عشرة أسباب تستوجب تشريع قانون جديد لشركة النفط الوطنية

د. باسم سيفي:

في آذار 2018 شرع مجلس النواب العراقي وعلى عجل وفي غفلة وجهل معظم النواب قانون شركة النفط الوطنية الجديد الذي أثار جدلا واسعا ونقدا شديدا من عدد كبير من المتمكنين في النفط والاقتصاد والسياسة. وقد قام عدد منهم بطعن دستورية القانون امام المحكمة الاتحادية واصبح القانون والاجراءات المتخذة بصدده كمثال لمهزلة تحايل ديمقراطي يقوم فيها ابطال اللعبة بألاعيب فجة بعيدة عن الروح الديمقراطية وتعاليم رموزنا بأن «لا نكسب الحق بالباطل».
في الاونة الاخيرة جاء خبر مفاده بأن الامانة العامة لمجلس الوزراء طلبت من وزارة النفط كتابة مسودة جديدة لقانون شركة النفط الوطنية تأخذ بنظر الاعتبار الانتقادات والجوانب السلبية التي سجلها المهتمين بالمصلحة العراقية والقانون رقم 4 لسنة 2018 الخطير. أرى بأن تشريع قانون جيد لشركة النفط الوطنية يستدعي النظر بسلبيات القانون الحالي والسماح بنقاش واسع يشمل ممثلي الشعب العراقي في مجلس النواب والخبراء خارج منظومة وزارة النفط.

ما أراه سيئا وخطيرا في القانون رقم 4 لسنة 2018 ما يلي:

اولا:
القانون يدعو لانشاء مؤسسة عملاقة بيروقراطية تشمل كل ما يتعلق بالنفط والغاز العراقي من البحث والاستخراج وحتى التسويق والعمليات الصناعية. يوجد تباين واضح في طبيعة عمل الشركات والمؤسسات المرتبطة بالنفط والغاز، فبعد فصل الغاز المصاحب عن النفط تصبح عمليات معاملة الغاز والنقل والتصنيع والتسويق والاستخدام الحالي والمستقبلي لا علاقة لها بالنفط. ما يراد من شركة النفط الوطنية هو الاهتمام بعمليات الاستخراج النفطي المبعثرة حاليا في شركات وحقول متعددة تغطي مساحات واسعة من الامتداد الجغرافي للعراق، وهذا ذو علاقة ضعيفة ليس فقط باستخدام الغاز الطبيعي بل ايضا مع تسويق النفط والمصافي والصناعات البتروكيماوية.

ثانيا:
القانون يجعل من شركة النفط الجديدة، وهي مؤسسة غير ديمقراطية معظم العاملين فيها سيكونون من ذوي الذوات والمتنفذين من المهنيين برغم ان رئيس واعضاء مجلس ادارة الشركة قد يعينون من قبل المؤسسة الديمقراطية، مؤسسة عملاقة فوق مؤسسة الحكومة الديمقراطية فهي المسؤول الاول لتوزيع ارباح النفط والغاز بعد تحديد التكاليف مع الشركات المختلفة. الشركة تسلم على الاكثر 90% من ارباح النفط والغاز لخزينة الدولة وتقرر ما تراه مناسبا في توزيع موارد النفط والغاز برغم انها لا تمثل الشعب العراقي الذي ينتخب ممثليه كل اربع سنوات.

ثالثا:
ينص الدستور بأن النفط والغاز ملك الشعب العراقي في جميع المحافظات والاقاليم، وهذا لا يمكن تفسيره بعدم شمول الاجيال المقبلة. النص وكما افسره يعني تحقيق عدالة نسبية في التوزيع بين مواطني الاقضية والمحافظات، بين القطاع العام والخاص، وبين الاجيال الحالية والمقبلة، والاخير يعد اساس التنمية المستدامة حيث يجب ترك امكانية للاجيال المقبلة بتحقيق مستوى معيشي لا يقل عن مستوى معيشة الاجيال الحالية. فبأي حق تتسلم الشركة جميع ايرادات النفط والغاز وتقرر التوزيع؟

رابعا:
الشركة كأي شركة في العالم عرضة للمحاسبة القانونية وحكم التعويضات، افلا يعني هذا تعريض ملكيات الشعب للخطر؟، خاصة وحق الشركة في التصرف في النفط والغاز العراقي والانتاج بمستوى تراه الشركة مناسبا وليس الشعب وممثليه. لاسباب متعددة ستتحيز الشركة لصالح مستويات عالية من الانتاج واستنزاف النفط ومع الغاز المصاحب خلال ثلاثة او اربعة عقود وايضا لبيع النفط وهو في المكمن. وهل هناك فقرة في القانون تمنع الشركة من بيع النفط والغاز وهو في مكامنه؟.

خامسا:
اعفاء الشركة من قوانين عديدة تسري على الشركات العراقية والعاملة بالعراق امر محير ويدعو الى القلق لفتح باب الاستثناءات للقوانين العراقية من قبل الشركات المتنفذة والقادرة على شراء الذمم. كما وان استقلالية الشركة في تحديد رواتب وامتيازات العاملين فيها يجعلها مكان لنخبة النخبة التي لا تشارك بقية العراقيين في المساوات امام القانون. التقاتل على منصب وعمل في الشركة سيكون اضعاف ما موجود في تعيينات الدولة حاليا.

سادسا:
تركيز كبير لسلطة القرار والتحكم بموارد هائلة تقدر بمئات المليارات من الدولارات يجعل الشركة هدفا لانواع متعددة من التدخلات والرشى من الداخل والخارج. في الداخل سنرى تكالب المتنفذين وقادة المكونات في الحصول على مواقع متقدمة في الشركة حيث العقود الكبيرة وآفاق مكاسب وامتيازات متنوعة. ومن الخارج سنرى تكالب الشركات العالمية للحصول على جزء من غنيمة الشركة وعقودها وبالاخص حصة من النفط وهو في المكامن.

سابعا:
الشركة عليها مراجعة عقود الخدمة التي وقعتها الحكومة الاتحادية وليس عقود المشاركة التي وقعتها حكومة كردستان. وهو ما اعده بداية شرعنة العقود النفطية غير الدستورية التي وقعتها حكومة الاقليم وايضا فتح باب التحايل على عقود الخدمة وجعلها مشاركة يسيل لها لعاب الشركات الاجنبية ويضاعف من استعدادها للرشى بعشرات المرات. تصوروا تعاظم امكانية الفساد من عقد شراكة يتمحور حول حقل به مليار برميل (قيمته بالاسعار الحالية 80 مليار دولار) مقارنة بجعل انتاج الحقل نفسه عقد خدمة وانتاج سنوي 30 مليون برميل (مثلا تكلفة 8 دولارات للبرميل وربح 2 دولارات).

ثامنا:
الشركة تهمش دور وزارة النفط وتضم اليها شركات وطنية متعددة لم تشكل اعتباطا ويجب ان يكون لديها درجة من الاستقلالية لضمان كفاءة في العمل ورقابة مباشرة الدولة والقطاع العام. وضع شركات ومؤسسات عديدة عاملة في المجال النفطي والغازي وحسب ما ورد في القانون تحت اشراف وسيطرة شركة واحدة هي شركة النفط الوطنية يجعل من الاخيرة شركة عملاقة واخطبوطية وبيروقراطية لا يمكنها تحقيق كفاءة عالية في المجالات المختلفة. من المعقول ان تسيطر الشركة او يكون لها دور مؤثر على شركات الاستخراج المنتشرة وايضا شركات الحفر والاستكشاف والنقل والتحميل وحقن الماء، اما ادارة التسويق وعمليات الغاز والمصافي والبتروكيماويات، سيكون بعضها خاص او مشتركة الملكية، فلن تضيف الشركة الام ايجابيات تذكر بل كثير من السلبيات.

