نزف الحياة واحتراق الحلم في مجموعة «فياجرا»

عبد الكريم حسن مراد

فعل الكتابة هو تفريغ الإرهاصات والشحنات المتراكمة من فعل حركة الحياة بكل صورها في لحظات الوجع والفرح، أقصد بالكتابة هنا الكتابة الإبداعية المتأتية من موهبة وقراءات مستمرة في المجال الذي يمارسه الكاتب، فكيف إذا كانت تلك الكتابة هي القصة القصيرة والقصيرة جدا، التي تعتمد على شروط وضوابط وإمكانات فنية متقنة بدقة من دون أن يضعفها أيّ خلل يعزى إلى عدم فهم الكاتب لآلية الكتابة القصصية.
فالثقافة السردية واللغوية الشعرية في بعض الأحيان تُخرج نصوصا جيدة لا بد أن تكون مبنية على فكرة وحدث متخيل أو واقعي راودا ذهن الكاتب الذي يكون في صراع مخاضي معه لشهور، وربما لأكثر من ذلك، ليسطّرها بعد ذلك كمولود يخرج إلى النور، فكيف الحال بالولادة القصصية الرابعة للقاص كريم صبح، «فياجرا» التي حملت عنوانا صادما وأثارت فضول القارئ المثقف والعادي، التي قد ترسم لدى بعضهم صورة لنشاط أو عجز جنسي يعاني منه أبطال هذه المجموعة التي أدرجت تحت تسمية قصص قصيرة جدا.
قد تكون صورة المتخيل صحيحة، لكن حراجة الفعل الذي يعاني منه البطل أو أبطال هذه القصص هو تراكم عبء الحياة والمسؤولية العائلية قد قتلت حتى سريان فعل ذلك العقار الذي بقي في غلافه دون المساس به، والمشتركات في مجموعة «فياجرا» هي ثقل الحياة وقساوة الآخر وخيانة الصديق لصديقه وعدم صفاء السريرة، كما في القصة الأولى «زوج الأم»، ولعبة المفارقات لبعض الشخوص في هذه القصص، كما في قصص «لدغة»، «خفان»، «بين امرأتين» و»الوهم».
يدرك القارئ لهذه المجموعة مدى مصداقية فعل الشخصيات التي التقطها الكاتب من قاع الحياة المعاشة، التي قد تكون قريبة من مكان عمله، الكاتب التقط صوره من حركة الشخصيات أمامه في الشارع والباص، كذلك قباحة وأفعال بعض الشخصيات التي رصد حركة أصحابها بالتقاطات جميلة دون تزييف، نجح الكاتب في توثيق هذه الحركات التي كتب بعضها بلغة حملت روح الشعرية الجميلة، وبعضها الآخر بلغة تقليدية عادية، وإن لم يحمل بعض تلك القصص طابع القصة القصيرة، مع ذلك، بدت المجموعة مشوقة وتوافرت لها عناصر القص الفني الناجح، ووفق الكاتب في جعلها مكملة لمجموعته السابقة «رأس للايجار»، وهما المجموعتان اللتان يمكن عدّهما مجموعتين ناضجتين من الناحية الفنية، نجح الكاتب أيضا في إدارة اللعبة السردية في قصص «فياجرا» بدقة بعض الشيء، وإن وجدت هنات في بعضها، فالمجموعة جميلة وتستحق القراءة والكتابة عنها، لأنها بالفعل قصص جميلة جدا تستوقف القارئ ليبحر معها ومع أبطالها.
«فياجرا»، قصص قصيرة جدا، الدار للنشر والطباعة، القاهرة، 2018.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة