الإحباط يسيطر على مناخ الأعمال
متابعة ـ الصباح الجديد:
تتزايد المؤشرات بشأن تأثر الاقتصاد الإيراني بالعقوبات الأميركية والتي تسبّبت في شطب العشرات من الوظائف بوتيرة متسارعة، في وقت فرضت فيه السلطات الإيرانية قيودا على بيع البنزين لمواجهة ظاهرة التهريب، في محاولة لتفادي ما هو أسوأ.
وأغلقت الشركة الإيرانية لتصنيع المشروبات الغازية (تامنوش) خط إنتاجها بعد 16 عاماً من التشغيل، وسرّحت عشرات العمال، إذ تواجه خسائر ضخمة بفعل العقوبات الأميركية التي أدت إلى ارتفاع أسعار المواد الخام المستوردة.
وقال الرئيس التنفيذي للشركة فرزاد رشيدي: «أصبح جميع العاملين لدينا وعددهم 45 من دون عمل الآن، ويقود الرجال سيارات أجرة، وعادت النساء إلى رعاية منازلهن».
وأظهرت عشرات المقابلات التي أجرتها وكالة «رويترز» مع مالكي الشركات في إيران، أن مئات الشركات علّقت الإنتاج وسرّحت آلاف العمّال، نظراً إلى مناخ أعمال غير موات، سببه الرئيس إعادة فرض العقوبات الأميركية.
وهبطت العملة الإيرانية الريال إلى مستويات قياسية متدنية، وتباطأ النشاط الاقتصادي بشدة، منذ انسحب الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الاتفاق النووي بين إيران وقوى عالمية كبرى. وفرض ترامب عقوبات على شراء الدولار وتجارة الذهب وصناعة السيارات في آب وتضرر بشدة قطاعا النفط والمصارف الحيويان في إيران خلال الشهر الجاري.
وقال رشيدي: «خسرنا نحو 5 بلايين ريال (120 ألف دولار) في الشهور القليلة الماضية، لذلك قرر مجلس إدارة الشركة وقف كل الأنشطة طالما استمرت التقلبات في سوق العملة، فمن الحماقة الاستمرار في النشاط عندما نرى طريقاً مسدوداً».
وعانت إيران بالفعل من اضطرابات خطيرة خلال العام الحالي، في ظل اندلاع اشتباكات بين محتجين شباب مستائين من البطالة وارتفاع الأسعار، وقوات الأمن. ويتوقع مسؤولون احتمال وقوع اضطرابات جديدة مع تفاقم الأزمة الاقتصادية بفعل العقوبات. وقبل 4 أيام من قيام البرلمان بإقصائه في آب الماضي لفشله في فعل ما يكفي لحماية سوق الوظائف من العقوبات، قال وزير العمل الإيراني علي ربيعي إن البلاد ستفقد مليون وظيفة بحلول نهاية العام الحالي، كنتيجة مباشرة للإجراءات الأميركية.
ووصل معدل البطالة بالفعل إلى 12.1 في المئة، مع عجز 3 ملايين إيراني عن إيجاد عمل. وحذر تقرير برلماني في أيلول الماضي من أن ارتفاع معدل البطالة قد يهدد استقرار البلد. وأضاف التقرير: «إذا كنا نعتقد أن الوضع الاقتصادي في إيران المحرك الرئيس للاحتجاجات الأخيرة، وأن معدل التضخم عند 10 في المئة والبطالة عند 12 في المئة أطلقا الاحتجاجات، لا نستطيع تخيل مدى شدة ردود الأفعال الناجمة عن ارتفاع حاد في معدلي التضخم والبطالة». وتابع: «إذا بقي النمو في إيران دون 5 في المئة في السنوات المقبلة، فإن معدل البطالة قد يصل إلى 26 في المئة».
ويتوقع صندوق النقد الدولي أن ينكمش اقتصاد إيران 1.5 في المئة خلال العام الحالي، و3.6 في المئة عام 2019، نظراً إلى تراجع إيرادات النفط.
المنتجون يكافحون
وحذر نائب الرئيس الإيراني إسحاق جهانجيري من أن إيران تحت طائلة العقوبات تواجه خطرين رئيسين، هما البطالة وانخفاض القدرة الشرائية. ونقلت وسائل إعلام حكومية عن جهانجيري قوله: «يجب أن يحتل إيجاد الوظائف أولوية قصوى، لا يجب أن ندع شركات بناءة تسقط في براثن الركود بسبب العقوبات».
لكن أصحاب شركات أبلغوا «رويترز» أن من المستحيل الاستمرار في العمل نظراً إلى السياسات النقدية للحكومة، المتضاربة في بعض الأحيان، إضافة إلى التقلبات في سوق الصرف الأجنبي، وارتفاع أسعار المواد الخام، وصعود الفائدة على القروض من المصارف. وأصبح عدد كبير منهم عاجزاً عن دفع الأجور منذ أشهر، أو اضطر إلى تسريح عدد كبير من العمال.
وقال مدير لدى «جولفاكاران أراس»، وهي واحدة من أكبر شركات المنسوجات في إيران، إن الشركة تدرس وقف عملياتها، ومئات العاملين ربما يفقدون وظائفهم. وأضاف المدير، الذي طلب عدم نشر اسمه: «جرى تسريح نحو 200 عامل في آب الماضي، وتفاقم الموقف منذ ذلك الحين، وهناك احتمال كبير بغلق المصنع».
وأبدى الرئيس التنفيذي لـ»تاكبلاست نور» أحمد روستا أمله في أن تجلب موجة جفاف في إيران دعماً لمصنعه المنشأ حديثاً، الذي ينتج أنابيب بلاستيكية تُستخدم في الزراعة. وقال بوستا: «سأنتظر شهراً أو شهرين، لكنني سأضطر إلى الإغلاق إذا بقي الوضع على ما هو عليه ، المزارعون المستهلكون الرئيسيون لمنتجاتنا، ولكن لا يستطيعون تحمّل ثمنها».
وأثرت العقوبات في قطاع صناعة السيارات في إيران، الذي شهد ازدهاراً بعد رفع العقوبات منذ عامين، ووقع عقوداً كبيرة مع شركات فرنسية وألمانية. وعلقت مجموعة «بي أس إيه» الفرنسية لصناعة السيارات مشروعها المشترك في إيران في حزيران الماضي لتفادي عقوبات أميركية، بينما تخلت «دايملر» الألمانية لصناعة السيارات والشاحنات عن خطط لتوسعة أنشطتها هناك.
وألقى ناطق باسم رابطة منتجي الإطارات باللوم على «تغيير السياسات النقدية للحكومة على مدى الشهور الستة الماضية»، وتسببه في مشكلات للقطاع.
البطالة بين الشباب
وتقول واشنطن إن الضغوط الاقتصادية على طهران موجهة ضد الحكومة ووكلائها في المنطقة، وليس ضد الشعب الإيراني. ولكن الشباب الإيرانيين، الذين يعانون البطالة، هم الخاسر الأكبر. وقالت مريم، وهي مديرة علاقات عامة في شركة لاستيراد الأغذية فقدت وظيفتها الشهر الماضي: «ارتفعت الأسعار بدرجة كبيرة حتى أفقدتنا كثيراً من الزبائن، وفي نهاية المطاف قرر الرئيس التنفيذي تسريح عمّال، وبدأ بإدارتنا».
وبلغت البطالة بين الشباب 25 في المئة، في بلد 60 في المئة من سكانه، البالغ عددهم 80 مليون نسمة، تحت سن الثلاثين. وبحسب بيانات رسمية، فإن البطالة بين الشباب من حملة الشهادات العليا تجاوزت 50 في المئة في بعض المناطق.
الروابط مع دول المنطقة
تتجه الروابط التجارية بين دبي وإيران إلى تدهور متسارع بعد إعلان الحكومة الإماراتية التزامها التام بالعقوبات الأميركية، وقد امتدت التداعيات إلى الأنشطة غير المشمولة بالعقوبات بسبب انحدار العملة الإيرانية وامتناع المصارف عن تسهيل الصفقات.
ولعشرات السنين ظل سوق مرشد يعج بالمتاجر والمطاعم، التي تضع لافتات أسمائها باللغة الفارسية ويمثل مركزا للتجارة على نطاق صغير مع إيران عبر متاهة من الأزقة المتشابكة في دبي القديمة.
لكن تلك الصورة بدأت تتغير بسرعة كبيرة بعد تراجع كبير في نشاط السوق وإغلاق أبواب أكثر من 10 بالمئة من متاجره، ووضعت عليها لافتات تعرضها للإيجار. وتراجعت هيمنة التجار الإيرانيين، الذين حل محلهم التجار الهنود والباكستانيون.
ومنذ عهد بعيد ظلت دبي حلقة من حلقات الوصل الرئيسية بين إيران والعالم الخارجي غير أن حركة التجارة بين الجانبين تباطأت مع سريان العقوبات. ويقول من بقي من الإيرانيين إن تداعيات العقوبات الأميركية زادت من صعوبة أعمالهم.
وأكدت الحكومة الإماراتية هذا الأسبوع أنها ملتزمة تماما بالعقوبات الأميركية رغم أن ذلك يعني تراجعا جديدا في التجارة مع طهران. وقال عبدالله آل صالح وكيل وزارة الاقتصاد لشؤون التجارة الخارجية والصناعة “نحن ننفذ العقوبات وجميع السلطات تضمن الالتزام بها”.
وأكد أن الالتزام بالعقوبات سيعني تفادي الشركات الإماراتية أي صعوبات في الولايات المتحدة وأن حكومة الإمارات ستتطلع لتعزيز التجارة مع أسواق أخرى مثل أفريقيا وآسيا لتعويض أثر العقوبات على اقتصادها.
وتستهدف العقوبات التي فرضت على مرحلتين في أغسطس وبداية نوفمبر الجاري، العملة الإيرانية والسيارات والمعادن وقطاعي النفط والبنوك. لكنها أثرت أيضا على تجارة الزعفران والملابس والأغذية المصنعة التي يبيعها الإيرانيون برغم أنها غير مشمولة بالعقوبات.
