينمائي يمر امام ناظريه ) ص54 – ص 55
واخيرا كان بحث الدكتور باقر الكرباسي الذي حمل عنوان ( القمع والحرية في رواية طشاري) ..منه: (رواية طشاري لـ انعام كجه جي ناطقة بواقع اجتماعي عراقي مأزوم بدأ من العتبة الاولى (الغلاف) و العنوان طشاري الغارق في عراقيته و سيميائيته وانتهاء بالسؤال الاخير : أمَ يشبعون من الدم ؟ ) ص 75 ..
اما الجلسة المسائية الثانية التي ترأسها د.عمار احمد فقد كان محورها : الرواية وتداخل الاجناس وبحوثها التي (سبقتها شهادة سارد) طه الشبيب .. تمثلت في (رواية السيرة الذاتية:التعالق النصي الاحالي ) للدكتور خليل شكري هياس وهي قراة بين (سيرة جبرا ابراهيم جبرا وبين رواياته) منها ..(نقصد بالتعالق النصي الاحالي : تلك العلاقة القائمة على عملية التحويل او المحاكاة بين نصين يسمى النص المحول او المحاكي (النص اللاحق) ويسمى النص المحول او الماحكى (النص السابق..وهذا يعني ان العلاقة بين النصين انما هي علاقة اشتقاق وتحويل ومحاكاة ..والعلاقة هذه تخضع مجازيا لمنطق الطرس عند جيرار جينيت والذي تطمس فيه الكتابة الاصلية وتعاد كتابتها لكنها تترك اثاراً من النص السابق).. ص 77.. ويضيف الناقد موضحا ان التعالق النصي الاحالي يصنف على صنفين : الاول بين النصوص غير الذاتية : اي بين نص لمؤلف ونص لمؤلف اخر والثاني : بين النصوص الذاتية : اي تلك التي تحدث بين النصوص التي يكون فيها مؤلف النص السابق هو مؤلف النص اللاحق .. وتأتي اهمية هذا الموضوع في النص الروائي من انه يقدم رؤية قرائية داعمة للنص الروائي )ص 78
تلاه الدكتور ثائر العذاري في بحثه (تحولات اللغة السردية : الراوي الملتبس .. التلاعب بهوية الراوي وزاوية النظر في الرواية العراقية المعاصرة ) . .متخذا من رواية طشاري لانعام كجه جي و رواية فرنكشتاين في بغداد لأحمد سعداوي ومفعاة لحامد فاضل والتي يتضح من خلال كل هذا (ان الشعور بالإحباط وانهيار تصورات ما قبل الاحتلال انعكس على هذه الاعمال اسلوبا في الكتابة.. فالكتّاب لم يصوروا احباطهم عبر الموضوعات والثيمات .. بل ظهر ذلك واضحا في البنية السردية لأعمالهم ..اذ تمردوا على كل ما هو قار من اعراف فنية من غير ان يؤدي ذلك الى خروج اعمالهم من عباءة الجنس الادبي ..) ص 112
اما الدكتور نوزاد احمد اسود فقد تناول في بحثه (المركزية والتشظي في الرواية : السيرة الذاتية في ثلاثية (وادي كفران) لزهدي الداوودي والتي تشكل رواية الاجيال اذ تروي تاريخ ثلاثة اجيال في عائلة واحدة هذا يعني ان الرواية (تهتم بالتاريخ الاجتماعي والسياسي معا..لكن بخيال ابتكاري ..فمن خلال تاريخ زوراب او سيرة زوراب يتم تصوير تاريخ المرحلة الاجتماعية والسياسية التي عاش في اطارها الراوي / البطل زوراب والروائي زهدي الداوودي)ص128 .. تلاه بحث الناقد عبد علي حسين المتمثل في تركيبة السرد : الخطاب الافصاحي في الرواية العراقية المعاصرة والذي جاء فيه (لا تسعى الرواية الافصاحية الى تقديم وثيقة تاريخية لواقعة ما في زمان ومكان معينين كما في الروايتين الوثائقية والتاريخية اللتين تلتزمان بحرفية نص الواقعة دون تحريف او اضافة بغية عدها وثيقة تمثل حالة ما في زمن ومكان معينين .. اذ ان الرواية الافصاحية تسعى الى تقديم رواية مقصودة وفق اشتراطاتها الفنية والبنائية وتقدم من خلال تبنيها تضمين نص الواقعة الحقيقية قراءة مستبطنة وتأويلية لتلك الواقعة) ص 205 ..

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة