رحلة ستين عاماً من التكية الى قصر السلام
( لقاء العمر)
الحلقة 13
تضع “الصباح الجديد” بين يدي القارئ الكريم ما يمكن أن يوصف بمذكرات للرئيس الراحل جلال طالباني، وتتميز المذكرات وهي عبارة عن بوحٍ متصل للأستاذ صلاح رشيد، بأنها صورة مفصلة بل تشريح سياسي لمرحلة حاسمة في تاريخ العراق تشمل السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات وحتى يومنا هذا.
وعلى عكس ما عُرِف عن مام جلال من دبلوماسية ونزوع نحو التسويات التي عرف بها خلال ثماني سنوات من جلوسه على مقعد رئاسة الجمهورية العراقية، فأنه على العكس من كل ذلك يدلي بآراء في غالبيتها إشكالية، ونحن لا نتحدث عن المعلومات وسرد المعطيات التاريخية لعلاقته بصدام حسين وفرقه المختلفة للتفاوض مع الاكراد، بل أنه يتجاوز الى العلاقة مع إيران وسوريا والولايات المتحدة وبقية الأطراف التي كان لها تماس مع الملف العراقي في مراحله المختلفة، لكننا نتحدث عن الآراء المتعلقة بالشخصيات التي رافقته خلال مرحلة بناء الاتحاد الوطني الكردستاني وتشكيله للبؤرة السياسية في اعقاب عام (1975م) وهزيمة الثورة الكردية أثر اتفاق الجزائر بين الشاه وصدام.
وتشكل المذكرات إنارة معمقة للطريقة التي اتبعها مام جلال في معالجته للتحديات والحلول التي خرج بها لتجاوزها، ولكنها لا تخلو أيضًا من اضاءة البعد الشخصي لمام جلال مما يساعد في نهاية المطاف الباحثين السياسيين والمواطنين على حد سواء العرب والاكراد على الاطلاع على أسرار لم يجرِ التطرق اليها في الماضي.
وغني عن القول أننا في “الصباح الجديد” نعدّ هذه المذكرات شهادة تاريخية من شأنها أن تستكمل المشهد السياسي العراقي الراهن، وهي تنطوي على مفاجآت وطرائف لا يمكن لأحد من خارج الدائرة الضيقة لمام جلال أن يطلع عليها.
“الصباح الجديد” سوف تنشر القسط الأساسي من هذه المذكرات، وهي لا تتحمل مسؤولية أي آراء قد تنطوي على بعض القسوة هنا وهناك، وستحاول تخفيفها بقدر الإمكان، ونأمل أن يتجاوب الساسة الكرام في كردستان وفي الفضاء العراقي من خلال هذه العملية ويسهموا بدورهم في إضاءة بقية المشهد.
إعداد: صلاح رشيد
ترجمة: شيرزاد شيخاني
الإعلام الحزبي و جريدة خبات
*كيف تم الحصول على ترخيص إصدار جريدة الحزب؟
– إجازة الحزب وترخيص صحيفتها مسألتان مختلفتان، فبعد سقوط الحكم الملكي و نشوء الجمهورية في العراق، ذهب وفد رفيع المستوى من الحزب الى بغداد برئاسة الأستاذ ابراهيم أحمد و إلتقى بالضباط الأحرار. وفي داخل وزارة الدفاع ألقى الأستاذ ابراهيم أحمد خطابا تاريخيا، ثم زار الأحزاب و القوى العراقية و إستطاع الوفد أن يدرج نصوصا في الدستور العراقي الجديد، منها “أن الكرد والعرب شركاء في هذا الوطن” و “أن هذا الدستور يقر الحقوق القومية لكل المكونات”. وكان الوفد يسعى لإضافة عبارة “على أساس الحكم الذاتي”، لكن أيا من الأحزاب العراقية لم توافق على ذلك، لذلك لم تثبت في الدستور.
على كل حال لم تكن صياغة الدستور بالشكل الذي جرى ملبية لطموحات البارتي، بل كان يجسد رأي وموقف الحزب الوطني الديمقراطي وحزب الإستقلال وغيرهما، وبناء على ذلك تم الترخيص بإصدار جريدة سياسية خاصة بالحزب. وكان وزير الثقافة في ذلك الوقت هو الأستاذ صديق شنشل، وكان من عقلاء حزب الإستقلال و يرتبط بعلاقات جيدة مع الكرد، وهو من أهل الموصل ويقال بأنه من أصول كردية على أساس قرابته من جهة العائلة الى سكان قضاء العمادية أو ديار بكر، ولكنه كان معروفا كرجل عاقل و متزن و منفتح على الآخرين. بعد ثورة 14 تموز تقدمت عدة أحزاب لنيل الإجارة لإصدار صحفها و فعلنا الشيء ذاته.
في البداية حصلنا على إجازة إصدار جريدة رزكاري ثم تلتها إجازة جريدة خبات، وأعتقد بأن جريدة رزكاري صدرت بموافقة عبدالكريم قاسم حيث طلب ذلك منه الأستاذ ابراهيم أحمد أثناء لقائهما، أما جريدة خبات فقد حصلت على الموافقة الفورية من الأستاذ شنشل وفقا لصلاحياته، وكانت خبات تصدر باللغتين الكردية والعربية، وللأسف وقعت هذه الجريدة تحت يد الجماعة الموالية للحزب الشيوعي فتحول الى مجرد بوق دعائي للحزب الشيوعي العراقي. فعلى سبيل المثال كانت خبات تكتب “يجب على كل العمال والفلاحين في كردستان أن ينضموا الى الحزب الشيوعي، أما الملاكون والبورجوازيون فمكانهم داخل البارتي”. وهكذا كان الحزب يدعو الناس الى أن لا ينضموا إليه بل الى حزب آخر! كما كانت الجريدة تروج للحزب الشيوعي بأنه الحزب الطليعي، فعلى سبيل المثال في الأول من أيار كان العنوان الرئيس لجريدة البارتي “تحية للطبقة العاملة العراقية وحزبه المقدام الحزب الشيوعي العراقي”!
خضنا صراعا مريرا مع هذا التيار الناشيء داخل الحزب، وكنت رأس الرمح في كل ذلك، لأنني كنت مطرودا وهم يوجهون سيوفهم نحوي، وأنا لم يكن عندي شيء أشغل به نفسي سوى خوض ذلك الصراع مع هذه المجموعة، وكنت أتجول من مدينة الى أخرى ومن تنظيم الى آخر لكي أحرض الناس ضد الغاء الحزب وجعله حزبا للبورجوازيين والملاكين، كنت أدعو الى تحويل الحزب الى حزب طليعي يقود العمال والكادحين والمثقفين الثوريين في كردستان. كما عارضت حل إتحادي الطلبة والشباب و إتحاد نساء كردستان. بإختصار كنت أريد إعادة الحزب الى ما كان عليه بين عامي 1957 و1958، وهم يريدون جعله ذيلا للحزب الشيوعي، نشاطي هذا لقي تأييدا واسعا بأنحاء كردستان للعمل ضد تلك القيادة التي ضمت همزة و نزاد و خسرو و الحيدري و حميد عثمان. وفقدت الجماعة شعبيتها داخل البارتي فيما عدا الملا مصطفى الذي كان يؤيدهم و يدافع عنهم، و خاصة أنه هو بذاته فرضهم علينا قسرا، وحين تأزمت علاقتهم معه بمجرد إجتماع واحد قصير تم طردهم جميعا من الحزب و تشكل مكتب سياسي جديد، وهكذا عادت السيطرة الى جناح الثوريين.
في هذا الوقت كان الأستاذ ابراهيم أحمد رئيسا للتحرير وصاحب إمتياز جريدة خبات، ولكن بعد حصول الحزب على الاجازة الرسمية وإعطائه حقا لإصدار جريدة خاصة به، تنازل الأستاذ عن مسؤولية الجريدة لصالح الحزب، وحصل تاليا على إجازة رسمية لجريدة سماها بـ”كردستان” وأصبحت أنا رئيسا لتحريرها وكانت جريدة يوية تصدر باللغتين العربية و الكردية في بغداد.
