ثلاث قصائد

ترجمة فروغ فرخزاد
محمد الأمين الكرخي

غزو الحديقة
ذلك الغراب الذي حلّق فوقنا
وتوغّل في أفكار مضطربة لغيمة شريدة
صوته الذي كمثل رمح قصير يخترق الأفق
سوف يحمل خبرنا الى المدينة
كلّهم يعلمون
كلّهم يعلمون
أننا ، أنا وأنت ، قد رأينا الحديقة
من تلك الكوّة الباردة الكئيبة
ومن ذلك الغصن المترنح القصي
قطفنا التفاح.
الجميع خائفون
الجميع خائفون، لكننا، أنا وانت
التحقنا بالقنديل والماء والمرآة
ولم نخف.
ليس الحديث هنا عن اقتران هش لاسمين
ولا عن عناق وريقات بالية في كراس
الحديث انما عن خصلة شعري المحظوظة
وشقائق قبلتك الحارقة
وحميمية جسدينا، المتحايلة
وألق عرينا
الشبيه بحراشف الأسماك في المياه
الحديث هنا عن حياة فضية لنغمة
ترددها نافورة صغيرة وقت السحر
ذات ليلة،
في تلك الغابة المزدانة بالخضرة
سألنا الأرانب البرية
في ذلك البحر المتلاطم الهائج
سألنا ألأصداف الملأى باللؤلؤ
في ذلك الجبل الغريب المتسيّد
سألنا العقبان اليافعة
ماذا يتعين علينا أن نفعل؟
كلّهم يعلمون
كلّهم يعلمون
أننا عثرنا على الطريق نحو حلم العتقاوات الصامت البارد
لقد عثرنا على الحقيقة في الحديقة
في النظرة المتواضعة لزهرة مجهولة
والخلود في لحظة أبدية
حين تتمعن شمسان ببعضهما الآخر
ليس الحديث عن همس مخيف في الظلمة
الحديث انما عن النهار والنوافذ المشرعة
والهواء الطازج
والمدفأة التي تحترق فيها الأشياء عديمة القيمة
والأرض المثمرة بمحصول آخر
الحديث انما عن الولادة والتسامي والغرور
عن أيدينا العاشقة
وقد شيّدت على مدى الليالي
جسرا من رسائل العطر والضوء والنسيم
هيا الى المرج
هيا الى المرج الشاسع
نادني من خلف عبير أزهار الأكاسيا
كمثل غزال ينادي أنثاه
الستائر مثقلة ببغض خفي
والحمائم البريئة
من علو أبراجها البيضاء
تحدّق في الأرض

الدمية الآلية
أكثر من كل هذا ـ آه أكثر من كل هذا
يمكن أن نلوذ بالصمت
*
بنظرة جامدة كنظرة الموتى
يمكن للمرء أن يحدق لساعات طويلة
في دخان سيجارة
في شكل فنجان القهوة
في وردة ذابلة على السجادة
في خط وهمي على الجدار
يمكن إزاحة الستارة بقبضة متيبسة
وتأمل المطر الغزير في الزقاق
أو النظر إلى طفل واقف تحت الطاق
وفي يده طائراته الورقية الملونة
أو تأمل عربة الخضار الخاوية
وهي تغادر الساحة بسرعة وصخب.
يمكن للمرء أن يثبت في مكانه
جوار ستار
إنما أصَمَّ، إنما أعمى
بمقدوره أن يصرخ بصوت كاذب
مدعيا الحب
يمكن للأنثى أن تكون شيئا جميلا وسليما
بين ساعدين مفتولين لرجل ما.
يمكن تلويث براءة الحب
بجسد يشبه مائدة بلاستيكية
بثديين ناهدين صلدين
في سرير رجل ثمل، مجنون، مشرد.
يمكن بذكاء ماكر
احتقار كل لغز محير
يمكن لِلْمَرْءِ أن يحل لوحده جدول الكلمات المتقاطعة
أو أن يبهج القلب بإجابة غَيْرِ مُجْدِيَةٍ
مكونة من خمسة حروف أو أضف لها حرفا
بمقدور المرء أن يركع طوال حياته
برأس مطاطىء في ضريح بارد
أو رؤية الله في قبر مجهول
والعثور على الإيمان في قطعة نقدية عديمة القيمة
بمستطاع المرء أن يتفسخ في حجرات المسجد
كَقارئ هرم
بمقدور المرء أن يحصل على نتائج متشابهة
مثل الصفر في عمليات الطرح والجمع والضرب
يمكنه غَاضِبًا، أن يعتبر عينك زرا باهتا في حذاء مهترىء
بمستطاع المرء أيضا أن يجف في حفرة ذاته.
بوسع المرء أن يخفي ، خَجَلا،
الجمال في قعر الصندوق
كصورة قديمة مضحكة
أن يضع في الإطار الفارغ للنهار
صورة رجل متهم أو خاسر أو مشنوق
بمقدوره أن يغطي ثقوب الجدار بالأقنعة
أن يمزجها برسوم أكثر إثارة للسخرية.
بميسور المرء أن يكون مثل دمى آلية
أن ينظر إلى عالمه بعينين زجاجيتين
البقاءَ في علبة مغلقة
أو بين الشبكة والقشور
بجسد معبأ بالقش
ومع مصافحة كل يد خشنة
أن يصيح دون مبرر
سعيدُ جدا بلقائك

محبوبي
محبوبي
بجسده العاري السمج
واقف على ساقيه القويتين
مثلما الموت
الخطوط المضطربة المائلة
تلاحق قامته الشامخة
ببنيته
كأن
محبوبي
كأنه ينتمي للأجيال المنسية
كأن تتاريا في بؤبؤ عينيه
يتربص بفارس مجهول
وفي وميض أسنانه، الطري
ثمة بربري ينساق إلى دم الفريسة الدافئ
محبوبي
مثل الطبيعة
ذو مفهوم حتمي وصريح
وبانتصاره عليّ، يصادق على قانون القدرة السليم
حر بعنفوان هو
مثل غريزة سليمة
في قلب جزيرة مهجورة
يزيل بخرق مستلة من خيمة ليلى
غبار الشارع عن حذائه
محبوبي مثل إله
في معبد في النيبال
كأنه وحيد منذ بدء الخليقة
رجل من القرون الماضية
دليل ساطع على مبدأ الجمال
مثل رائحة الطفولة
يوقظ على الدوام الذكريات البريئة
ومثل أغنية شعبية بهيجة
يفيض بالقوة والتعري
بإخلاص يحب ذرات الحياة
وذرات التراب
والأحزان الناصعة للبشرية
بإخلاص يحب
منسما قرويا
شجرة،
علبة آيس كريم
وحبل الغسيل.
محبوبي
إنسان بسيط
في مملكة الغرائب المشؤومة
خبأته بين بتلات نهديّ
كآخر دليل على ديانة مدهشة.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة