مايكل نايتس*
يبدو أن المجتمع الدولي استفاق أخيراً في نهاية الأسبوع الماضي وأدرك الأزمة الإنسانية التي تلوح في أفق بلدة آمرلي في شمال العراق والتي تضم نحو 12 ألف تركماني من الطائفة الشيعية التي تتعرض منذ أكثر من ستين يوماً لهجمات تنظيم «داعش». وفي تغريدة لرئيس «بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق» نيكولاي ملادينوف يوم السبت على موقع تويتر، حث الأسرة الدولية «على فك الحصار عن #آمرلي وضمان إيصال المساعدات الإنسانية إليها.»
وتجدر الإشارة إلى أن آمرلي تمثل المجتمع الشيعي الأكبر والوحيد الذي لا يزال يقع وراء الخطوط الأمامية لـ تنظيم «داعش». ففي البلدات المجاورة حيث وقعت العائلات التركمانية الشيعية في الأسر، عمدت «داعش» إلى تقسيم هذه العائلات حيث أخذت الرجال والفتيان للقتل ورحّلت النساء والفتيات بالحافلات لاستخدامهن كدروع بشرية أو بيعهن كسبايا أو أحياناً لاغتصابهن وقتلهن.
والآن يبدو أن «داعش» تضاعف جهودها لاكتساح البلدة. فمراكزها العسكرية تبعد أقل من ميل عن المحيط المؤقت الذي رسمه سكان المنطقة غير المسلحين بما يكفي لقتال عناصر «داعش»، بينما لا تسمح صواريخ التنظيم بقيام المروحيات العراقية بتزويد البلدة بالإمدادات ونقل الفئات الأضعف من السكان. وإذا ما فشل هذا الدفاع الهش سنجد أنفسنا أمام مجزرة مشابهة لتلك التي ارتُكبت في سربرنيتسا في تموز/يوليو 1995 بحق أكثر من 8000 مدني من البوسنة تحت أنظار الأمم المتحدة.
ومع وجود ملاذٍ آمن على بعد أربعة أميال فقط في المنطقة الشمالية الخاضعة للسيطرة الكردية، ينبغي على الأسرة الدولية وتحديداً الولايات المتحدة التدخل فوراً لتسهيل فتح ممر للإغاثة إلى آمرلي. فتواجد آلاف المدنيين الشيعة في المناطق الخاضعة لسيطرة «داعش» يمنح هذا التنظيم فرصةً لإثارة نعرات طائفية من شأنها أن تطغى على جرائمه السابقة وتغرق العراق في موجة تفكك واسعة النطاق يتعذر التعافي منها. فإذا قامت الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران بتحرير آمرلي بمفردها، قد تتحول أي عملية إغاثة إلى ثوران طائفي عندما تبدأ هذه القوات بالانتقام من السنة المحليين. ولكن إذا عملت الولايات المتحدة على تسهيل المساعي المشتركة لتحرير آمرلي على غرار العملية الأخيرة التي تمت من خلالها استعادة سد الموصل، فإن القتال ضد «داعش» فضلاً عن الجهود المبذولة لتحقيق الاستقرار في العراق ستستمد قوة أكبر كمثال آخر على التعاون بين الحكومة الاتحادية و «حكومة إقليم كردستان». بالإضافة إلى ذلك، يوفر رفع الحصار عن البلدة إمكانية تحقيق نصر لا مثيل له على ثلاث جبهات: فبغداد وإيران ستحميان بذلك مجتمعاً شيعياً مهماً، كما أن كردستان ستُظهر للأقليات غير الكردية المقيمة في مناطقها بأنها ستؤمّن لها الحماية، بينما ستضطلع تركيا بمسؤولياتها، كحامية تاريخية للتركمان، وذلك على الأرجح من خلال تنظيم إجلاء طبي جوي كما فعلت سابقاً حين تعرضت البلدة لانفجار بشاحنة مفخخة في عام 2007.
لقد حاول العراقيون مراراً وتكراراً تحرير آمرلي بأنفسهم، لكن دون جدوى. ففي الثامن من آب/أغسطس، سعت مجموعة من عناصر الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران إلى اختراق المنطقة من ناحية الشمال، غير أن إحدى دبابات «داعش» كانت لهم بالمرصاد وقضت على تلك المجموعة. وفي الواقع كان بإمكان مروحية أمريكية واحدة القضاء على تلك الدبابة دون وقوع أي خطر تقريباً على القوى الصديقة أو المدنيين.
وبما أنني عملت في العراق لما يزيد عن عقدٍ من الزمن، فلن أشجع بخفة الجيش الأمريكي على استخدام القوة على اختلاف أشكالها. بيد، تشكل آمرلي فرصة واضحة بشكل غير عادي للحد من المعاناة البشرية وإضعاف «داعش» والقضاء على خطر رئيسي يهدد الاستقرار الأساسي في العراق. وليست هذه الخطوة قمة منحدر يؤدي إلى التصعيد غير المتعمد: وفي الواقع تعتبر آمرلي حالةً مروعة على نحو فريد ولها حلٌّ بسيط وقابل للتحقيق – وهو شن ضربات جوية أمريكية منسقة يرافقها هجوم مشترك بين بغداد و«حكومة إقليم كردستان» وهدفها فتح ممر إنساني. وتحلّق فوق العراق حالياً مروحية «بريداتور» مزودة بصاروخ من نوع «هيلفاير»، وربما سيُطلق هذا الصاروخ يوماً ما على دبابة قديمة خارج الخدمة في حقل تدريب حين تنتهي مدة صلاحيته, أو يمكن إطلاقه اليوم وإنقاذ 12 ألف شخص.
*مايكل نايتس هو زميل ليفر في معهد واشنطن ومقره في بوسطن.