قانون احتساب مدة ممارسة المحاماة

وجدان المعموري:

‎كانت مؤسسات الدولة العراقية تعاني كثيراً من افتقارها للعمل على وفق الأطر القانونية المهنية، وكانت اشتغالاتها تسجل خروقات كبيرة يترتب عليها خسارات فادحة في المال العام، مع تخريب لحرمة الخدمة العامة، ذلك بسبب الروتين وعدم تفعيلها للنصوص القانونية التي تنظم العمل الوظيفي حينها، والتي تحتاج الى متخصصين، وبسبب من عزوف خريجي كليات القانون وقتها عن الانخراط في الوظيفة العامة، وبسبب عدم وجود عناوين وظيفية قانونية أصلاً، تُفردها المؤسسات الحكومية، وإن وردت جدلاً فهي قليلة للغاية، استشعرت الدولة، ضرورة ماسة لوجود الاختصاص القانوني في مؤسساتها، وكان ذلك واضحاً في قرار مجلس قيادة الثورة المنحل رقم(٧٦٧ لسنة ١٩٧٣)، والذي رسم آلية تشغيل المحامين المنتمين للنقابة، للترافع في الدعاوى المقامة من وعلى المؤسسات الحكومية، ليكون الوزير المختص أو رئيس الدائرة ،هو من يُوكلهم بوكالات تصدر عن أي منهما، مما يعني حاجة ملحة لتعيين قانونيين على الملاك الدائم للوظيفة العامة، ولا جديد إذا قلنا ان خريجي كليات القانون كانوا جُلهم يمارسون العمل المحاماتي لجدواه ولمردوده المالي المقنع لهم، ناهيك عن مكانة هذه المهنة الانسانية والاجتماعية المرموقة، وبسبب من ازدياد أعداد المحامين بشكل ملفت، وتراجع مردود المهنة المالي، وما رافق ذلك من مشكلات وتشويه لصورة هذه المهنة الانسانية، وتشريع لعدد من القوانين المرتبطة بالوظيفة العامة التي جعلتها، ملاذا للمحامين الجدد وغير الجدد، فقد توجه الكثير منهم بخبراتهم وخزينهم الفكري والقانوني لمؤسسات الدولة التي حاولت حينها توفير البيئة الصحية الحسنة، الملازمة لذلك دون أن تمس خدماتهم المحاماتية بالضياع، فأصدر المشرع العراقي( قانون احتساب مدة ممارسة مهنة المحاماة رقم٦٥ لسنة٢٠٠٧)،كخدمة فعلية لأغراض التعيين وتحديد الراتب والتقاعد استثناء من احكام قرار م ق ث المنحل رقم (٦٠٠ لسنة ١٩٨٠)،القاضي بعدم احتساب مدة ممارسة المهنة التي تجيز القوانين النافذة احتسابها لأغراض تحديد الراتب ولأغراض التقاعد عند التعيين في دوائر الدولة والقطاع العام…وفي الاسباب الموجبة للتشريع(٦٥ لسنة٢٠٠٧)، جاء( لرفد دوائر الدولة بالكوادر من ذوي الخبرة المهنية المتراكمة والمتحصلة من ممارسة مهنة المحاماة وتشجيعها على الخدمة في دوائر الدولة….. الخ) شُرع هذا القانون، وبمجرد صدوره التحقت أفواج من المحامين بالوظيفة العامة وكان لالتحاقهم هذا، ابلغ الأثر في تمشية ورسم مسارات العمل الوظيفي على وفق الأُطر القانونية السليمة التي عززت من مكانة وهيبة الوظيفة، الا انهم اصطدموا بتفسيرات لها أول دون ان يكون لها آخر للقانون الذي جاء سريعا ًومبتسراً، حيث أُلحِقَت به تعليمات لتسهيل تنفيذه على حد زعمها، ناهيك عما جاء به قانون التقاعد الموحد رقم (٩ لسنة ٢٠١٤) وبالذات في مادته(٩/ جـ) والتي تطالب مضيفي الخدمة بتوقيفات تقاعدية نسبتها ٢٥ بالمئة من آخر راتب اسمي له في الوظيفة قبل احالته متقاعداً.. مع ملاحظة ان نقابة المحامين تمتنع عن دفع هذه المبالغ حسب نص المادة(١٨ اولا/ هـ من القانون)،الامر الذي يضطر