صدر حديثًا عن منشورات المتوسط – إيطاليا، كتاب “صفحات من دفتر قديم، سبعة كُتّاب سوريّين يروون سيرهم المدرسيّة”، من إعداد رستم محمود وتقديم أحمد بيضون، وبمشاركة فاروق مردم بك، ممدوح عزّام، صالح الحاج صالح، كوليت بهنا، سلام كواكبي، روزا ياسين حسن، ورستم محمود. وهو كِتاب – كما جاء في مقدمة أحمد بيضون – يحاول تقديم قراءة ما عن أحد أوجه تاريخ سورية، اجتماعيًا وسياسيًا واقتصاديًا ومعرفيًا، من خِلال سرد حكايات ورؤى ومشاهدات للحياة المدرسيّة، لعدد من الكُتّاب السوريين، المُنتمين لحساسيات ومناطق وأزمنة سورية مُختلفة.
الحياة المدرسيّة في سورية، كما كُل المؤسسات والحيوات العامة الأخرى، لم تكن معزولة عن كامل الديناميكيات والأحوال السوريّة الأخرى، الاجتماعيّة والاقتصاديّة والثقافيّة، وأولًا السياسيّة، السوريّة الأخرى. وحينما يسعى الكِتاب نحو تقديم سرديّة وتحليل وتفكيك لتلك الحياة المدرسيّة السوريّة، فإنه في وعيه المستبطن يسعى لأن يُقدم فهمًا ورؤية وصورة ما عن سورية. كانت هذه الصورة، لأسباب عديدة ومركبة، مُهمشة ومقصيّة ومكبوتة، لصالح رؤى سُلطويّة ومركزيّة أخرى.
ليس في الكِتاب خُلاصات أو نتائج. لكنه في المقابل يحبو نحو القول بأن الخطوط الحمراء، السياسيّة والدينيّة والاجتماعيّة والثقافيّة، الطائفيّة والمذهبيّة والقوميّة والجماعاتيّة، العامة والذاتية منها على حدٍ سواء، إنما منعت وكبتت الكثير من المساعي لقول الكثير من الأشياء عن سورية، باعتبارها جُغرافيا ومُجتمعًا وحياة مُتراكمة ومتراكبة من عديد الأجيال والحساسيات والرؤى. سورية التي صارت بؤرة لأفظع ما في العالم المعاصر، والأكثر ألمًا فيه، لذا تستحق أن يُسرد عنها أعمق وأسهل ما يُمكن قوله.
والحقّ أن البغية العامّة لهذه المعاملة كلّها إنما هي الإذلال. وهي، أي المعاملة، تطلّ من باب الإذلال هذا على النظام الاجتماعي السياسي برمّته، أي على سورية الأسدية. فيكاد يصحّ أن تُوصَف سورية الأسدية هذه بأنها هَرَم إذلال. فَمَنْ كان له قسطٌ من سلطة، أو من فتات سلطة، بالَغ في جعل علاقته بمَنْ هو دونه نكالًا لهذا الأخير عالِمًا أو غير عالم بأن دافعه إلى هذا السلوك إنما هو ما يلقاه من ذلّ على أيدي مَنْ هم فوقه في الهَرَم، وهو أيضًا مبالغته في الرضوخ لهذا الذلّ مبالغةً لا يُدرى إن كانت فرضًا أم تطوّعًا. فإذا نحن انتبهنا إلى إشارات، تُظهر مُدرِّبي «الفتوّة» العسكريّيْن على أنهم مصدرٌ لأشدّ العنف، وأكثره اعتباطًا، وإذا قرنّا هذه الإشارات بأخرى، تفيد أن هؤلاء العتاة قادمون من شرائح اجتماعية مُستضعَفَة، لا أمل لها في بلوغ ما هو أرفع موقعًا، وقفْنا على المنطق النفسي الاجتماعي لتماسك النظام عمومًا (وعلى منطق بنيته العسكرية خصوصًا): منطق هَرَم الذّلّ.
جاء الكتاب في 328 صفحة من القطع الوسط.