* كم دام صدورها؟
– عدد قليل لايتجاوز خمسة أو ستة أعداد تصدر إسبوعيا ثم أغلقت، و كانت إمتدادا لجريدة خبات، و معظم مقالاتها الإفتتاحية يكتبها الأستاذ إبراهيم أحمد بقلمه.
* ومن غيركم يحررون الجريدة؟
– كان هناك عدد من الكتاب الدائميين منهم الأستاذ حلمي علي شريف و الدكتور عزيز شمزيني و أنا، بالإضافة الى شاب سوري يدعى خليل محمد ذهب الى موسكو لإتمام دراسته بزمالة من البارتي نال الدكتوراه وأعتقد أنه بقي هناك ولم يعد. كما هناك حبيب محمد كريم الذي يداوم بالجريدة بعد الظهر، أما المسائل الداخلية يحررها الأستاذ عبدالمجيد لطفي و كذلك الأستاذ جرجيس فتح الله، هؤلاء كانوا الكتاب الأساسيين بالجريدة.
* إذن بعد حصولها على الإجازة الرسمية أصبحت خبات هي الجريدة المركزية للحزب؟
– كانت خبات منذ البداية تعبر عن سياسات الحزب لأنها تصدر من قبله، وصاحبه أيضا عضو قيادي من البارتي ومن يكتبون فيها إما هم أعضاء بالحزب أو من مؤيديه، لكن لم يدرج أنها لسان حال الحزب، ولكن بعد تنازل الأستاذ ابراهيم أحمد عن رئاستها أضيفت عبارة “لسان حال الحزب الى الجريدة”.
حركة الشواف في الموصل
*في تلك الفترة وقعت أحداث حركة الشواف بالموصل، هل كان للبارتي أي دور أو علم بها؟
– كان العقيد عبدالوهاب الشواف أحد الضباط الأحرار المغامرين والمتطرفين، وما يلفت النظر ويثير الأسى أن الشواف لم يكن قوميا ولا يمينيا، بل يساري ثوري ديمقراطي ويعتبر على ملاك الحزب الوطني الديمقراطي ثم محسوبا على الحزب الشيوعي، وكان له أخ وزيرا في حكومة قاسم. و أتذكر جيدا أنه كان آمرا لحامية الموصل و كان ذلك منصبا مهما و كبيرا لأن الحامية كانت تشرف على جميع مناطق كردستان ماعدا كركوك.
وكان الشواف أحد الضباط المتطرفين الذين يدعون للإسراع بالثورة، وبسبب موقفه هذا أبعد عن الخطة ولم يكلف بأي دور فيها، وحين قامت الثورة رأى نفسه مظلوما لأنه أحد الضباط الأحرار الشجعان الذين دعوا للثورة. هذه المسألة أثارت حفيظته، خاصة بعد أن إتفق عبدالسلام عارف وعبدالكريم قاسم على رفض تأسيس مجلس لقيادة الثورة. وقال عبدالسلام للضباط “ليست هناك حاجة لتشكيل هذا المجلس، فأنتم لم تصنعوا الثورة بل نحن من صنعناها”.
كما ساهمت بعض التصرفات الصبيانية للحزب الشيوعي في الموصل بإبعاد الشواف، خاصة تصرفات غير موضوعية بدرت من عبدالكريم قاسم و رفضه لمطالب بعض الضباط الأحرار، كل ذلك ساهم في إغضاب الشواف ودفعه نحو التحرك.وكان هناك من ينفخ فيه ويقول له “أنت منقذ العراق، والبلد سيتحرر بساعدك“ كل ذلك ساهم في تمرد الشواف.
فجاء الشواف الى بغداد و إلتقى بقاسم و طلب منه نقله من الموصل وتوسل اليه أن لايعيده اليها، وقال “إن مؤتمر السلام سيعقد في الموصل وهذا التنظيم موال للحزب الشيوعي و هناك مخاوف من حدوث مصادمات قد تحدث لنا مشكلة لأن جميع المجموعات موجودة هناك”، وأضاف “كنت أنا مع تلك الجماعة وأحبهم، ولكن أرجوك لاتسمح بإنعقاد المؤتمر في الموصل وإلا فستحدث مصادمات نحن في غنى عنها، يجب أن لا تسمح بدخول قوافلهم الى الموصل لأني لا أتحمل تداعيات ما سيحصل هناك”. لكن عبدالكريم أصر على إنعقاد المؤتمر في الموصل، وعليه طلب الشواف بعدم إعادته الى هناك. ولكن قاسم رفض ذلك أيضا، وقال للشواف “دعهم يذهبوا الى هناك ويفجروا الوضع، وسآتي أنا لأخمدها”، وهذا ما قصم ظهره فيما بعد.
كان الملا مصطفى على علم بوجود حركة تمردية من قبل الضباط القوميين عن طريق عبدالواحد بامرني. وكان هذا عميدا كرديا في جهاز الإستخبارات، أبلغ البارزاني بنية هؤلاء الضباط وهو بدوره أبلغ قاسم بالمؤامرة. كان بإمكان قاسم لو أراد أن يحول دون حدوث الكارثة، وأن يبقي الشواف لديه ولا يرسله الى الموصل، ثم يستدعي الضباط المتآمرين لإعتقالهم وبالتالي درء الكارثة، لكنه لم يفعل.فعاد الشواف مرغما وغاضبا الى الموصل ووصلتها قبله جماعة أنصار السلام وأصروا على عقد المؤتمر، وهكذا تصادم أهل الموصل مع القوميين العرب وحدث ما حدث.
سميت الحركة بإسم “حركة الشواف” وحدث إستعجال في الأمر، لأن ناظم الطبقجلي وهو من القوميين لم يكن قد تهيأ بشكل مطلوب ويطلب أن تبدأ الحركة بشكل هاديء ثم بعد ذلك وضع خطة للتخلص من عبدالكريم قاسم. وهذا الإستعجال أدى الى حدوث خطأ فادح من قبل الحركة حين أعلنوا أن الحركة تحظى بدعم من الجمهورية العربية المتحدة. كما أن القوميين أبلغوا الشواف أنهم إنضموا الى الطبقجلي لكي ينتفض ضد دكتاتورية و فردية حكم قاسم، ولم يكن الطبقجلي يعلم ذلك، فقد كان نزيل بيته وحين سمع الخبر من الإذاعة، كانت المؤامرة قد بدأت وظهر بأن معظم المشاركين فيها هم من أنصار الاسلام الوافدين الى الموصل وقد ألقي القبض عليهم أو تم قتلهم. هذه حقائق يجب أن تقال لأن الكثيرين لا يسردون أحداث التاريخ كما وقعت، بل يسردونها على هواهم، كان كامل القزانجي(2) شخصية وطنية تقدمية مثقفة، وهو من المسيحيين، وهو من يقود حركة أنصار السلام ولكنه لقي حتفه داخل السجن مع بعض رفاقه، وهكذا إنفض الناس عن حركة الشواف، ولم يلحق عبدالكريم قاسم بإرسال قوات الجيش لإخمادها بل أرسل طائراته لقصفهم، وهنا بدأ الناس يتمردون على ضباط الحركة، وخاصة أن معظم الضباط والمراتب العسكرية كانوا يحبون عبدالكريم ويخلصون للجمهورية، و بتأثير موقف البارتي و الشيوعي و الإتجاه الديمقراطي وقفوا ضد تلك الحركة، وعليه فإن الكرد ومعهم الشيوعيون و العسكر إنقلبوا على الحركة حتى يتجرأ عريف بالجيش على قتل الشواف عندما كان في طريقه للتداوي من جروح أصابته، وهكذا إنتهت حركة الشواف.
وفي الحقيقة كانت حركة تمرد فوضوية غير منظمة، بالإضافة الى كونها حركة غريبة نوعا ما، فعبدالوهاب الشواف قاد حركة قومية، في حين أنه كان بالأساس تقدميا وديمقراطيا يساريا، بمعنى أنه لم يكن قوميا، ولهذا السبب فشلت حركته في تحقيق أهدافها ودفع حياته ثمنا لذلك.
* ومتى وقعت تلك الأحداث؟
– وقعت في 8 آذار 1959، وكنت حينها في السنة الأخيرة من دراستي بكلية الحقوق وصدر قرار بزحف الطلاب الى الصفوف المتقدمة، ولكني رفضت ذلك، لأنه كان مطلوبا أن أتخرج من الصف الثالث الى الرابع، ورفضنا ذلك لأننا خفنا أن نعاب فيما بعد و نوصف “بالمتخرج الزاحف“ وعليه رفضت و معي حبيب محمد كريم و رجعنا الى صفوفنا السابقة.
وأود أن أذكر بأنني قرأت قبل سنوات تحليلا جميلا في ميدل إيست وتش كتبته سيدة أميركية حول تلك الأحداث و وجدتها أقرب الى الصحة حين قالت “إن ماحدث في الموصل يعود الى العداء المستعر الذي يهيج المكونات العراقية منذ سنوات خلت، حيث ظل ذلك العداء يفور إجتماعيا حتى إنفجر مع تلك الحركة، فمن أسبابها العداء القومي الكردي العربي، ثم العداء المسيحي الإسلامي المستحكم، وكذلك صراع الفقراء مع الأغنياء، والعداء السياسي بين الشيوعيين والبعثيين، وهكذا إنفجر الصراع”. ولا أستطيع القول بأن قيادة الحزب الشيوعي هي من أوعزت بتفجير الوضع وقيادة الصراع، ولكن الحقيقة أن الكوادر المناطقية للحزب الشيوعي كانت لهم القدح المعلى والدور الرئيسي فيها، فقد كانت سياسة العنف اليساري داخل الحزب هي أساس الخطأ الفادح الذي حصل، فهم كانوا يتصرفون كالحكام في حين أنهم لم يكونوا في السلطة، وإرتكبوا أخطاء وتجاوزات قانونية حسبت عليهم في الموصل، ومع ذلك أستطيع القول بأن جل ما حدث كان عفويا وردود فعل غاضبة كما أشارت السيدة الأمريكية الى الجروح التي لم تندمل الى اليوم.
وكانت لبعض العشائر الكردية يد فيما حصل بأمر من البارزاني، وفي الحقيقة لم أكن أعرف ذلك لأنني كنت طالبا في الجامعة وكنت مجمدا من قبل الحزب وليست لي أية مسؤولية حزبية، ولكني علمت فيما بعد أن البارزاني أصدر أمرا الى العشائر الكردية والى جميع البارزانيين بمناصرة عبدالكريم قاسم لإخماد تلك الحركة.وهكذا شارك الكرد فيما حدث ولكن ليس بإسم البارتي وبشكل منظم، بل بإسمائهم كعشائر وبارزانيين.
* بتزامن ماحدث في الموصل، وقعت أحداث مشابهة في كركوك، فما سبب تفجر الوضع هناك أيضا؟
– حركة الشواف بدأت في مارس عام 1959، ولكن أحداث كركوك وقعت في تموز1959، وكما قلت حين وقعت أحداث الموصل لم تكن لي أية مسؤولية حزبية ولكن جاءني بعض الأصدقاء وسألوني عن رأيي، فأجبتهم “بأن ماحدث هو شيء مفزع وخطير”. وكان بين الذين زاروني شخص يدعى حسام الدين طيب عضو في حزب الشعب، وفي ذلك الحين كنا قد أوفدنا الأستاذ عمر دبابة الى كركوك لكي يبلغ الكرد هناك بعدم المشاركة في الحركة، وكان رأينا أن لانشارك في الحركة، ولكن الحزب الشيوعي كان يحث الكرد على المشاركة منهم أعضاء و كوادر من البارتي مثل الملا ماتور الذي خطف عدة سيارات ولكن عمر دبابة أرغمه على إعادتها وعنفه على ذلك وقال “كيف يحصل هذا، هذا نهب وسرقة، كيف نستطيع كسب الأخوة التركمان ونتحدث عن الأخوة التركمانية الكردية”. هذه التطورات أغضبت عبدالكريم قاسم سواء ما حصل في الموصل أو في كركوك، ولذا ألقى خطابا في كنيسة ماريوسف ببغداد أدان فيه لأول مرة المصادمات التي حصلت في الموصل وكركوك، وكانت هذه بداية لتعكر العلاقة بين قاسم والشيوعيين.