معه القانوني المتقاعد لدفعه من ماله الخاص لترويج معاملته التقاعدية.. حسب ما ورد في المادة(١٩ رابعا) مما يُرهق كاهل الموظفين القانونيين المحالين على التقاعد، في ذات الوقت الذي اجتهدت الادارات سلباً في العنوان الوظيفي والدرجة الوظيفية التي سيُسَكن فيها المحامي الملتحق بالوظيفة، وكيفية احتساب سنوات ممارسة مهنة المحاماة، فجاء قرار مجلس شورى الدولة رقم ٢٠١٢/٦١ في ٢٠١٢/٨/١٣،لينظم تأريخ احتساب مدة ممارسة مهنة المحاماة كخدمة وظيفية في الملاك الدائم وآثارها القانونية، بموجب القانون رقم (٦٥ لسنة ٢٠٠٧)، هل تحتسب من تأريخ تقديم الطلب للإدارة؟ ام من تأريخ صدور الامر الاداري الصادر باحتسابها، وانقسم في ذلك أولي الأمر فمنهم من يرى ان تأريخ تقديم الطلب هو المعتمد في ذلك، لأن المطلوب إضافتها هي خدمات سابقة للطلب وسبق وان سدد عنها الموظف القانوني مبلغ التوقيفات التقاعدية لنقابة المحامين،
‎وبموجب قانون صندوق تقاعد المحامين رقم(٥٦ لسنة ١٩٨١)، ومنهم من يرى ان الأثر القانوني يترتب من تأريخ صدور الأمر الاداري بذلك لانطوائه على أثارٍ مالية تكلف الخزينة عبئاً ثقيلاً، وهو ما ذهب اليه كتاب الامانة العامة لمجلس الوزراء بضوابطه المعممة بالرقم( ٢/١/٢٧/٨١٣٢ / ق) في(٢٠٠٨/٤/١٦) والقاضي بعدم رجعية الاثر القانوني للأوامر الادارية، لانطوائها على جنبة مالية، معللة اتجاهها الملزم بالمادة(١من القانون رقم ٦٥ لسنك ٢٠٠٧) ونصها( تحتسب للمحامي المعين بوظيفة رسمية مدة ممارسة مهنة المحاماة خدمة فعلية لأغراض التعيين وتحديد الراتب والتقاعد استثناء من احكام ق م ق ث المنحل رقم(٦٠٠ لسنة ١٩٨٠)، والمادة (٢ من ذات القانون) ونصها( ينفذ من تأريخ نشره في الجريدة الرسمية)، وقدر تعلق الامر بتأريخ دخول القانون حيز النفاذ فان ذلك لا يقدح حجة لمذهب الأمانة العامة لمجلس الوزراء، فتأريخ النفاذ السابق لطلب الموظف لا علاقة له بتاريخ احتساب الخدمة والحاقها بخدمته الوظيفية ولا مساس له بروح القانون إذا ما أُحتُسب الاثر من تاريخ الطلب، والحقيقة ان المشرع العراقي بعد العام ٢٠٠٣ كان شحيحاً لأبنائه ،وتزداد شحته تدريجياً قدر كرمه لنفسه، ولعبة السكوت عن الأثر الرجعي يلعبها في اغلب التشريعات إن لم اقل كلها ،والماسة منها بحياة وارزاق الناس، فقد فعلها في قانون التقاعد في أكثر من مادة كما هو الحال في المادة(٢١ سادساً) في سكوته عن الاثر الرجعي للمحالين على التقاعد ممن بلغوا السن القانونية دون ان تكون لديهم خدمة(١٥ سنة)، حيث درجت تطبيقات دوائر التقاعد بعدم شمولهم بالراتب المقطوع او الراتب التقاعدي بحده الادنى حسب ما ورد في المادة( ٢١ / رابعا)،من القانون رقم ٩ لسنة ٢٠١٤)، والغريب الغريب ان من راجع المحكمة الاتحادية العليا من المسكوت عنهم في الاثر الرجعي اعلاه، حصل على قرار اتحادي ( حصري بحالته كل منهم على انفراد) يقضي بشموله بالا ثر الرجعي بنص المادة (٢١/ رابعا) وتم تخييره بين الراتب التقاعدي او المبلغ المقطوع، ولا يجوز للغير الاحتجاج به كما لا يجوز لدوائر التقاعد اعتباره سابقة قضائية تسري على الحالات المماثلة.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة