د. كريم وحيد:
تناقلت مواقع التواصل الاجتماعي حفل افتتاح مشروع كبيرلانتاج الطاقة الكهربائية في جمهورية مصر الشقيقة يسمى ( Mega Project) بحضور الرئيس المصري السيسي والمستشارة الالمانية انجيلا ميركل من خلال استعراض وزير الكهرباء و الطاقة البديلة المصري الدكتور محمد شاكر مراحل انجازالمشروع المؤلف من ثلاث محطات سعة المحطة الواحدة 4800 ميغاواط بالدورة المركبة وبسعة كلية 14400 ميكاواط.. ان الهدف من المشروع هو لاضافة قدرات توليدية جديدة لتجهيزالعاصمة الادارية الجديدة بالطاقة الكهربائية متزامنة مع انشائها.
ولا علاقة للمشروع بانهاء ازمة كهرباء إذ ان الازمة قد تم مغادرتها منذ عقدين بعد تطوير قطاع انتاج الغاز الطبيعي واستثمارمكامنه لتأمين تشغيل قطاع انتاج الطاقة الكهربائية, ولكن الشحة في الطاقة الكهربائية مستمرة خاصة في اوقات حمل الذروة بسبب ارتفاع نسبة النمو السنوي على الطلب في جمهورية مصر العربية بشكل اكبر من القدرات الانتاجية المضافة والمحددة بانخفاض الاستثمارات المقيدة في قطاع انتاج الطاقة الكهربائية.
ان معدات المشروع التوليدية هي وحدات غازية نوع SGT-9000 HL مجهزة من قبل شركة سيمنس الالمانية بسعة 567 ميغاواطا للوحدة تعمل على نوع واحد من الوقود هو الغازالطبيعي وهي من الوحدات المصنعة مؤخرا, إذ تصل كفاءة انتاجها الى نسبة 65% عند عملها بالدورة المركبة وعند اشتغالها على الغاز الطبيعي مقارنة بالوحدات البخارية التي لا تزيد كفاءة انتاجها على 42%.
ونفذ المشروع بمحطاته الثلاث من قبل الشركتين المصريتين اوراسكوم والسويدي المتخصصتين بتنفيذ وتنصيب محطات انتاج الطاقة واللتان لهما المشاركة في تنفيذ مشروع ( Mega Project) في العراق.
ان اهم مقومات خطة تنفيذ مشاريع انتاج الطاقة الكهربائية سواء كانت استثمارية من خلال القطاع الخاص او ممولة مركزيا من خلال الخطة الاستثمارية للدولة هو توفير الوقود وذلك من خلال ايصال شبكة خطوط انابيب الوقود بانواعه من النفط الخام والوقود الثقيل والوقود الخفيف (زيت الغاز) والغاز الطبيعي متزامنا مع اعمال تنفيذ مشاريع محطات انتاج الطاقة الكهربائية وهذا ما جرى توفيره اولا في مشاريع قطاع الطاقة المصري ومنها مشروع ( Mega Project) أنفاً, والذي يفتقده قطاع الطاقة العراقي الى يومنا هذا.
إذ تمتلك مصر المقومات الاساسية من توفر البنى التحتية المؤهلة لانتاج وتصدير الغاز الطبيعي، خاصة وأن هناك اسكتشافات مستثمرة, أهمها حقل ظهر وشمال الإسكندرية الذي بدأ إنتاجها في بداية عام 2018 وبمعدلات بمقدار 2.5 مليار قدم مكعب من الغاز يوميا، وباستثمارات بلغت 25 مليار دولار تزامن انتاجها مع تشغيل مشروع ( Mega Project)، وتستهدف وزارة البترول المصرية خلال الفترة من 2020 إلى 2022 لاكتفاء ذاتي لمصادرالطاقة, لتحتل مصر المركز الـ16 من حيث إجمالى الاحتياطيات العالمية للغاز, والمركز الـ15 من حيث مستوى الإنتاج وثاني أكبر منتج للغاز على مستوى أفريقيا وأول دولة منتجة للبترول من خارج أوبك على مستوى أفريقيا على أن يجري تخصيص كامل إنتاج الغاز الطبيعي إلى قطاع انتاج الطاقة الكهربائية.
خطط لم تنفذ
ووفقا لتقرير وزارة البترول المصرية لا زالت هنالك حقول مستكشفة من الغاز الطبيعي غير مستثمرة مثل منطقة غرب المتوسط، ومنطقة دلتا النيل باحتياطي بمقدار 232 تريليون قدم مكعب ومنطقة الصحراء الغربية بمقدار100 تريليون قدم مكعب وخليج السويس 112 تريليون قدم مكعب. ان هذا المشروع الكبير الذي يعرف (Egypt Mega Project) والذي تناقلت اخباره مواقع التواصل الاجتماعي مؤخرا قد سبقه بعشر سنوات شقيقه المشروع العراقي الذي يعرف بمشروع (Iraq Mega Project) وكلاهما أثمرا نتائج الدورة الوزارية لوزراء الكهرباء والطاقة العرب في الجامعة العربية التي شاركنا فيها ثم ترأسنا اجتماعاتها لاحقا بانتاج قرارات مهمة مهدت باعتماد الطاقات المتجددة والمحطات الغازية المركبة ذات الكفاءة العالية في انتاج الطاقة الكهربائية والابتعاد عن محطات الانتاج التقليدية ذات الكلف الاستثمارية والتشغيلية العالية.
إذ تضمنت الخطة الستراتيجية العراقية التي اطلقت في عام 2006 اضافة قدرات توليدية جديدة ليكون العراق فيها مكتفيا بتجهيزالمواطن بالطاقة الكهربائية عام 2013 ومجابها للنمو السنوي المستقبلى, لتنتهي مرحلتها الاولى في عام 2015. على ان يجري توفير انواع الوقود المجهز من وزارة النفط من خلال خطة وقودية ملزمة للطرفين.
وتوسعت الخطة فيما بعد الى العام 2030 بعد تكليف مؤسسة بارسنز برنكرهوف العالمية في العام 2009 لإعداد التفاصيل والتصاميم الخاصة بقطاعات الإنتاج والنقل والتوزيع, والتي جرى إصدارها في شهر كانون أول 2010.
وقود = كهرباء
وبسبب عدم إيفاء وزارة النفط بإلتزاماتها في الخطة الوقودية في توفيركميات الوقود المطلوبة لتشغيل محطات انتاج الطاقة الكهربائية، وما تتطلبه بانشاء البنى التحتية المطلوبة للصناعة النفطية من مصافي جديدة لانتاج المشتقات النفطية لتامين تغطية التوسع في انتاج محطات انتاج الطاقة الكهربائية التي تعتمد انواع الوقود السائل في تشغيلها, وما يزال انتاج المشتقات النفطية للمصافي العاملة لاتلبي الحاجة التشغيلية لمحطات انتاج الطاقة خاصة بعد تضرر اكبر مصافي العراق في بيجي من قبل زمر داعش الارهابية, إذ إنعكس ذلك سلبا على انتاج الطاقة الكهربائية، لتضطر وزارة الكهرباء باستيراد كميات من زيت الوقود الكازاويل بمعدل 3 ملايين لتر يوميا. اضافة الى استمرار وزارة النفط بعدم جديتها في استثمار الغاز المصاحب الذي يحرق بكميات بمقدار 1400 مليون قدم مكعب قياسي يوميا والتي تكافئ انتاج طاقة كهربائية من محطات غازية بسعة 4500 ميغاواط. وهذا يعني نزف مستمر جراء حرق المزيد من الغاز الطبيعي المصاحب.
وكذلك عدم الاسراع في استثمار الغاز الحر الذي ما يزال في مكامنه الغازية بمقدار 32.7 ترليون قدم مكعب موزعة في حقول ( عكاز، المنصورية، الخشم الاحمر، كورمور, السيبة، جمجمال ) بمعدل انتاج يومي بمقدار 1500 مليون قدم مكعب يوميا بعد استثماره بمعدل انتاج يومي بمقدار 1500 مليون قدم مكعب يوميا بعد استثماره, والذي يكافئ انتاج 5500 ميكاواط من الطاقة الكهربائية من المحطات الغازية. ولإهمية تامين الغاز الطبيعي لتشغيل هذه المحطات باتاحة وكفاءة عاليتين وعدم ايفاء وزارة النفط بتأمينه، فقد اضطرت وزارة الكهرباء في عام 2010 على التفاوض مع الجانب الايراني لتجهيز بعض المحطات الغازية التي جرى انشاؤها من قبل وزارة الكهرباء ضمن العقود الستراتيجية Iraq Mega Project) ) في المنطقة الوسطى والجنوبية بالغاز الطبيعي من خلال انبوين في المنطقتين الوسطى بكميات تصل الى 800 مليون قدم مكعب قياسي يوميا والجنوبية بكميات تصل بمقدار 1000 مليون قدم مكعب قياسي يوميا ولفترة محددة ولحين تنفيذ مشاريع استثمار الغاز المصاحب لانتاج النفط واستثمار الحقول الغازية ضمن جولات التراخيص في عام 2014 والتي لم تكتمل لتاريخه، في ظل سياسة نفطية مبنية اساسا على تعظيم انتاج النفط الخام وبعيدة عن سياسة رسمت لقطاع الطاقة في اجتماعات لجنة الطاقة الوزارية ومثبتة في الخطة الستراتيجية لوزارة الكهرباء التي استعرضت فيها مرتسمات الطلب على الطاقة الكهربائية في عام 2020 التي ستكون بحدود 27 الف ميغاواط والتي تتطلب توفير كميات من الوقود الغازي بمقدار 6000 مليون قدم مكعب قياسي يوميا، وكذلك استعرضت الخطة مقدار الطلب للطاقة الكهربائية في عام 2030 الذي سيكون بحدود 40 الف ميغاواط , والذي يتطلب فيها تأمين الوقود الغازي بمقدار 8000 مليون قدم مكعب قياسي يوميا كحد ادنى لتشغيل محطات الانتاج الغازية.
تأمين الاستهلاك المحلي
أن الغاز الطبيعي المخطط انتاجه بنوعيه الغاز المصاحب لاستخراج النفط والغاز الحر من الحقول الغازية لا يكفي لكامل إنتاج الطاقة الكهربائية في الوقت الحاضر ولا في المستقبل المنظور. إن الظاهرة الغريبة في السياسة النفطية في الرغبة لتصدير الغاز الطبيعي العراقي إلى الخارج، برغم حتمية عدم كفايته لاحتياجات انتاج الكهرباء، هي مشكلة ليست وليدة اليوم، بل استمرارية لما قامت به الإدارات العراقية السابقة خلال العقد الأخير وان الدوافع لهذا التصرف تُعدّ لغزا يتطلب الحل.
إذ اعلنت وزارة النفط مؤخرا اتفاقيتها بتصدير الغاز العراقي إلى الكويت بكميات تصل إلى 200 مليون قدم مكعب قياسي باليوم. ان وزارة النفط مدعوة الى اعلام الرأي العام بالخلفيات والحسابات الاقتصادية، وحتى المنطقية التي تبرر تصدير الغاز العراقي إلى الخارج حاليا أو في أي مستقبل منظور والمباشرة بالغاء الاتفاقيات الموقعة السابقة والحالية في تصديره. في الوقت الذي ارتبط فبه العراق بعقدين قابلة للتجديد لاستيراد الغاز الطبيعي الايراني.
فالسؤال هو: كيف سيتم تأمين تشغيل محطات الطاقة الكهربائية بانواعها بضوء تفرد قطاع النفط في سياسة الطاقة وامنها القومي؟. ان التاخير بتنفيذ تنصيب وتشغيل عقدي المحطات الغازية بسعة 12 الف ميغاواط كمرحلة اولى بدورة بسيطة, و بسعة 18 الف ميكاواط كمرحلة ثانية مركبة وبعد مغادرتي الوزارة في عام 2010 وحسب البرنامج الزمني الدقيق المرفق في الخطة الاستراتيجية والمتزامن مع الجدول الزمني لوصول معدات المحطات، وعدم الالتزام باعتماد قائمة الشركات العالمية المتخصصة والمؤهلة في اعمال تنفيذ وتنصيب محطات الانتاج الغازية والتي تم ترشيحها من خلال مؤتمرين دوليين, والتعاقد مع شركات غير مؤهلة فنيا وماليا مما تسبب في تأخير تنفيذ وتشغيل المحطات ومازالتا محطتا الناصرية والسماوة غير منفذتين بسبب مغادرة الشركات المنفذة عملها لعدم كفاءتها.
وفرضت على وزارة االكهرباء ايضا في عامي 2014 و2015 أربعة مشاريع انتاج استثمارية بسعة اجمالية بمقدار 8340 ميكاواط لانتاج الطاقة الكهربائية خارج السياقات الفنية والقانونية التي وضعت من قبل الشركة الاسكتلندية آي بي أي المتعاقدة معها الوزارة في عام 2009 والمتخصصة في بناء المنهاج الاستثماري لقطاع الطاقة الوطني، مما اضطرت وزارة الكهرباء مؤخرا وبعد توقيع عقود المشاريع الاستثمارية الاربعة, والتزامات تعاقدية مع الشركات الاستثمارية التي تتطلب فيه ان توفر وزارة لكهرباء كميات الغاز المطلوبة لتشغيل المحطات الاستثمارية بان تجهز الوزارة الغاز المستورد من ايران والمخصص والمتعاقد عليه اساساً لتشغيل محطات انتاج الطاقة الغازية العاملة على انواع الوقود السائل والتي تم تنفيذها ضمن خطة الوزارة الاستراتيجية ولحين توفير كميات الغاز المنتج من وزارة النفط في عام 2014 وحسب الخطة الوقودية، مما تطلب الاستمرار في تشغيلها على انواع الوقود البديلة بكفاءة منخفضة وبكلف تشغيلية عالية حتى تاريخه. فما هي الجدوى من تنفيذ مشاريع الاستثمار في بيئة غير مهيأة استثمارياً ومنها عدم توفير الوقود الملائم لتشغيلها. وما الذي تحقق من اضافة قدرات توليدية جديدة من مشاريع استثمار غير مدروسة تعطل فيها قدرات انتاجية متاحة لمحطات الانتاج العاملة في منظومة الطاقة الوطنية, فهل كان هدف التعاقد لهذه المشاريع الاستثمارية هو اعلامي سياسي للانتقال الى الاقتصاد الاستثماري ام لعدم المعرفة بتبعات التعاقدات الاستثمارية كونه سيستنزف الموازنة التشغيلية وبمبالغ شراء تصل الى اكثر من ملياري دولار سنويا من شراء الكميات المنتجة تعاقديا, غير متضمنة كلف الوقود المجهز وباسلوب شراء ملزم (خذ/ ادفع) والتي لا يمكن تحقيقها من ايرادات الجباية لاسباب فنية ومالية وادارية.
جي إي وسيمنز
ويحق لنا بعد ذلك أن نتساءل بكل صراحة ايضا: هل الاعلان مؤخرا عن توقيع مذكرتي تفاهم مع شركتي جي اي الاميركية وسيمنز الالمانية لتطوير المنظومة الكهربائية لمشروعين غير قابلين للتنفيذ بسبب عدم قدرة وزارة النفط على تامين كميات الغاز المطلوبة لتشغيل المحطات الغازية التي سيجري توسيعها الى الدورة المركبة والمحطات الجديدة الاضافية ذات السعات العالية والمشابهة الى سعات محطات المشروع المصري (Mega Project) وحسب البرنامج الذي قدمته الشركتان بانجازه خلال الثلاث سنوات المقبلة, ام كان اعلانا سياسيا لامتصاص غضب المواطن في تضاهراته البصرية. ان الصيف المقبل ليس ببعيد, ليدرك أبناء شعبنا بعض الحقائق التي تقف وليدرك أبناء شعبنا بعض الحقائق التي تقف وراء ازمة الكهرباء التي اصبح فيه قطاع الكهرباء حقلا لتجارب الكتل السياسية. وليقارن ايضا قطاع الكهرباء في ظروفه في العراق مع بلدان اخرى وفى ظروف اخرى.