وازدادت ممانعة البنوك في الإمارات بما فيها بنوك دبي للعمل مع الإيرانيين خوفا من تعريض نفسها لتدابير قانونية أميركية. كما أن انخفاض قيمة الريال بنحو 70 بالمئة مقابل الدولار الأميركي هذا العام جعل التعامل مع إيران محفوفا بالمخاطر.
وقال رجل الأعمال أفتاب حسن عضو مجلس الأعمال الإيراني في دبي إن أصحاب العقارات في السوق يعرضون التنازل عن إيجار شهرين من المستأجرين المحتملين. وأضاف أن “الكثير من الإيرانيين أغلقوا متاجرهم” بسبب صعوبة أداء الأعمال في دبي. وأضاف أن البعض ينظر في إمكانية الرحيل عن المدينة بحثا عن قواعد أخرى لنشاطه.
الأعمال والعلاقات المصرفية
كما تهدد العلاقات المصرفية المتدهورة تجارة أكبر حجما هي تجارة إعادة التصدير التي تشمل نقل بضائع دول أخرى إلى إيران من خلال موانئ دبي ومطاراتها، والتي كانت تشمل السيارات وقطع غيارها والأجهزة الإلكترونية الاستهلاكية والآلات والزجاج ومنتجات البلاستيك.
وتوضح بيانات صندوق النقد الدولي أن 29 بالمئة من واردات إيران التي بلغت قيمتها 71.5 مليار دولار في العام الماضي مرت عبر الإمارات، غالبيتها العظمى عن طريق دبي التي لا تكشف عن بيانات التجارة مع إيران في حينها. وقال مهرداد عمادي الاقتصادي الإيراني الذي يرأس قسم تحليلات مخاطر الطاقة في شركة بيتاماتريكس الاستشارية في لندن إن ضعف الريال بفعل سريان العقوبات أضر بحركة التجارة لأن إيران قللت الواردات لزيادة كلفتها.
وأضاف “عندما يكون لديك انخفاض هائل في قيمة العملة فإن أسعار الواردات ترتفع، ولا تزيد الأجور بالسرعة نفسها في إيران، ولذلك يضطر الناس لخفض الإنفاق”.
وقال عمادي إن بنوك المنطقة انتابها القلق من الروابط مع إيران بفعل زيارات قام بها مسؤولون من وزارة الخزانة الأميركية لمنطقة الخليج هذا العام لبحث التطبيق القانوني للعقوبات. وأضاف أن ذلك زاد من صعوبة ترتيب المدفوعات لتغطية حركة التجارة.
وقال إيراني يعمل مديرا في متجر للأعشاب والبهارات في سوق مرشد إن البنوك في دبي لم تعد تفتح حسابات للإيرانيين وأن التحويلات المالية الدولية من خلال البنوك أصبحت مستحيلة إلى حد بعيد.
وكان مبارك راشد المنصوري محافظ مصرف الإمارات المركزي قد أكد أن بنوك الإمارات تتوخى الحذر في التعامل مع إيران بفعل احتياجها للحفاظ على علاقاتها مع بنوك المقاصة في الولايات المتحدة.
وقال البنك المركزي الإيراني الشهر الماضي إن بنوك الإمارات لم تعد تسهل التعاملات للتجار الإيرانيين. وأضاف أن طهران تسعى إلى بدائل في المنطقة لتحل محل الإمارات كمركز للتعاملات المصرفية.
ويمثل فرض العقوبات الأميركية تكرارا للتدابير التي فرضها الرئيس السابق باراك أوباما في ما بين عامي 2012 و2015 وذلك برغم أن المسؤولين الأميركيين يقولون إنهم يعتزمون أخذ إجراءات إضافية.
وقد تحملت دبي العقوبات السابقة إذ تعود الروابط التجارية التي تربطها بإيران لأكثر من قرن من الزمان، كما أن عدد الإيرانيين فيها يقدر بنحو 200 ألف نسمة أو أكثر، أي ما يصل إلى 5 بالمئة من إجمالي عدد سكان الإمارة.
واكتشف رجال الأعمال سبلا لمواصلة العمل. فقد استخدم بعض التجار الإيرانيين أفرادا من جنسيات أخرى لنقل الأموال إلى الخارج وأبرموا صفقات مقايضة يتم فيها تبادل سلع دون دفع أي مبالغ بالعملة الصعبة.
غير أن إدارة أوباما لم تطبق العقوبات بصرامة، الأمر الذي سمح ببقاء عدد صغير من القنوات المصرفية والتجارية مفتوحة.
وفي مجلس الأعمال الإيراني، تراجع عدد الأعضاء إلى نحو 50 بعد أن كان يصل إلى 500 في عام 2011. وقال حسين أسرار حقيقي رجل الأعمال الإيراني وعضو المجلس الذي يعيش في دبي منذ 37 عاما إن ذلك يرجع في جانب منه إلى أن مؤسسات الأعمال ترفض أن يرتبط اسمها بالمجلس خلال العقوبات.