تاسعا:
العالم كشركات وحكومات يتجه نحو اللامركزية واحترام التخصص والشفافية وشركتنا تمشي بعكس ذلك فالمركز هو الاعلم والاكفأ ويجب سيادة السري والسري للغاية. شركات كثيرة عملاقة وعالمية فضلت في السنوات الاخيرة تجزئة الشركة حسب الوظيفة لتحقيق استقلالية وكفاءة اكبر. ونرى ايضا تنامي الضغوط على الشركات وبالاخص العاملة في الاستخراج النفطي بان تحترم مبدأ الشفافية وتهجر سياسة السري والسري للغاية التي تنفع الفاسدين وليس المجتمعات. في اواخر 2017 اخرجت مبادرة الشفافية الدولية في النفط العراق من قائمة البلدان الملتزمة بالشفافية.

عاشرا:
الالية والاسلوب الذي من خلاله شرع القانون وصودق عليه من قبل رئيس الجمهورية عليه اكثر من علامة استفهام دستوريا وتنظيميا واخلاقيا. اصل القانون اعدته وزارة النفط وبقى نائما لدى مجلس النواب لاشهر عديدة وفجأة برز للسطح بعد اجراء تعديلات عليه من قبل نفر معدود وخلال ايام او اسبوع في آذار 2018 وافق عليه مجلس النواب الذي ستنتهي اعماله خلال شهر او شهرين دون ان نعرف متى جرت القراءة الاولى والثانية. لم نسمع بمناقشة القانون في المجلس ولا خارجه ورئاسة الجمهورية صادقت عليه مباشرة. فأية قوى متمكنة وخبيثة كانت وراء تشريع القانون؟، وهناك ايضا المهزلة الاخيرة في تعيين رئيس للشركة ومجلس ادارة لها بمخالفة صريحة حتى للقانون نفسه.
ما نراه مهما في تشريع قانون جيد لشركة النفط والغاز الوطنية وحسب الحجج المقدمة اعلاه هو تشريع قانونين واحد لاستخراج النفط وآخر لادارة الغاز الطبيعي للاستهلاك المحلي على امتداد القرن الحالي وما بعده. ستراتيجية جيدة لادارة الغاز تختلف عن استراتيجية النفط من نواحي عديدة، كمية المتوفر، عمليات النقل والمعاملة والتوزيع، الصناعات، وايضا التطور المستقبلي في انتاج غاز الميثان الصناعي وغاز الهيدروجين وطرق الاستخدام. كما ويجب تفادي دمج او ربط مؤسسة التسويق او ناقلات النفط او المصافي والبتروكيماويات بشركة النفط الوطنية. المهم التأكيد بانها الشركة الوطنية المسؤولة عن الاستخراج النفطي في كافة مناطق العراق وليس بيع النفط العراقي سواء في مكامنه او بعد الاستخراج.
شركة النفط الوطنية يجب ان لا تملك النفط العراقي ولا تتدخل وتزج في مسألة توزيع الموارد التي هي مهمة القادة والمؤسسات المنتخبة من قبل الشعب. نجاح الشركة الوطنية، وغيرها من الشركات والمؤسسات النفطية والغازية وحتى الدولة، مرتبط بدرجة كبيرة بممارسة الشفافية العالية في جميع العمليات من تشريع قانونها وتنفيذ انشاءها وحتى العقود التي تبرمها الشركة والاجراءات التنظيمية والحسابية والادارية التي تتخذها. عهد السري والسري للغاية النافع للفاسدين وذوي النفوذ يجب ان ينتهي، والشركة والعاملين فيها يجب ان لا يتصورا بأنهم شعب الله المختار لا يعاملون مثلما تعامل الشركات العراقية ومثلما يعامل المواطنين العراقيين.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة